كُتاب الرأي

التكية المصرية إرث خالد لعلاقات قوية

محمد الفريدي

التكية المصرية إرث خالد لعلاقات قوية

مصطلح “التكية” مألوف لأهل المدينة المنورة ومكة المكرمة منذ قرون، فهي مؤسسة مصرية خيرية تقدم الطعام والمأوى للمحتاجين والزوار، خاصة في المدن المقدسة. تعكس “التكية” روح العطاء الإسلامي، حيث تتيح للمجتمع دعم المحتاجين وتوفير العلاج والمأوى، مما يجعلها جزءا من النسيج الاجتماعي ومعلما ثقافيا في الأراضي المقدسة.

وتُعتبر التكية المصرية في المدينة المنورة رمزا للتضامن بين الشعب المصري والسعودي، وقد أُسست لدعم المحتاجين تجسيدا للعلاقة الوثيقة بين مصر والمملكة.

وتأسست في القرن التاسع عشر خلال حكم الوالي العثماني محمد علي باشا عام 1805، عندما كانت مصر جزءا من الدولة العثمانية، وكانت مفتوحة طوال العام تقدم الوجبات مرتين يوميا للفقراء المحتاجين والمساكين، مما خفف الأعباء المعيشية على أهالي المدينة والحجاج والمعتمرين.

وإلى جانب توفير الطعام، كانت تقدم الملابس للفقراء في مواسم معينة مثل الحج ورمضان، وأسهمت في نشر ثقافة التراحم والتواصل بين الشعبين، وأصبحت رمزا للمساعدة الإنسانية التي لا تفرق بين الأعراق أو الأجناس.

كان الطعام المقدّم في التكية متنوعا، يشمل الخبز واللحم والتمر، ويتناسب مع ظروف المدينة في تلك الفترة، وكانت الموارد الغذائية تُشحن من مصر على نفقة الحكومة المصرية، ثم تُطهى، وتوزع على المحتاجين.

كانت تقدم يوميا الغذاء للأسر المعوزة والمحتاجة والحجاج والمعتمرين، مما يعكس عمق الروابط بين مصر والمملكة، وكانت تُدار من قبل الحكومة المصرية التي عيّنت فريقا من المشرفين والموظفين والطهاة لضمان استمرارية خدماتها ووصول الطعام في الوقت المناسب، وشملت مهام المشرفين مراقبة المخزون والإشراف على جودة الأطعمة المقدمة، مع اتباع نظام محكم في إدارة موارد التكية لتلبية احتياجات الأهالي والزوار المتزايدة.

لم تكن التكية مجرد مكان لتوزيع الطعام، بل رمز أيضا للتضامن المصري السعودي، وشاهدا على العلاقة القوية والمتميزة مع الأراضي المقدسة، وأثرت إيجابيا في الحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة، وقدمت نموذجا للعطاء غير المشروط فأصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية للأهالي كمعلم تاريخي واجتماعي لا ينسى.

تجسد التكية المصرية في المدينة اهتمام مصر بمكة والمدينة، ورمزا للخير والتضامن الذي يبقى في ذاكرة المدينة كجزء من تاريخها. فمصر منا ونحن من مصر.

فعلاقتنا بمصر تمتد عبر التاريخ، وتُعتبر واحدة من أعمق العلاقات التي تجمع بين الشعوب العربية، وهذه العلاقة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تاريخ طويل من التفاعل والتواصل بين شعبين يثبتان دائما قدرتهما على تجاوز التحديات في السراء والضراء، ويتشاركان الآلام والأفراح، ولا تفرق بينهما المسافات والخلافات.

إن موقف الشعب السعودي وحكومته من مصر في الأوقات الصعبة يدل على وفائنا العميق لها، فقد كانت مصر دائما تمد يد العون والمساعدة، وهي في مقدمة الدول التي تتفاعل إيجابيا مع قضايانا في الماضي والحاضر.

وعندما نتحدث عن العلاقة بين الشعبين، نجد أنها قائمة على الوفاء والإخاء، ففي الأوقات التي نواجه فيها تحديات اقتصادية أو اجتماعية، يكون المصريون في الصفوف الأمامية لدعمنا، وعندما يحتاجون إلينا، نمد لهم أيادينا بالمساعدة، والجوع والفقر والغنى لا ينسينا من مدد لنا يد العون والمساعدة.

إن علاقة المملكة بمصر ليست مجرد تبادل للسياسات أو المصالح، بل هي علاقة قائمة على المودة والأخوة في الدين والنسب والإنسانية، وتاريخنا المشترك يحفزنا دائما لبناء مستقبل مزدهر لأجيالنا، ونحن كشعبين وحكومتين مذ خلقنا مع بعضنا البعض نبادل الوفاء بالوفاء لمن يبادلنا الوفاء، ورصاصة برصاصة في حالة العدوان والاعتداء.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫4 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما شاء الله تبارك الله
    سعادة رئيس التحرير العزيز الأستاذ القدير محمد الفريدي
    شكرا شكرا لكم على هذا المقال المميز والرائع ؛ وكما عودتنا وعودة القراء الكرام مخزون لغوي وثقافي وتأريخي فيكم أصيل وأصيل ولذا رحلة بنا في التكية وكأننا نقف على مشاهد سينمائية متحركة ومؤثرة …
    دام قلمك سيّالاً مباركاً كريماً
    وإلى الأمام دائما وابدا…

  2. في ذاكرة التاريخ الكثير من العلاقات التي تؤكد توثيق العلاقات الراسخة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية الداعية لمزيد من تناول هذه المقالات بهدف طرحها كقيمة تاريخية على مدى الإمتداد الزمني في ذاكرة الأجيال كما تدعو لتناولها في أطروحات توثيقية في المراكز والملحقات الثقافية في سفارتي البلدين وكذلك التعريف بها في المكتبات الرسمية والجامعات.
    ممتن لسعادة الزميل رئيس التحرير الأستاذ محمد علي الفريدي لتذكيرنا في هذه المقالة بحجم هذا الإرث التاريخي وعمق العلاقات التاريخية منذ فجر التاريخ.

  3. شكراً لك أستاذ محمد على إثراء الصحيفة بهذا المقال الرائع الذي يسلط الضوء على مفهوم “التكية” ودورها المهم في تعزيز القيم الإنسانية والتضامن بين الشعوب .
    لقد أضأت على تاريخها الغني وأثرها الإيجابي في دعم المحتاجين ، مما يعكس روح العطاء والمودة في المجتمعات الإسلامية. أسلوبك في السرد يجعله ممتعا ومؤثراً ، ويعكس عمق العلاقة الثقافية والاجتماعية بين مصر والسعودية. أتمنى أن تواصل الكتابة عن مثل هذه المواضيع القيمة👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى