حتى تكون لنا السيادة على الإعلام الجديد

نحن أمام مرحلة تاريخية جديدة في مجال الإعلام، فقد بدأت شبكات التواصل الاجتماعي تهيمن على المشهد الإعلامي وتؤثر على الرأي العام بشكل كبير، وهذا التأثير أحدث تحولا في النهج التقليدي للإعلام الذي كان يقوم على ثلاثة عناصر رئيسة: مرسل، ورسالة، ومتلقي، وعولمة التقنيات الحديثة أتاحت وسائل تواصل جديدة فرضت نفسها بقوة شديدة على حياتنا وواقعنا الحالي، وتجاوزت الوسائل الإعلامية التقليدية القديمة، ويطرح هذا الواقع الجديد تساؤلات مهمة هي:
_هل أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي نتيجة حتمية لعصر العولمة والسرعة التي تميز تفاعلات البشر والآلات؟
_هل هذه الشبكات مجرد أدوات تواصل تلائم الإنسان في عصر الحواسيب والتكنولوجيا الرقمية، أم أن هناك عقولا مبدعة خططت ورسمت لجعل هذه الأدوات تؤثر بشكل مباشر على الدول النامية، محدثة زلزال اجتماعي يعبر عن نفسه عبر وسائل ناعمة، يمكنها ان تغير ديناميكية المجتمعات بشكل جذري، خصوصا بين فئة الشباب؟
هذه الشبكات لم تقتصر على تغيير القيم الاجتماعية فحسب، بل أعادت تشكيلها بمفاهيم جديدة يراها البعض منا على أنها تفاهة وانحطاط وانحلال، ويراها الجيل الحالي رقيا وانفتاحا وتطورا وحرية شخصية.
القضية لا تتعلق بالتقييم السطحي للظاهرة من الطرفين بقدر ما تتعلق بفهم أعماقها وأبعادها، فالحاجة ملحة حقيقة لدراسة التأثيرات الاجتماعية والأمنية لهذه الوسائل، وليس فقط التأثيرات الإعلامية، يجب التحقق من كيفية صناعة هذه الوسائل واستخدامها، والتحقق من كيفية تأثير هذه الوسائل على سلوكيات الأفراد والجماعات، ومدى تأثيرها على الوعي الجمعي والقرارات الفردية والجماعية.
من الضروري التعرف على الأدوار التي تلعبها هذه الشبكات في صياغة الهوية الثقافية والسياسية والاجتماعية، وكيف تساهم في تكوين الرأي العام وتوجيه النقاشات العامة.
التحدي الذي يواجه المجتمعات التي تتمتع بقدر أقل من الوعي الرقمي والحماية الإلكترونية، هو كيفية التعامل مع الأخبار المزيفة والحملات المضللة التي يمكن أن تنشر عبر هذه المنصات، حيث يعتبر تمييز المعلومات الصحيحة من المغلوطة أمرا مهما لضمان سلامة نسيجها الاجتماعي والحفاظ على تماسكها واستقرارها.
وهنا يتوجب على مؤسساتنا التعليمية والثقافية إيلاء اهتمام خاص بالأجيال الصاعدة التي تعتبر الأكثر تأثرا بهذه الشبكات، وتزويدهم بأدوات النقد الإعلامي، والوعي الرقمي، ليكونوا قادرين على التفاعل مع هذا العالم الجديد بشكل أكثر وعيا ومسؤولية.
لا يمكن إنكار الفوائد الجمة التي تقدمها شبكات التواصل الاجتماعي، من تواصل ميسر وتبادل سريع للمعلومات والأخبار، وإيجاد فرص جديدة للتعلم والابتكار، ولكن، يجب موازنة هذه الفوائد بالتنبه للمخاطر والتحديات التي تطرحها، وبالتالي، يفهم الجميع تأثيرات هذه الوسائل ويتعاملون معها بحكمة واستراتيجية لكونها أصبحت من ضروريات عصرنا الذي نعيش فيه.
ومع استمرار تطور هذه الشبكات وتزايد تأثيرها، يصبح من المهم أيضا أن تتطور القوانين والأنظمة بما يتماشى مع هذه التحديات الجديدة، وأن تضع السلطات التشريعية والرقابية والإعلامية في اعتبارها أهمية حماية الخصوصية والأمان، وضمان حرية التعبير ، وحق الحصول على المعلومات، فهذه المتغيرات تحتاج بالفعل إلى نقاش مستمر ، وتشريعات حديثة تواكب المتغيرات المتسارعة، ولا نكتفي بالحلول المعلبة التي تأتينا من الخارج.
وعلي المؤسسات التعليمية تعزيز البرامج التي تركز على الأمن الرقمي والمواطنة الرقمية التي تساعد في إعداد جيل جديد يدرك كيفية الاستفادة من هذه الأدوات بشكل مسؤول ويعي الآثار المحتملة للمحتوى الذي يقوم بمشاركته عبر الإنترنت مع المواقع الإلكترونية الأخرى أو مع الآخرين.
ومن الضروري كذلك أن تكون هناك جهود مشتركة بين الحكومات والمنظمات الدولية وشركات التكنولوجيا لمكافحة المحتوى الضار والخطير، مثل الدعاية للإرهاب والتحريض على العنف والكراهية.
يجب على كل فرد منا أن يكون على وعي تام بأن كل نقرة أو مشاركة أو تعليق لها وزنها في العالم الرقمي، وأن نسعى جميعا إلى أن نكون مساهمين إيجابيين في هذا الفضاء الرقمي المخيف، وهذا بلا شك يتطلب جهودا لتعلم كيفية التحقق من المعلومات، واحترام خصوصية الآخرين، وتقدير التأثير الذي يمكن أن تحدثه أفعالنا عبر الإنترنت، فالوعي والمسؤولية الرقمية هما مفتاح التنقل الآمن والفعال في عالم يزداد اتصالا وتعقيدا، وسوف يستمر بالتأكيد في التطور ولن يتوقف، ومعه ستتغير الطرق التي نتفاعل بها مع العالم من حولنا، لذا، يجب علينا التأقلم مع هذه التحولات بشكل استباقي، وأن نشكلها بالطريقة التي تخدم مصالحنا الوطنية، وتدعم تنميتنا المستدامة، وتحترم حقوق الإنسان على أراضينا ليكون لنا عظيم الأثر في منظومة إعلام ستسقط حتما دول لا تعرف كيف تمتطي صهوة موجته كلما انتقلت من مرحلة لمرحلة.
محمد الفريدي