كُتاب الرأي

بين الفيل والحمار صراع السيطرة والهيمنة

 

برأيي لا يختلف الفيل عن الحمار إلا في المظهر الخارجي والحجم فكلاهما يمتلك قدرات عقلية متشابهة، وعلى الرغم من اختلافهما في الشكل فإنهما يشتركان في عدة صفات منها على سبيل المثال قوة الذاكرة وسرعة الحركة.
لكن تلك الصفات لا تمنح أيًا منهما القدرة على التفوق على الآخر دون وجود طرف ثالث يُرجِّح من هو المتفوق، والغريب أن الحيوانات في الغابة لا تزال تتوهم أنها تتمتع بالحرية في اختيار قيادتها بينما في الحقيقة هناك قوى خفية تتحكم في مصائرها و”غابتهم المتوحشة” تُدار بالكامل من خلف الكواليس بواسطة قوى خفية تشبه “الغول” الذي يلتهم البشر بلا رحمة في أساطيرنا العربية، وتعكس مشهدا يشبه “عين الدولار والمثلث” رمز القوة المالية الأمريكية ورمز الماسونية اللتين تفرضان سلطتهما على العالم دون مراعاة للعدالة والمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة.

ان الصراع بين “الفيل” و”الحمار” لا يمثل رموزا لمواقف متباينة فقط بل يجسد أيضا منظومة إمبريالية عنصرية توسعية تتغذى على الصراعات والنزاعات والحروب، وتستنزف الموارد البشرية والطبيعية للشعوب، وتحول الإنسان إلى مجرد أداة لتحقيق مصالح القوى الكبرى.
وتاريخيا تتسم سياسات الحزبين الأمريكيين الرئيسين “الديمقراطي” و”الجمهوري” بالقسوة تجاه الأقليات والدول الضعيفة والفقيرة فقد اشتهر “آندرو جاكسون” بتعامله الوحشي مع السكان الأصليين بينما كان “روزفلت” يصفهم بالحيوانات، وهي أفكار تتشابه مع ما يمارسه الصهاينة تجاه الفلسطينيين الذين ينظرون إليهم كـ”حيوانات بشرية” كما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.
فإمبراطورية الاستكبار العالمي تستند إلى مفهوم الاستثناء الذي يمنحها حق السيطرة والتفوق، ويبرر أفعالها الوحشية فقد ألقى هاري ترومان القنبلة النووية على اليابان تجسيدا لإرادة إلهية، ويعكس هذا الفكر اعتقاد “الفيل” و”الحمار” بتفوّقهما على باقي الأمم مما يجعلهما غير مكترثين بعواقب أفعالهما ضد الإنسانية.

وفي الانتخابات الأمريكية لعام 2024 يظهر الصراع الحقيقي بين النظام الإمبراطوري والتيار الشعبي الجماهيري الساعي للتحرر من هيمنة “الفيل” و”الحمار” و”الغول” الذي يلتهم البشر، ومع أن الشخصيات المتنافسة من البشر، وهما دونالد ترامب وكامالا هاريس ينتميان إلى منظومة واحدة إلا أن ترامب يتميز بصراحته وجرأته في كشف نوايا “الغول” الذي يُفضل بقاء نواياه مخفية أما التوتر المتزايد في المجتمع الأمريكي فيعكس رغبة كبيرة في التغيير بعد سلسلة من الاحتجاجات التي هزت أركان النظام القائم في “الغابة المتوحشة”.

ومع انتهاء الانتخابات يتضح أن المعركة ليست مجرد منافسة بين شخصيتين سياسيتين مختلفتين بل هي معركة بين من يسعى للاستمرار في السيطرة ومن يطمح إلى كسر قيود الاستبداد ففوز ترامب يعني تبنّي سياسات أكثر وضوحا في عدائها للمخالفين، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات على الساحة السياسية، وفي الشرق الأوسط وأوروبا. أما إذا فازت كامالا، فهذا يعني ظهور سياسات أكثر انفتاحا، لكنها ستظل خاضعة لنفس الأهداف الإستراتيجية التي رسمها الغول ولن تتجاوز في جوهرها الاختلافات السطحية البسيطة قيد أنملة.

ما هو مؤكد هو أن الفترة المقبلة ستشهد تحولا جذريا في السياسة الخارجية الأمريكية فقد أصبح المجتمع الأمريكي، وكذلك أجزاء واسعة من العالم، أكثر وعيا بقوى الهيمنة التي تحرك السياسات العالمية، وبدأ الناس يفهمون كيف تؤثر هذه السياسات على حياتهم اليومية مما سيؤدي إلى ضغوط متزايدة على القادة السياسيين الأمريكيين ليكونوا أكثر استجابة لمطالب الشعوب.
ويبدو أن الصراع الذي نحن بصدده هو أكثر من مجرد مواجهة بين نظام تقليدي يتغذى على القوة والسيطرة؛ بل هو تجسيد لموجة جديدة من الوعي تسعى لتحقيق العدالة والمساواة والحرية وإقامة عالم يتجاوز عصور الوحوش المفترسة والغابات المتوحشة، عالم يعتمد على القيم الإنسانية والتعاون، وليس على هيمنة القوي على الضعيف.

في ضوء ذلك، نرى أن مستقبل الإنسانية مرهون بقدرة الشعب الأمريكي وبقية شعوب العالم على تحقيق التغيير، فهل يمكن لهذه الديناميكية الجديدة أن تقلب المعادلة؟ أم ستظل القوى القديمة تهيمن، وتتحكم في مجريات الأمور؟
هذه الأسئلة تفتح آفاقا جديدة للمناقشة والتفكير حول ما يمكن أن ينتظره العالم وأمريكا بعد هزيمة حمارها المتهور، الذي إن لم يتبنَّ سياسات عادلة في المستقبل سيصطدم بالمجتمعات التي تسعى نحو بناء مستقبل عالمي أكثر عدالة وإنسانية أو يشعل بغبائه فتيل الحرب العالمية الثالثة.

الأحداث التي شهدها العالم مؤخرا، بما في ذلك حرب الإبادة الوحشية التي تُشن في غزة والاحتجاجات ضد الظلم والعدوان التي صاحبتها تشير إلى تغييرات عميقة في الفكر الجماعي العالمي، فالأجيال الجديدة في العالم أجمع تتطلع اليوم إلى تجديد القيم التي تقوم على احترام الإنسانية لا على قيم الأمم المتحدة، وتسعى لإعادة تشكيل أنظمة الحكم التي تعتمد على الفساد والقمع لأنها باتت تؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تكون أداة لتحريرها من العبودية لغول الغابات والوحوش المفترسة، وليس وسيلة لتبرير الهيمنة والسيطرة، وتسعى إلى تعزيز الوعي بأن القضايا التي تواجهها ليست محصورة في حدود وطنها بل تتصل أيضا بقضايا عالمية تتعلق بحقوق الإنسان، ولذا، تسعى إلى بناء تحالفات مع شعوب أخرى في مختلف أنحاء العالم، حيث أصبح التضامن العالمي ضرورة ملحة في عصر العولمة، وليس مجرد شعار يُردد (للبهلّه).

لا يمكننا تجاهل أن فوز ترامب سيكون نقطة تحول تاريخية ففي الوقت الذي تحاول فيه القوى التقليدية المرتبطة بغول الغابة المتوحشة فرض سيطرتها على العالم يسعى المواطنون العاديون في أمريكا للمطالبة بحقوقهم وحقوق الشعوب المستضعفة، ويطمحون لتحقيق التغيير الذي يعزز العدالة والمساواة فالصراع في أمريكا ليس مجرد صراع بين أفراد وأحزاب بل هو صراع بين نظام الغابة المتوحشة القديم الذي يسعى للاستمرار في الهيمنة على العالم وبين موجة جديدة من الوعي تسعى لبناء عالم أفضل يعم فيه العدل والمساواة للجميع، وهذا ما يفتح آفاقا جديدة لصراع ليس فقط على السلطة بل على المبادئ والقيم التي ستحدد مستقبل العالم لقرون قادمة فالتغيير اليوم ليس خيارا لأمريكا بل هو ضرورة بالنسبة لها والمستقبل مرهون بقدرة شعبها والشعوب الأخرى على التصدي للقوى التي تسعى لفرض هيمنتها على العالم بأمر الغول المختفي، ويدير المشهد السياسي والعالمي من وراء ستار.

فإما أن يكرس نظام الغابة المتوحشة سطوته أو يفرض الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى قواعدهم الجديدة فقد بات المجتمع الأمريكي ومعه جزء كبير من العالم أكثر وعيا بالغول الذي يتحكم في مصيرهم، ويدرك مدى تأثير سياساته المتوحشة على حياتهم اليومية، وهذا الوعي جعل كل رئيس أمريكي جديد يواجه تحديات لم يسبق لها مثيل تحت ضغط الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى إضافة إلى الإعلام الجديد الذي يسعى لكشف الحقائق وتغيير المعادلة.

 

محمد الفريدي

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى