كُتاب الرأي

الخطاب الشعري لعبد الله باشرحيل: بين الدلالة والجمال

 

الخطاب الشعري للشاعر د.عبد الله باشرحيل بين الخبء الدلالي والسطوع الجمالي

قراءة د. هشام محفوظ

تـقـدمــة :

ينشأ وينمو التماسك النصي الجمالي في الإبداع في أجواء التلقائية التي نظنها سهلة ، لكنها في الحقيقة مما يصعب إبداعه إلا على من لامست ملكةُ الإبداع الشعري عنده روح الكتابة المبدعة وأنفاس الإلهام المدهش .وتلك سمة من سمات المبدع المحترف .
فالتكلف أوالمبالغة المجانية في الصور البلاغية داخل النص الإبداعي تحوله لنشاز لا متعة فيه؛ لأنه يفقد وظيفته الفكرية والجمالية ويصبح هدفا في حد ذاته لا يصب في السياق الإبداعي المتماسك .
ولكم كنت مدهوشا بقراءة فيض من إبداع الشاعر العربي الكبير الأديب الدكتور عبدالله باشراحيل ، وكم كان الحديث طوال العقدين الأولين من بداية الألفية الثانية وحتى الآن يطول مع الأصدقاء الإذاعيين المهتمين بالإبداع والأصدقاء المبدعين والمثقفين ومن بينهم الصديق الإذاعي الأستاذ طارق عابدة الذي صاحب برنامج” النص الأصلي” على موجات إذاعة البرنامج العام ، والذي تربطه بالشاعر صداقة عميقة عن إبداع الشاعر الكبيرذي النزعة الفكرية والروحية والإنسانية والطاقات الجمالية الدالة.
ولا تغيب عن ذاكرتي هذه الكلمات لأستاذنا الناقد الأدبي الكبير الراحل الدكتور صلاح فضل حول الخطاب الشعري عند الشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل الذي يعد واحداً من أكبر شعراء المملكة العربية السعودية المعاصرين المتميزين بوفرة وضخامة إنتاجه الإبداعي الشعري ، وهذا ما ذكره أيضاً الكاتب والشاعر الأستاذ صلاح البيلي عن الشاعر الكبيرفي مقال له على صفحات مجلة المصور: “يقدم المشروع الإبداعي لعبد الله باشراحيل الذي استمر منذ ربع قرن بالوتيرة ذاتها نموذجا فائقا لانتصار شعر الحياة المحافظ في قوالبه ، والمتمرد في دلالته ، فهو مفعم بالغنائية ، ومثقل بالتعبير الشجي عن وجدان الإنسان المعاصر وضميره”..
ولقدكتبتُ موجزا قرائيا استكنهت فيه جوانب من مواطن الجمالية في قصائد من ديوان “شموس مظلمة” إلى أن أهداني صديقي العزيزالشاعر والقاص الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ صلاح البيلي مدير تحرير مجلة المصور عدة دواوين شعرية للشاعر الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله باشراحيل المنتصر بشعره للحياة وما بعدها بمجموعة من العناوين ذات تماسك نصي دال برؤية خاصة للعالم تمتزج فيها روحانية الفيلسوف الصوفي الشاعر ، بالحكيم المفكر ، الباحث لنفسه وللإنسانية عن قارب النجاة ، مما يشير إلى احترام الشاعر باشراحيل لما أفاء الله عليه به من موهبة شعرية تتسم باحترافية الإبداع الشعري .

وإذا كان الشاعر و الروائي السوري هوشينك أوسي يرى أن “الكتابة حين تتحول من هواية إلى مهنة واحتراف، فعلى الكاتب المحترف احترام مهنته، ومنحها المزيد من العناية والجهد.
كذلك القراءة، إذا انتقلت من طور الهواية إلى مستوى المهنة والاحتراف، فعلى القارئ المحترف احترام مهنته وإتقانها عبر بذل المزيد من الجدية والاجتهاد.” ثم يتساءل:
هل يمكن للقراءة أن تتحول إلى مهنة؟ نعم، وهذا منوط بالقارئ ومستويات التلقي لديه.
ويضيف الكاتب الروائي والشاعر هوشينك بقوله:”يعني؛ كاتب محترف + قارئ محترف = شراكة ثقافية وأدبية ناجحة”.
فتلك الشراكة نجدها في البستان الإبداعي لدى الشاعر الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل الذي تضمن هذه العناوين الشعرية لأن خطابه الشعري متماسك دال تتجدد دلالاته في كل قراءة :
معـذبتي
الهوى قدري
النبع الظامئ
الخوف
قناديل الريح
سيد الصحراء(في مدح الملك المؤسس للشقيقة المملكةالعربية السعودية)
أقمار مكة
أبجدية قلب
قلائد الشمس
بماذا تتنبأ ياصديقي؟
المرايا
أنفاس الورق
الجراح تتجه شرقًا
وحشة الروح
البرق الحجازي
عمر بلا زمن
صباح
بيت القصيد
المصابيح
مدن الغفلة
عصر الشعوب
شموس مظلمة
لمع وومض.
شذرات.
قرابين الوداع.
ديوان كهوف الوهم.
ديوان بوح النسائم.
ومن إبداعاته النثرية التي لم تخل من وشائج غير منبتة عن أنفاس الشعر :
صدى الصمت (الصدى الأول، الصدى الثاني) توقيعات (ترجم إلى عدة لغات)و (أحاديث الأحداث) و(خريف الفكر )و(الشعر الشعبي) و(صدى العصر -سياحة فكرية)..
العـنونـة :
من هنا وجدت في هذه الدواوين الشعرية إلى جانب إبداعه النثري ما يسمح بوجود رؤى قرائية مختلفة تتجدد مع كل قراءة ، تجلى ذلك أكثر ما تجلى في المركبات اللغوية للصيغ العناونية .ليقدم لنا على المستوى الإبداعي والثقافي شراكة ثقافية وأدبية ناجحة بين المبدع الفذ المحترف و القارئ الملتزم المحترف .
في ضوء تلك المعادلة التي تحدث عنها الأستاذ هوشنك أوسي ؛
“كاتب محترف + قارئ محترف” = شراكة ثقافية و أدبية ناجحة تم الاعتماد على ما قد اهتمت به الدراسات النقدية الحديثة في دراسة المركب العنواني ، باعتباره عتبة نصية مهمة، حيث يعد العنوان البوابة أو المدخل الذي يستطيع القارئ الدخول من خلاله إلى نصوص الديوان، فالعنوان للديوان بمثابة الرأس للجسد ، فلا يمكن تجاوز العنوان إلى المتن ، دون التوقف أمامه؛ لأنه يمثل نقطة اتصال مهمة بين خارج النص وداخله، وقد سعت هذه الدراسة إلى دراسة عناوين دواوين عبدالله باشراحيل وتحليلها والكشف عن دلالاتها فكانت عناوينه بمثابة مرآه تعكس الواقع بمعطياته التاريخية والاجتماعية والسياسية.
و تأسيسا على معادلة (كاتب محترف + قارئ محترف = شراكة ثقافية وأدبية ناجحة) نتعمق السبائك اللغوية للمركبات العنوانية لدواوين الشاعر واضعين في الاعتبار هذين العنوانين لديوان:”بماذا تتنبأ يا صديقي” و عنوان ديوان ” قرابين الوداع” .
العناوين معظمها من كلمة أو كلمتين وقلما تأتي من ثلاث كلمات .
وهي جمل اسمية ، مما يدل على الثبات والاستقرار على ما يصنع وضوح الرؤية..
وإذا وجدنا ديوانا عنوانه “الخوف” أو “مدن الغفلة”أو ” شموس مظلمة”وجدنا دواوين أخرى عنواينها :
” أقمار مكة”و ” صباح” و”المصابيح” و “البرق الحجازي” و”قلائد الشمس”لمواجهة الخوف ومدن الغفلة .
*الشعر قضية:
من منطلق الشراكة الثقافية مع الشاعر نجد كأنما تتنبأ تلك العناوين بما يشكل حقيقة الاستراتيجية الدلالية في المسيرة الشعرية لدى الشاعر تعبيراً عن انتصار نورانية الحق و الخير والجمال وكل ما يود أن يذكره به “الأكارم” وهو الذي عاش عمرا شعريا إبداعيا – متعه الله بالصحة والعافية وبركة العمر – في مواجهة” عمر بلا زمن” دون النظر في “المرايا” للتأكد من ثبات قسمات الثبات على وجه الحق في مسيرة الإبداع ، فالشعر من وجهة نظر الشاعر قضية ، ولقد أخلص لقضيته .

ففي قصيدة( حينما أعود) من ديوان (شموس مظلمة) الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل نجده يقول:

وحينما أعودْ

فإِنني

أُهديكِ عنبراً وعودْ

وباقة من زنبق

تحيطه الورودْ

وحينما أعودُ

قد ترينَ لهفتي

ولو عتي

وفرحتي،

والشوقُ يا حبيبتي

يبوحُ للعيونْ

عن رحلتي

عن غربتي

عن لهفتي

لطيفك الودودْ

وحينما أعودْ

أشكو إليك حرقة الجوى

من الغرام والهوى

أنا الذي اكتوى

بالسُّهد والشرودْ

فيا ربيعَ وقتِيَ الجديد

نسيتُ كلَّ

ما عداكِ في الوجودْ

وحينما أعودُ

سوف يحكي الزهرُ قصَّتي

للوردِ في الخدودِ

حينما أعودْ

الشاعر د.باشراحيل يؤمن بأن الشعر قضية ولذلك يواجه الزيف و لا يعتد إلا بنورانية الحق والحقيقة عبارة العنوان (حينما أعود) هي أول وآخر عبارة في القصيدة و هذا ما يستقطب وعينا القرائي لهذا النص الدال على مواجهة إيجابية خلاقة لتلك الشموس الزائفة ؛ حيث عبر الشاعر باشراحيل عن زيف هذه الشموس التي لا تنتمي إلى الحقيقة ، عندما وصفها بالإظلام على عتبة غلاف هذا الديوان المعنون
بـ( شموس مظلمة)الذي وردت به هذه القصيدة (حينما أعود)

فنحن أمام كاتب محترف يؤمن بأن الشعر قضية إنسانية وجمالية ، ولابد أن يكون القارئ محترفا لتتحقق شراكة ثقافية وأدبية ناجحة تستخرج مخبوءات الدلالة ومكامن الإدهاش الجمالي في الخطاب الشعري لدى د.باشراحيل حفيد امريء القيس ابن مكة المكرمة .
رائع أن نجدالشاعرباشراحيل في هذا الراهن الواقعي الإنساني العالمي المأزوم – يؤمن بأن الشعر قضية. أيضا بمطالعة كلمات الإهداء لديوان “قرابين الوداع ” نكتشف ذلك ؛ فقد
كتب الشاعر الدكتور عبد الله باشرحيل في إهداء ديوانه “قرابين الوداع ” ثلاثة أبيات إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء فيها :

إلى رسول الهدى أهدي الذي انكتبا
مدائح فيه تحوي الشعر قد عذبا
للشمس أمي وللبدر العلي أبي
من أورثاني التقى والفضل والنسبا
لكعبة الله نور الأرض قاطبة
لأرض مكة أرضي أنشر الأدبا

إن الإهداء ركيزة أساسية في هذا الديوان ، فهو على هذا النحو له دور دلالي بارز وله صله بمحتوى النصي لكل قصيدة في هذا الديوان “قرابين الوداع”، كما يفتح آفاقاً من التأويل لقراءته .. الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على عمق التأثر الذاتي لدى الشاعر بالذات المحمدية للرسول الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .
وكما أن الشاعر سلاحه الكلمة ، فإنها كذلك وسيلته وما يستعين به في التعبير عن إجلاله ومحبته لمن يُهديهم ديوانه ” قرابين الوداع”.
وكلمة قرابين مضافة إلى كلمة الوداع ، تحيلنا إلى قرباني ابني سيدنا آدم ، قابيل وهابيل ، ولفت الأنظار بطرف جمالي إلى سر قبول الله عز وجل لقربان هابيل مع رفض قربان قابيل في الوقت نفسه .
الإهداء على هذا النحو يؤكد يقظة ذات الشاعر وهو في أعلى درجات الانتماء للواقع المعيش اليوم ، هو واقع مترع بالتحديات والمتناقضات . ومن ثم فالإهداء يؤشر على خطاب ثقافي مغرق في الواقعية البناءة ، فهو غير متناقض مع نفسه . فالإهداء يكتنز أنساقا ثقافية نورانية لانفتاحه على أسمى المعاني والأخلاق الكريمة في شخصية الرسول الكريم الذي أهدى له الشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل ديوانه ، نتعمق الكلمات والعبارات مرة أخرى:

إلى رسول الهدى أهدي الذي انكتبا
مدائحا فيه تحوي الشعر قد عذبا
كما يهدي ديوانه للشمس أمه
للبدر العلي أبيه
لكعبة الله نور الأرض
لأرض مكة
ليس اعتباطا أن تكون الأم في هذا الإهداء شمسا، وأن يكون الأب بدرا، فالمضيائية والنورانية ترمزان للمعرفة.. والعطاء والتضحية والوفاء بلا حدود .
وكذلك” الكعبة” في نص كلمات الإهداء ترمز هي وأرض مكة بسرمدية هذا العطاء الرباني النوراني الكريم بأرض النور التي حوت أول بيت وضع للناس ، ذلك المكان المناسب لمهبط الوحي ونزول القرآن على نبي الهدى ، هي المكانية المفعمة بالرحمات والبركات حيث بيت الله الحرام .
الشاعر بهذا الاهداء يقدم قيما نبيله من نفسه البشرية التي تدربت على الصفاء والنقاء وكيفية إدراك التمييز بين الخير وبين الشر، محذرا في هذا الديوان قارئه الإنسان- في كل مكان من الاستسلام للفشل ـ موقنا بأنه من كان مع الله كان الله معه . هذا التعبير الذي أورده الشاعر في مقدمة كتابه الشعري “قرابين الوداع”💚
ولذلك فان مجيء الإهداء على هذا النحو في صدارة الديوان لنبي الهدى ؛ يكشف عن النزعة الإنسانية في السيره الشعرية لدى الشاعر عامة ، ومسيرة هذا الديوان بشكل خاص ، لينبلج صباح الصادقين،
ولكي يشيد الإنسان في عالمه “دولة الفكر والحب الإنساني” ..

إن الخطاب الشعري لدى د. عبدالله باشراحيل قديمه وحديثه حقل خصب يرتاده الدارسون والنقاد على مختلف مشاربهم ومستوياتهم وكل من شغفه حب الشعر العربي أسرارا للكتابة وكما لا محدوداً من الخبء الدلالي والجمالي فاللؤلؤ لا يسبح على السطح ، لا نجده طافيا على السطح ولا نحصل عليه إلا بمهارة غائص حاذق .
ونستثمر في هذا المضمار ما يقوله الدكتور باشراحيل موضحا مفهومه للشعر :
“إن الشعر قضية، والشاعر إذا لم يكن صاحب قضية في شعره ، فليس بشاعر، وكل ما يقوله مجرد لصق الكلمات بعضها إلى بعض ، مفتقدة الى رجاحة القول وقوه المعنى والمبنى ”
ومن ثم يكون ضربا من “الإسفاف وضحالة المعنى وتكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقليه ويعرض عنه حذاق الشعر وأهل البيان”
للأستاذ علي خضران القرني كتاب بعنوان قراءة في شعر (عبدالله محمد صالح باشراحيل) و لأنه لم يجد إسفافا أو ضحالة المعاني أوتكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقلية وجدناه يقول ونحن معه فيما قال:
“يظل شعر د. عبدالله باشراحيل قديمه وحديثه حقلاً خصباً يرتاده الدارسون والنقاد على مختلف مشاربهم ومستوياتهم وكل من شغفه حب الشعر العربي الأصيل..
والخطاب الشعري لدى باشراحيل مترع باللؤلؤ المخبوء في أعماق الصياغة وكما قلنا اللؤلؤ لا يسبح على السطح .
تؤكد ذلك تلك الدراسات والقراءات التي نقرأها هنا وهناك بين الحين والآخر لكبار كتاب العرب ونقادهم على المستويين المحلي والخارجي لاحتواء شعر الشاعر على الخصائص والمقومات والمناحي التي تحقق رغبة القارئ وتشبع نهمه وتحوز على رضاه.وعن القصائد التي كتبها باشراحيل عن الوطن.
قال الأستاذ علي خضران القرني: لا غرابة أن يكون للولاء في شعر باشراحيل ابن مكة المكرمة وعاشق بيتها العتيق وثراها الطاهر حظه الوافر ونصيبه الأوفر ليثبت لأمته ووطنه وقيادته حبه الكبير لنراها أرضاً وناساً وقيادة وإخلاصاً وولاء وصدقاً.وحب الوطن من الإيمان .. وحكامه جزء من هذا الحب الكبير..فلا غرو أن يتغنى الشاعر بأمجاد أمته وقادتها..
دون تكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقلية ويعرض عنه حذاق الشعر وأهل البيان”

ومن هنا فلم أذهب إلى حيث يذهب بعض الأساتذة من النقاد في قراءة الشاعر ، فقمت بقراءة الخطاب الشعري لدى الشاعر فعلمت أنني
لن أضيع جهدي وأكتم انفاسي غائصا باحثاً عن مكامن الإبداع إلا مع ما يستحق ؛ ومملكة شاعرنا الكبير المبدع عبدالله باشراحيل التي استحقت جهدي القرائي بمفاتيح رمزية مهمة في خطابه الشعري .

نقرأ على سبيل المثال نص قصيدة “الزمان “من ديوان” قرابين الوداع”

هو الزمان وكم ذا مر بالأممِ
وما توقف رُغم البين والألم ِ
كل الخلائق في شغل وفي عنت
إذ السلامة ما يرجون من سقم
مَر الزمانُ ُمريبا في تقلبه
ما شاب قط ولم يفزع الى الهرمِ
24 يونيو 2021
(..) ديوان قرابين الوداع ص 313

كأنما الشاعر يسأل نفسه ويسألنا:
ماذا أعد قراء الزمان لعصر ما بعد التقدم العلمي الرقمي؟

“هو الزمان وكم ذا مر بالأممِ
وما توقف رُغم البين والألم ِ”

نص” علم ما بعد العدم ” بمناداته ” قاريء الزمان ” يفتح آفاقاً من التساؤلات بشأن عالم ما بعد الرقمي ، ذلك المصطلح الذي يتردد اليوم و علينا فهم أبعاده بصورة واضحة اليوم ، حيث سيكتسب كل من الإنسان و التقنيات خصائص متغيرة فيه ، فإذا أردنا التغيير كما يتغير العالم بأكمله علينا أن نتخذ موقفا استباقيا بشأن العصر ما بعد الرقمي و الذي أكدت الدول المتقدمة علميا أنه سيبدأ مع بداية العام الجديد 2025 .

إن مصطلح (ما بعد الرقمي ) باتت تروج له وسائل إعلام الدول المتقدمة منذ فترة ليست بالقصيرة حيث المسوقين و المحللين هنالك مشغولون جميعا في خطاب ما بعد الرقمي، وكما هو واضح الآن أن كل شيء أصبح رقميا بالفعل ، فنحن نتفاجأ كل يوم على خبر إكتشاف تقنية رقمية جديدة في كافة مجالات الحياة.
وهذا ما يمكن أن نلمسه في قول الشاعر
(كل الخلائق في شغل وفي عنت)

إذن ما هو مفهوم (ما بعد الرقمي) ، أنه موضوع ليس مفهوما و معروفا لدينا على نطاق واسع لحد الآن لكنه يشكل أهمية بالغة لفهم الطريقة التي يتطور بها العالم الرقمي المعاصر لقد انشغل الشاعر بقراءة الزمان وانظر إليه في نص “علم ما بعد العدم ” يقول:
يا قارئ الزمان
أنت تقرأ الزمان في القدم
تعلم الزبورَوالتوراة والإنجيل والقرآن
تسأل الرواةَ منذ رحلة الأزل
توثق الكلم
تشرح الألواح والصحف
تفسر الفرقان والحديثَ
كم تقول بالحكم
وتنشر البيان ؛ الشعر والأدب
وما أتت به العلومُ في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والأحياء والفلك ما بها وما لها وان رايت الشمس والقمر
يا قارئ الزمان يا معقل العقول
أنت ما علمت عن مواقع النجوم
ما بها وما لها وإن رأيت الشمس والقمر
فأنت تجهل الذي في بطن هذي الأرض
ما ذرا وما انتهى من الأمم
…….
لم يحو علمُك الكبير علمَ ماانبهم
كل العلوم جئتها جرى بها القلم
……. 22 يونيو 2023
الديوان ص 311
بهذا المعنى الشاعر يستدعي وعينا العربي الإنساني للبحث في ( ما بعد العصر الرقمي ) حيث الانتقال من العصر الحالي الذي نعيش فيه ونشعر بالإعجاب أو الألم أو الإثارة للتقنيات الرقمية الحالية التي تعرفنا عليها إلى التغيرات الهائلة التي ستحدثها التقنيات ما بعد الرقمية.

نص “علم ما بعد العدم ”
يا قارئ الزمان
أنت تقرأ الزمان في القدم
تعلم الزبورَوالتوراة والإنجيل والقرآن
تسأل الرواةَ منذ رحلة الأزل
توثق الكلم
تشرح الألواح والصحف
تفسر الفرقان والحديثَ
كم تقول بالحكم
وتنشر البيان ؛ الشعر والأدب
وما أتت به العلومُ في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والأحياء والفلك ما بها وما لها وان رايت الشمس والقمر
يا قارئ الزمان يا معقل العقول
أنت ما علمت عن مواقع النجوم
ما بها وما لها وإن رأيت الشمس والقمر
فأنت تجهل الذي في بطن هذي الأرض
ما ذرا وما انتهى من الأمم
…….
لم يحو علمُك الكبير علمَ ماانبهم
كل العلوم جئتها جرى بها القلم
……. 22 يونيو 2023
الديوان ص 311

في الواقع هذا يجلب معه تحديات و أسئلة كثيرة ، ما الذي سيفعله الواقع العربي حيال أنظمة كأنظمة الخوارزميات المعقدة ؟
“لم يحو علمُك الكبير علمَ ماانبهم
كل العلوم جئتها جرى بها القلم”

إن الأمر يتطلب منا التحلي بالقدرة على التكيف مع التغيير القادم ، ففي الوقت الذي يستعد فيه العالم بأجمعه لعصر ما بعد الرقمي الذي من المتوقع أن يجلب معه تغييرات غير مسبوقة للمجتمع بأكمله ، هل أعددنا نحن العدة لمواجهة هذا الأمر الخطير ؟
لكن الشاعر متفائل إذ يدعو إلى إعمال العقل الإيماني في البحث في
“علم ما بعد العدم ” .

من هذه العلوم المقلقة العلوم ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي .يعلم الجميع أن هناك فجوة رقمية كبيرة بيننا و بين العالم المتقدم ، و لسد هذه الفجوة أو التقليل منها على الأقل و احتواء تأثيراتها لابد أن نلجأ إلى علماء المستقبل لدينا ، و نزيد من قدراتهم على توقع التغيير القادم و تحليل تاثيراته المحتملة و تزويدنا ببحوث و دراسات عما ينتظرنا في المستقبل ما بعد الرقمي .
………….
“يا قارئ الزمان يا معقل العقول
أنت ما علمت عن مواقع النجوم
ما بها وما لها وإن رأيت الشمس والقمر
فأنت تجهل الذي في بطن هذي
الأرض
ما ذرا وما انتهى من الأمم
…….
لم يحو علمُك الكبير علمَ ماانبهم
كل العلوم جئتها جرى بها القلم”
……. 22 يونيو 2023
الديوان ص 311
………..
ولنا أن نتساءل:هل نادى الشاعر عام 2023 في نص قارئ الزمان أو “علم ما بعد العدم” بما يمكن أن نفهمه من الفيلم الأمريكي In Time ، ذلك الفيلم من الخيال العلمي ؟!
فيلم In Time من الخيال العلمي وُظف فيه الأكشن الأمريكي ، من كتابة وإخراج ، للتعبير عن دور مواطنين في مجتمعٍ ، يتوقف فيه عمرُ الناس عند الخامسة والعشرين. وبدلًا من استخدام النقود، يفرض نظام اقتصادي جديد على الناس استخدامَ الوقت كعملة للبيع والشراء، وتوجد على ذراع كل شخص ساعةٌ تعد الوقت الذي تبقى للشخص على قيد الحياة.
لا نبالغ إذا قلنا: إننا نجد قدرا من هذا الهاجس في نص”قارئ الزمان”
فيرسل للإنسان رسالة واضحة:
“لم يحو علمُك الكبير علمَ ماانبهم “!
لأنك أيها الإنسان
“تجهل الذي في بطن هذي
الأرض
ما ذرا وما انتهى من الأمم ”

الشاعر الكبير الرائع عبدالله باشراحيل متعه الله بالصحة والمزيد من التألق والإبداع استطاع أن يضيف إلينا مفاتيح رمزية مهمة في خطابه الشعري لإبرام صفقات ناجحة مع الذات القارئة والباحثة عن الجديد في الإبداع الشعري، فلكم هي مؤثرة قصائده في كل ديوان من دواوينه الشعرية المترعة بجواهرالمشاعر والأفكار والبلاغة .
الشاعر السعودي عبدالله باشراحيل قامة كبيرة ، فهو فيما يبدو يرى ما يراه العلماء والخبراء والمحللون السيكلوجيون أن البانتوفوبيا إذ تعني الخوف من كل شيء ، ومن ثم فهي من معوقات بلوغ الروح مرادها في هذا الواقع في تلك الحياة وما بعدها . ولذلك فهو يدرك أهمية أن نراعي وجودنا الإنساني و لكي يسهل محاورة منتَجه الإبداعي الذي يسهم في تقديم منتج قرائي تحليلي إبداعي فارق ، لما يتميز به من شاعرية ، ولما تتميز به نصوصه الشعرية من أعماق سسيولوحية ونفسية ورمزية ، ومما لا شك فيه قد وضع في الحسبان ما قد لخصه لنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين – رحمه الله – بشأن هذا التمايز بين الإنسان في الغرب، والإنسان في الوطن العربي بقوله :
(في الغرب لا يوجد شيء مقدس سوى الإنسان، وعندنا كل شيء مقدس عدا الإنسان!).
نحن نجد احتشاد طاقات لا محدودة في الخطاب الشعري لدى شاعرنا من أجل الإنسان لنجاته من مخاوف لا حصر لها .
بعبارة أخرى:الخطاب الشعري لدى د.باشراحيل مواجهة للبانتوفوبيا بموهبة معبرة قادرة على أن تعبر إلى الذائقة فتثري الوعي والإدراك القرائي الإنساني لتزيل القلق الإنساني و كل خاطر سيء لدى إنسان هذا العصر المثقل بالتحديات و الأزمات
(((…..)))
في خطاب شاعرنا لغة القصيدة تتميز بالشفافية ، هي أشبه بسطح بللوري التوصيل ، جسر للتعبير بمستوى تصويري كنائي دال ، حيث تشف اللغة عن منطق اللاخوف وهو ما يتناسب مع منطق التعبير عن روح الشهيد

وإذا كانتكلمة التيمة Themeمفردة تستخدم عند تحليل النصوص الأدبية بشكل عام ، وهي تشير إلى موضوع النص الأدبي مهما كان جنسه ؛ فهي تشير إلى المعنى الأعمق في النص . التيمة بعبارة أخرى هي وجهة نظر العمل المحددة حول الفكرة ؛ فهي فكرة العمل ، بالإضافة إلى رأي المبدع . ويقال إن التيمة تمثل الرؤية أو الرسالة التي يريد المؤلف إيصالها من خلال محتواه النصي العام
نجد نقاط تماس بين قول الشاعر عبدالله باشراحيل بقول أبي العلاء المعري:
عُيوبي إِن سَأَلتَ بِها كَثيرٌ
وَأَيُّ الناسِ لَيسَ لَهُ عُيوبُ
وَلِلإِنسانِ ظاهِرُ ما يَراهُ
وَلَيسَ عَلَيهِ ما تُخفي الغُيوبُ
يَجُرّونَ الذُيولَ عَلى المَخازي
وَقَد مُلِئَت مِنَ الغِشِّ الجُيوبُ
وَكَيفَ يَصولُ في الأَيّامِ لَيثٌ
إِذا وَهَتِ المَخالِبُ وَالنُيوبُ .
من أقوى نصوص أمل دنقل وأجملها:
في البدء كنت رجلاً.. وامرأةً.. وشجرةْ.
كنتُ أباً وابنا.. وروحاً قدُسا.
كنتُ الصباحَ.. والمسا..
والحدْقة الثابتةَ المدوّرةْ.
… … …
وكان عرشي حجراً على ضفاف النهرْ
وكانت الشياهْ..
ترعى، وكان النحلُ حول الزهرْ..
يطنُّ والإوزُّ يطفو في بحيرة السكونِ،
والحياةْ..
تنبضُ – كالطاحونة البعيدة!
حين رأيت أن كل ما أراهْ
لا ينقذُ القلبَ من المللْ!

أجواء شاعرة عابرة إلى الأفئدة ،
تملأ المشاعر برقص الورد
وطلة المطر في هجير الحياة
لقد أدهش دهشتنا شاعرنا الأستاذ عبدالله باشراحيل
بمعاتباته الشاعرة الذائبة في عنفوان حنان مشاعره الضافية..
شعر يليق بالإدهاش المنشود في مداهمات أرقنا بهذا الوجود
أقرأ دائماً قصائده فأبتهج لمهارة صوغ المعاني والمباني بتلقائية تدمج الخيال و الأفكار لنستقبل دائماً جديداً رائعا كما نستقبل- ببصيرة الذائقة لإبداعه – صوت الحكمة كهمس المحار للموج ، و بتلك الذائقة تصغي آذاننا لصوت هذه الحكمة المخبوء في القصائد .
*اللغة:
إن الأمر يحتاج إلى دراسة مستقلة لتوظيف خلايا التلقي القرائي لاستبصار ما بين مفاصل الكلمات والعبارات في عالم باشراحيل الشعري فالتراسل الحسي من أهم التقنيات التي جاءت بها المدرسة الرمزية التي نشأت في أوروبا ولمس شعراؤها تشابه الموقع النفسي للحواس ، إذ يترك اللون أثرا يشبه أثر برودة المطر أو وقعه ، أو الزرع وخضرته أغوار الصوت وصداه خلايا التلقي(..)
الكتابة الشعرية الجادة هي المتماسة مع وجودنا الإنساني ولقد قدر الشاعر عبدالله باشراحيل في الشعر فأحكم شعره ، مفسحا المجال لجماليات التصوير والتخييل والعناصر الأساسية المكونة للنص الشعري المدهش .

إن ثمة أسرارا في الكتابة الشعرية لدى الشاعر الكبير د.باشراحيل .. فالوعاء اللغوي في خطابه الشعري يحتوى على الكثير من المعانى والمفردات والألفاظ، وهذا ما يضع القلريء في حوار دائم مع الواقع اللغوي للخطاب الشعري الذي صاغه الكاتب على صورته النهائية متصورا حجم الحيرة التي أوقعت الشاعر في صراع عند اختيار الألفاظ .
وهذا أحد اسباب هذا التنوع هو الذى جعل الشاعر متفردا وله صوته ومنهجه الذى يميزه عن غيره من الشعراء الآخرين.
والمفردات والألفاظ، وهذا قد يضع الكاتب فى حيرة ، بل في صراع عند اختيار الألفاظ، مؤكدا أن هذا التنوع هو الذى يجعل كل كاتب متفردا وله صوته ومنهجه الذى يميزه عن غيره من الكتاب الآخرين.
جلية هي القيم الموسيقية الموجودة باللغةفي الخطاب الشعري لدى الشاعر الكبير عبد الله باشراحيل وقد أوجد التنوع فى نطاق أصوات الحروف والكلمات مما جعل للشاعر لونا متميزا، القيم الموسيقية جلية فى لغة الشعر، ويتضح ذلك في العالم الشعري لدى الشاعر العربي الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل
إذ يجمع بين الممتع والجميل فى كتابته وبقراءة بسيطة لعناوين دواوينه نكتشف أنه يضع في الحسبان كون الوجود يعيش فى بنية من الثنائيات المزدوجة،كالخير والشر، الأبيض والأسود، الحب والكراهية . من هذه النقطة تظهر حرفية الشاعر فى الخروج من هذا التضاد وخلق نوع من التوازن، لنكتشف في عالمه الشعري أن الإنسان المثالى عند الله ليس “الملاك “ولا” الشيطان” وإنما الممزوج ببعض من السيئات والأعمال الصالحة؛ فيتوب عليه الله ؛ فيصبح مثاليا، هكذا هى الكتابة لدى باشراحيل .

*الشعر قضية:

الشاعر والأديب الدكتور عبد الله محمد باشراحيل مهموم بأن يحتوي خطابه الشعري على قدر لا محدود من أسرار الكتابة ، فهو ذو رسالة شاعرة مترعة بالإبداع ، ذو خطاب شعري حقيقي المبنى متعددالمعنى ..وتلك القراءة محاولة لاصطياد ما يمكننا الكشف عنه ، لأنه
لو اجتمع نقاد الدنيا على قراءة خطاب شعري حقيقي المبنى متعددالمعنى لما اصطادوا كل جوهر فيه ، ليبقى الزمان قارئا لا يبلى ، يأتي بنقاد جدد في كل عصر تال ، ليكون لكل منهم رؤاه، ولكل منهم آراؤه حيال دواوين الشاعر ومن بينها ديوان “قرابين الوداع “هذا الديوان الذي كتب ليدهش و ليؤثر وليحفر آثارا وتأثيرات في النفوس ، وفي الوجدان الجمعي الإنساني..

نقول مع الدكتورة كاميليا عبد الفتاح على صفحتها الإلكترونية يوم الثامن عشر من مارس 2024:
“شتانِ ما بين مهموم بالكشف عن أسرار الكتابة ومهموم بالتكسب بها
ولذلك فقد استدعى الخطاب الشعري للشاعر الكبير عبدالله باشراحيل بما فيه من خبء دلالي وسطوع جمالي البحث عن أسرار وكيفية صناعة ذلك في كتابته فوجدنا أن النصوص الأدبية هي التي تفرض على القاريء الأدبي أدوات من نظريات أدبية دون أخرى ، وهذا المصطلح النقدي دون ذاك لسلامةقراءتنا التحليلية في المظان المختلفة بالخطاب الشعري للشاعر .
ولذلك نتفق مع الناقدة الأدبية الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فنختلف مع من يتعاملون مع نظريات النقد الغربي بوصفها مُسلّمات غير قابلة للـ( النقد ) أو الحوار أو المراجعة ، على أنها غير قابلة للمؤاخذة . وقد أدّى هذا – في حالات كثيرة – إلى إخضاع النصوص الأدبية عنوةً لتتواءم مع هذه النظرية بما تحتوي عليه من مصطلحات ، أو تلك ، وإلى تردد المصطلح النقدي الغربي بإدراك أحياناً ، ودون إدراك في أحيان أخرى، بمناسبة ، ودون مناسبة ، وإلى ما هو أشد خطرا : الحرص على اختيار مصطلح محدد قبل استقبال النص واستعماله ، وإقحامه في الدراسة القرائية النقدية ، دون هضمٍ كامل لدلالته ، ودون استيعاب كافٍ للسياقات التي أنبتته ودفعت به إلى الوجود ، وهي ذاتها السياقات التي تسوجب استعماله . وللأمانة العلمية والفكرية والنقدية هناك نقاد قادرون على تقديم الرؤى ، لكنهم مشغولون بجمع المصطلحات وتكديسها في أوراقهم أكثر من انشغالهم بالرؤية النصية أو الخبء الدلالي في النصوص، لأنهم يخشون ألّا يُعتد بهم ، وألّا يُدرجوا في قائمة النقاد الأفذاذ المُشار إليهم بالبنان ، إنْ هم لم يفعلوا هذا . فهل صار الناقد يُقاس بهذا المقياس ، مثلما يُقاس الإنسانُ عند بعضهم بمستوى ثيابه ، وما إذا كان من أصحاب الــ ( براندات ) *
بغض النظر عن إنسانيته وشخصيته وفكره !
هذه كلمات من ديوان” قرابين الوداع” يقول فيها الشاعر والأديب الحكيم الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل :

نحن خلق وما خلقنا ذُبابه
من خَلَــقَنَا يُميتُنا لا غرابه
الكلمات مليئة بما يعبر عن حضاره الايمان الذي يستقر في المواجيد متواشجا مع الثبات النفسي والعقلي في حضور المضمون المنطقي والتنويري الإيماني ومهارة وكفاءة التعبير الشعري في هذا البيت الذي وجدنا فيه كلمة القافية في هذا البيت (ذبابه) فوق كلمة (غرابة) على المستوى الطباعي
نعم إنها الدهشة الحميدة الإدهاش الجمالي الذي يزيد من الإيمان في في القلوب بفعل هذا التوازن الماثل في هذا البيت الذي صاغه شاعرنا بيتا مفردا ، نصا متكامل العناصر ، ليمثل في الوجدان وفي الذاكرة المعرفية والثقافية والاجتماعية الإنسانية على سبيل الحكمة التي تتجلى وتتحلى بالمقارنة بين:
(نحن خلق وما خلقنا ذبابه)
و..
(من خَلَقَنا يُميتُنا)
لتكون النتيجة هي : (لا غرابه)
إنه الإيمان المستقر في الوعي.
الشاعر صور لنا بأسلوب المقارنة بين ما يقدر على فعله الخالق عز وجل وما لا يقدر على أن يفعله أو يخلقه المخلوق .
الشاعر قدم ذلك بكل ما وسعه من بلاغة ذهنية ولغوية و إيمانية وعلمية معتمدا على تلك المقارنة لإشاعة المناخ الإيماني المنشود في لحظة نجد فيها زعيق البعض بالإلحاد، ومن ثم قام الشاعر بإذكاء روح الفهم المنطقي العلمي لصقل الوعي الإيماني الإنساني وتنميته بهذا الأسلوب الهادئ لإشاعة الصبغة الإيمانية الإنسانية بالعقل والمنطق والحكمة لكل من يقرأ كتاب الكون المنظور
وهنا يتجلى التناص..
وهو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، وهي لا تعني تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص تضميناته من نصوص سابقة، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية. وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة…
لقد تفاعل الشاعر نصيا مع النص القرآني الكريم في قول الحق عز وجل﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾(…)

*الشيطان بين العقاد وباشراحيل:

لم يتم إخضاع النص الأدبي أو هذا البيت الشعري عنوةً ليتواءم مع مصطلح التناص الأدبي ؛ لقد ورد التناص الأدبي نتيجة تفاعل أنظمة الأسلوب في أركان المحتوى اللغوي في النص .
]الشاعر يبحث عن “قارب النجاة” للإنسانية لكي
“يبحر النهار” .

قراءة الخطاب الشعري قراءة بنيوية تكوينية للكشف عن رؤية العالم فيه، وكيف وظفها الشاعر ومنح نصه هذه الدلالات العميقة، وقد تناولت الدراسة قصيدة (الشيطان) للشاعر الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل وقد استدعى النص منهج البنيوية التكوينية في محاولة للوقوف على رؤية الشاعر للعالم وما بعد العالم وكيف تجسدت روح انتصار الإيمان في نصه الشعري، في هذا النص تناول الشاعر وفق الرؤى المتجاورة في العالم التي تشغلنا عن مراقبة من يراقبنا “الشيطان”الذي يتصدر عنوان نص كامل في ديوان “قرابين الوداع”. إن رؤية العالم عند باشراحيل تتجاوز ما هو واقعي لما هو مستقبلي كما أن الشعر مجال واسع للكشف عن هذه الرؤية، ومن النتائج أن الشاعر استطاع أن يمنح نصه أبعادًا عميقة لا يقف عند حدود اللفظ المباشر ، بل هناك معانٍ بعيدة ورمز يقف خلف المفردات ويحلق بها في لغة ساحرة ليمنح المعنى بعدًا فلسفيًّا فظهرت الرؤية لدى الشاعر في صورة رؤى متجاورة
في ديوان “قرابين الوداع”
استطاع الشاعر أن يمنح نصوصه أبعادًا عميقة لا يقف عند حدود العبارات المباشرة..
وعندما نقرأ نص” الشيطان ” :

في قارب النجاةِ
يبحر النهار
حاملا مواجدا الألم
وهو من يودع الديار
تاركا أطلال ذكرياتهِ
وألعابَ أطفاله
وبيتُه القديمُ خلفه
يستصرخ الأبوابَ والنوافذ المكسره
وغرفتان من حجارة وطين
وموقدُُ فيه يُنضِج الطعام
أو قهوة الصباح والمساء
يفر هاربا إلى الوراء والأمام
ليتفيَ مكائد الشيطان
من يُزيغ قلبَ وادع وعابد
وكل من يقول لا للباطلِ المهان
إنه يُهان
عندما يريد أنه الإلهُ وحدَهُ
له الركوعُ والسجودُ
والصيامُ والقيام
والحياة والخلود
وكل شيء في مواسم الحصاد رِفدُهُ عليه يوجبُ الدعاء بالسقام
والحِمام
فاقرأ عليه سورة الفلق
في الفجر والغسق
فإنه بقوة القوي يحترق .
25 يوليو 2023

نجد أن نص الشيطان هذا يؤكدفي لغة معبرة شاعرة أن الشعر يمثل قضية كبرى لدى الشاعر ،
وكأنما قد آلمه أن ثوب التقوى قد تمزق لدى البعض مما يحتم اللواء إلى النهار والإبحار معه ف
“في قارب النجاةِ
يبحر النهار !”
اتساقا مع كون الشعر قضية لدى حفيد امريء القيس الشاعر د.باشراحيل نجده يلقي في وعينا بقصيدة الشيطان ليشير إلى أنه في زمننا الحالي الشيطان تحت سطوة التحديات اليومية و المغريات وتأثيراتها يشاهد كيف يسرق البشر أنفسهم في الحياة يبدو أن البشر أصبحوا مثل الثوب الممزق ، يتخبطون في حياتهم اليومية التي تغويهم وتبعدهم عن الطريق الصحيح. إن الحياة أصبحت مليئة بالتحديات والمغريات التي تجعلنا نفقد السيطرة على أنفسنا وننسى قيمنا ومبادئنا.فنجد الشاعر ينادي ذاته بل كل إنسان:

“يا قاريء الزمان
أنت تقرأ الزمان في القدم”
ليخرج الإنسان من وحشة الروح والفتن إلى قارب النجاة حيث” ملك الملوك”وحده المتفضل بأسباب النجاة من الشيطان بكلماته من سورة الفلق في الفجر والغسق للتخلص من ألم الروح بمفارقة الباطل ليزول الشيطان
” فإنه بقوة القوي يحترق”
كل يوم نواجه تحديات جديدة، سواء كانت في العمل أو في العلاقات الشخصية أو حتى في الأمور البسيطة مثل اتخاذ القرارات اليومية. هذه التحديات تجعلنا نشعر بالضياع والتشتت، وكأننا نعيش في دوامة لا تنتهي.

نحن نكون صيداً ثميناً الشيطان عندما تكون المغريات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. سواء كانت مغريات مادية مثل المال والشهرة، أو مغريات معنوية مثل السلطة والنفوذ. هذه المغريات تجعلنا ننسى أنفسنا ونفقد هويتنا، ونصبح مثل الثوب الممزق الذي لا يمكن إصلاحه بسهولة .
نحن نسرق أنفسنا عندما نسمح لهذه المغريات بأن تسيطر على حياتنا وتوجه قراراتنا. عندما ننسى قيمنا ومبادئنا ونتبع رغباتنا دون تفكير، نكون بذلك نسرق أنفسنا ونفقد جوهرنا الحقيقي والحلول الممكنة
لكي نتجنب الوقوع في هذه الفخاخ، يجب علينا أن نكون واعين ومدركين لتأثير هذه المغريات على حياتنا.

يجب أن نضع أهدافًا واضحة ونسعى لتحقيقها بطرق نزيهة وصحيحة. كما يجب أن نتذكر دائمًا قيمنا ومبادئنا ونعمل على تعزيزها في حياتنا اليومية.
في النهاية، يجب أن ندرك أن الحياة مليئة بالتحديات والمغريات، ولكن يجب علينا أن نكون أقوياء وواعين لكي نتجنب الوقوع في فخاخها. يجب أن نعمل على تحسين أنفسنا وتطوير قدراتنا لكي نعيش حياة مليئة بالسعادة والنجاح حتى لا نصير صيداً سهلاً للشياطين .
تلك القصيدة أجد فيها شيئاً من التقارب أو التماس الدلالي مع قصيدة “ترجمة شيطان” للشاعر والأديب والمفكر المصري عباس محمود العقاد، نظمها في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وكأنها «لفحة من نار الحرب وغيمة من دخانها» وقد ضمنها العقاد ديوانه الثالث «أشباح الأصيل» سنة 1921 وهي قصيدة تزيد عن 300 بيت شعر وقد صور فيها حياة الشيطان .
حيث يقول الشاعر عباس محمود العقاد:

صاغه الرحمن ذو الفضل العميم
غسق الظلماء في قاع سقـــــــــــر
ورمى الأرض به رمي الرجيـــم
عبرة..فاسمع أعاجيب العبـــــــــر
ــــــــــ
خلقة شاء لها الله الكــــنـــــــود
وأبى منها وفاء الشاكــــــــــــر
قدر السوء لها قبل الوجـــــــود
وتعالى من عليم قــــــــــــــادر
ــــــــــ
قال : كوني محنة للأبريــــــاء
واخسئي أيتها النفس العقيـــــم
أيها الشيطان اضلل من تشــاء
سوف تأويك وتأويه الجحيـــم
ــــــــــ
فهوى الشيطان صفر الراحتين
أين يمضي؟أين أقف الأرض أين؟

هذا الشيطان من وجهة نظر العقاد شيطان ناشئ . فرؤيته للوقائع مختلفة عن رؤية الشيطان المدرب ولهذا فهو يعجب من سقوط الناس في سهولة ويسر في حبائله …ويشعر بالزهو والكبرياء …
سخِر الشيطان من قسمتــــــــه
ومن الأرض وما فوق السماء
ومضى يهجس في محنتــــــه
ألهذا تستذل الكبريـــــــــــاء؟
ــــــــــ
ورمى أول فخ فأصابــــــــــا
ودعاه الحق واستلقى فنـــــام
وأناب الحق عنه فاستجابــــا
فإذا الحق لجاج وخصـــــــأم
في ملحمة العقاد الشعرية الشيطانُ لا يلبث أن يكتشف أن الناس أضعف وأذل من أن يحتاجوا إلى غواية أو إذلال. ويشعر بأن الغواية للخير أصعب بكثير من هذه المهمة التي خلق لها. ويستمر في عمله ولكنه يرى ضعف البشر ويكره عمله فيتوب عن صناعة الإغواء لهوان الناس عليه وتشابه الصالحين والطالحين منهم عنده فيرصد العقاد بوفرة من خيال قوله:
“أنت يا رب لطيف في القضـــاء
فاصعق اللهم من يجحد لطفـــك”

أنا لا أشك لحظة أن شاعرنا الأديب الكبيرد.عبدالله باشراحيل قرأ هذا النص ولقد ظل شاعرنا ثابتا على الفهم الإيماني الإنساني النوراني في وعيه كلمات الرحمن الرحيم في كتابه العزيز” وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون”
فنراه يقول بصدق المحبة والسلام:

“سيذكرني الأكارمُ بعد موتي

بأني الصادقُ الشهم ُالنبيلُ

وأحمدُ خالقي كم ذا حباني

بفضلٍ ما يُناظرهُ مثيلُ

وأعلم أن لي عمراً قصيراً

وتدركني المنايا والرحيلُ

سأرحل راضياً عنِّي لأنِّي

صدقتُ وبالوفاء أنا الجميلُ”

شاعرنا د.عبدالله باشراحيل لا يلين مع الشيطان الذي ظهر في نص الشاعر الكبير عباس محمود العقاد وقد تسلط بفتنته على أمم وصل إلى درجة أنه أنف من إهلاكهـــــــــــا:
“ما له يفسد خلقا عدمـــــــــوا
آية الرشد، وهبهم رشـــــدوا
وعلام السلب مما غنمــــــوا
وهم لو غنموا لم يحســـــدوا
ــــــــــ
كلهم طالب قوت–والــــثرى
ذل قوم أو تعالوا – مخصب
وقصارى الأمر في هذا الورى
راسب يطفو وطاف يرســــب”
لكننا نجد شاعرنا الدكتور باشراحيل غير واقع تحت حبائل الشيطان ليقظة الإيمان وتمسكه بشرف التمسك بنبل وصدق وشهامة بالأمانة التي حملها الإنسان:

سيذكرني الأكارمُ بعد موتي

بأني الصادقُ الشهم ُالنبيلُ

وأحمدُ خالقي كم ذا حباني

بفضلٍ ما يُناظرهُ مثيلُ

وأعلم أن لي عمراً قصيراً

وتدركني المنايا والرحيلُ

سأرحل راضياً عنِّي لأنِّي

صدقتُ وبالوفاء أنا الجميلُ

فالشاعروالأديب د.عبدالله باشراحيل شاهدعلى عصره وهذا ما يتغق مع مقال للأستاذ الدكتور يوسف نوفل بعنوان “شكري عياد وتأويل النص “يقول الناقد الأكاديمي المصري الدكتور شكري عياد وفق منهجه في” النقد التفسيري” :”الأديب شاهد على عصره وقومه بحيث لا يمكن فصل الدلالة الفكرية عن الأسلوب الفني”(..) ………………………………………
تماسك الخطاب الشعري لدى الشاعر د. عبدالله باشراحيل
يُعدّ التماسك النصي من أشهر خصائص النَّصّ الأدبي ؛ إذ لا يقوم النَّص إلا بهذا التماسك ، فقد أجمع علماء اللسانيات النصية باعتبار التماسك النصي أساساً في بناء النَّص وصياغتهِ .
فالتماسك في الكتابة أشبه بالجسر المنطقي بين الكلمات والجمل والفقرات. بين عناوين الدواوين الشعرية ، من خلال استخدام العلامات والكلمات التقليدية، وعبارات العناوين ، والتوازي في البناء النحوي ووجهات النظر المتسقة والتكرار .
وبناء على هذا ؛ فلقد كانت الأبنية اللغوية لعناوين دواوين شاعرنا الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله باشراحيل أشبه بمستوى لغوي حتمي لتحقيق التماسك النصي ، فالتماسك بمعناه العام عبارة عن تحقيق النص لمستوى من الإدراك في العالم الذي يحدد الإنتاج لنص/ خطاب ما؛ لذلك يقوم التماسك النصي للخطاب الشعري لدى ابن مكة المكرمة الشاعروالأديب د عبدالله باشراحيل على أسس أسلوبية تمثلت في اختياره لمادته اللغوية و طرق تأليفها والأسلوب المتبع لإبراز المضمون النصي/ الرسالة معتمداً على مقومات بناء القصيدة الشعرية.
فنجده يقول بشفافية لغوية في نص بعنوان “غير الله لا تسأل “:
يقول فخراً واعتزازاً بروح الإيمان واليقين:
غير الذي سواك لا لا تسأل

فهو الكريم بفضله لا يبخل

من قدر الأرزاق يرزق خلقه

إن الغني اللهُ دوما يبذل

لا تشتكي فقرا ولا ضيقا ولا

هما أيشكو ربه المتكفل ؟

رب عظيم لو يضيق بخلقه

ما كان ينعم بالعطاء ويجزل

كل العقول تحيرت في ملكه

مَلك الملوك ، ووحده المتفضل
24 يوليو 2023
ديوان:قرابين الوداع :ص 324

كلمة في الختام :

الشاعر الكبير د.عبدالله باشراحيل – متعه الله بالصحة والعافية والمزيد من التألق والإبداع ، ابن مكة المكرمة – عاشق مصر والمصريين والعروبة والإنسانية، أخذني بأسلوب خطابه الشعري المتميز في تدريم اللغة إلى اكتشاف مالدى باشراحيل من مقدرة على إثبات ثبات الشعر في عالم الحق والخير والجمال ، مضيائيا ، في صباح الصادقين ، ومساء الطامحين إلى السلام في الدارين ، بمهارة في توظيف التناص للتعبير ، بالصورة والإيقاع ، ودقة صناعة المعاني ، عن العديد من خبء الحياة المعاصرة ، والمتوقع في المستقبل القريب والبعيد ، برؤى تستدعي دائما قراءته بجدية وفية للكلمة ، تعلمناها من أساتذتنا ومن بينهم أستاذنا ناقدنا العربي الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى ناصف- رحمه الله – وناقدنا العربي الكبير الأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب متعه الله بالصحة والعافية… وفي الختام أقول متفقا مع الأستاذ عبد السلام فاروق إن الدكتور باشراحيل شاعر وأديب من الجيل الراسخ، جيل الوسط، فهو من مواليد عام 1951م.الذي قال عنه علي أحمد باكثير وعبد الله عمر بلخير: “الشاعر باشراحيل مرآة نفسه، ومنارة عصره، وشعره حافل بالجمال والخيال، ومجمع الوزن والموسيقي”.وقال له أدونيس في رسالة إليه: “إنني رأيت فيك ما يؤكد شاعريتك المتوثبة، وشواغلك الإبداعية، إضافةً إلى تحقيق قفزات تعبيرية وجمالية”.

ولقد صدق شاعرنا إذ قال بروح الوفاء واليقين في بقاء أصحاب الكلمة المضياءة التي تنير ولاتثير التي تبني ولا تهدم، التي تجمع ولا تفرق :

سيذكرني الأكارمُ بعد موتي

بأني الصادقُ الشهم ُالنبيلُ

وأحمدُ خالقي كم ذا حباني

بفضلٍ ما يُناظرهُ مثيلُ

وأعلم أن لي عمراً قصيراً

وتدركني المنايا والرحيلُ

سأرحل راضياً عنِّي لأنِّي

صدقتُ وبالوفاء أنا الجميلُ

لقد استمتعت بقراءة قدر من الخطاب الشعري لدى الشاعر والأديب د.عبد الله باشراحيل المبدع – غيرَ خوار ولا نزِق – بارك الله في عمره وفي يراعه وبخاصة في ديوانه” قرابين الوداع”، فالخبء الكامن في عالمه الشعري سيظل قادراً على الإمساك بمقابض الإدهاش ومن ثم ستكون لنا هناك – إن شاء الله – دراسات تالية ودراسات حول أعماله الكاملة لشاعريته المتوثبة ولأنه يكتب من فيض يقين تام بأن الشعر قضية .
تسعد مصر بتلك القامة الأدبية الإبداعية الكبيرة المثقفة الشاعر السعودي الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل الذي يجمع بين ريادة الأعمال والثقافة والأدب والفكر والإبداع .حصل على ليسانس كليه الحقوق من جامعه القاهرة ونحن نعتبره كما يعتبر نفسه مصريا حيث إن أخواله من مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية ، وهو يفتخر بذلك كما يفتخر بجذوره الممتدة إلى امرئ القيس، شاعر قبيلة كندة .
فالشاعر والأديب الدكتور عبد الله باشراحيل عربي مصري ابن مكة المكرمة عاشق للقاهرة ، كما يعشق كل ما هو عربي ولأول مرة بمصر تنشر الأعمال الكاملة لشاعرنا الكبير الدكتور عبد الله باشراحيل.
وبدار الأوبرا المصرية يشهد حفل توقيع الإعلان الرسمي عن انطلاق جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل – رحمه الله – وهو والد الشاعر ، وذلك عن دار نشر( منازل) التي تولت طباعة ونشر الأعمال الكامله للشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل التي تضم سبعة مجلدات تضم 35 كتابا تتنوع ما بين الشعر العمودي الفصيح ، والشعر الشعبي، والنثر الذي يضم مقالات الشاعر التي نشرت في الصحف السعوديةوالعربية .
بكل التقدير والاحترام والحب أهلا بحفيد امريء القيس ابن مكة المكرمة الشاعروالأديب د عبدالله باشراحيل .
.——————————
-مصادر ومراجع
-القرآن الكريم ، سورة الحج: 73
-الصورة الشعرية والرمز اللوني للأستاذ الدكتور يوسف نوفل الصادر عن دار المعارف – القاهرة ١٩٩٥ في الصفحة ١٦٧- ١٦٨
*بالبحث عن معنى كلمة (براند) Brand تجد أنها عند ترجمتها تعني العلامة أو الماركة التجارية وشاع جمعها في محكيتنا المصرية على براندات أي ذات علامات .
-دكتور محمد ابراهيم عبد العال- النقد الثقافي نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب – مجموعة بيت الحكمة للثقافة – ٢٠٢٣ م – ص ١١ وما بعدها..
-دكتور يوسف نوفل- شكري عياد وتأويل النص- مجلة الكاتب العربي تصدر على الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب – العدد ٩٦ – ٩٧ – أبريل – يوليو ٢٠٢٤ – ص٧١ وما بعدها
-لوسيان غولدمان، البنيوية التكوينيية والنقد الأدبي، ترجمة محمد برادة، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ١٩٨٦ ص ١٣

د.هشام محفوظ

كاتب وناقد وشاعر _ وإعلامي وإذاعي مصري _ عضو اتحاد كتاب مصر _ نائب رئيس شبكة البرنامج العام _ وكبير مذيعي إذاعة البرنامج العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى