كُتاب الرأي

الشعب يريد رأس الإمبراطور

محمد الفريدي

الشعب يريد رأس الإمبراطور

في عام 2019 ظهر إمبراطور قوي جدا حكمنا، وحكم العالم بأسره بدون أن نراه أو نبايعه على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، هو (فخامة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر) الذي حكم العالم بمفرده بدون جيوش، ولا حلفاء، ولا وزراء دفاع ولا لا أسلحة ولا ذخيرة ، وكل أدواته التي استخدمها لغزو عقولنا هي وسائل إعلامنا، و (شبكات إنترنتنا)، ورسائلنا النصية.
فقد أصبحنا مع العالم فجأة تحت تأثير فيروس صغير جدا لا يرى بالعين المجردة، يُقال إنه، صنع وطور في مختبرات عالمية متقدمة، ويقال أنه جلب من سوق السمك أو سوق الدجاج والحمام والبصل ﻭ البلاستيك من الصين بسيارة (ديانا)، المهم أن هذا الإمبراطور المعظم غيّر حياتنا غير الله حياته الى الاسوأ، ودمر اقتصادنا، وأوقف حركتنا وحركة العالم لأكثر من عام بأقل التكاليف و دون ان يطلق طلقة.

في البداية ظهر هذا الإمبراطور وكأنه يمتلك زرا سحريا يوقف به كل شيء يدب على الأرض، شُل اقتصادنا (الملعون) واقتصاد العالم، وأغلق مدارسنا ، وجامعاتنا، و ملاعبنا، وحوّل منازلنا وفنادقنا إلى سجون مصغرة، ولا توجد مدينة من مدننا مزدحمة، أو قرية نائية من قرانا، استطاعت الهروب من قراراته الصارمة، فهو الإمبراطور الوحيد الذي لا يحب (الفخفخه)، ولا القصور، ولا الحشم، والخدم؛، وأوامره تنتشر في العالم بطرفة عين عبر الراديو والتلفاز، وتنفذ على الفور، وينشر الخوف والرعب بين الناس على مدار اللحظة، وبلمحة بصر استطاع ان يحولنا، ويحول البشرية إلى أمم تعيش في قلق دائم، وتترقب أي حركة من هذا الحاكم الخفي.

هو أول إمبراطور في الدنيا كلها يحكم العالم بأسره، وينقلب على جميع أنظمة الدول الملكية والجمهورية بدون ان يقرأ البيان رقم واحد، أو يظهر في لقاءات صحفية، وبلا حشود تتجمع لتحيته، ولا زيارات ملكية إلى دول حليفة أو صديقة. هذا هو الحاكم البطل الذي استطاع بمهارة لم يسبق لها مثيل أن يجعلنا مع العالم نجلس في منازلنا، وننفذ أوامره عن بعد عبر الإنترنت والتطبيقات الرقمية بالحرف الواحد ، إمبراطور خفي، فرض سطوته علينا دون أن نراه، واحكم قبضته الحديدية على كوكب الأرض بأسره بكبسة زر.

لم يكتفِ فخامته عند هذا الحد، بل حتى الرياضة، التي طالما كانت الملاذ الأخير للعالم في أزماته، توقفت، وأصبح الأبطال الرياضيون يتنافسون عبر الألعاب الإلكترونية عن بعد، وكأنه يقول لنا: (لن تفلتوا مني حتى في أوقات فراغكم).

لكن دعونا نتحدث عن حقيقته: أهذا الإمبراطور حقيقي أم كان مجرد خدعة عبقرية؟ هناك من سيقولون إن كورونا لا يختلف عن أي مرض آخر مرّ على البشرية، (مجرد زكام قوي)، هكذا وصفه البعض، ومع أن المستشفيات كانت تزعم امتلاءها، فهناك من يشكك في تلك الأرقام، وأنا منهم، فكل من كان يموت كان يُسجل في خانة ضحايا الإمبراطور كوفيد حتى من توفي نتيجة حادث سير او قرصة عقرب، او شنق نفسه، وانتحر من الحجر والفقر والخوف والرعب.

الأمر كله (على بعضه)كان يبدو، وكأنه مسرحية أو حملة عالمية متقنة لجعلنا نخاف من (الإمبراطور الخفي)، وأينما نذهب نرى الملصقات التحذيرية (ورانا ورانا)، وتنتشر على كل الجدران، والإعلانات التلفزيونية لا تنفك تذكّرنا بغسل أيدينا وارجلنا وارتداء كماماتنا، فهل كان هناك تواطؤ عالمي؟ و من المستفيد من كل هذا الذعر والرعب الذي عشناه بالحركة البطيئة؟ و من يعوضنا عن الألم الذي تسبب به هذا الإمبراطور المستبد الخفي، أو يعالجنا من الرعب وآثار الحجر الذي تسبب لنا بأمراض نفسية؟

الإمبراطور كوفيد التاسع عشر لم يكن فقط يتحكم في عقولنا، بل قلب كل موازين الاقتصاد العالمي،فتراجعت بسببه أسواق أسهمنا، وأفلست العديد من شركاتنا وشركات العالم، ووجد الملايين من الناس أنفسهم عاطلين عن العمل و في الشارع ، وفي نفس الوقت، ازدهرت شركات التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية، مما يثير شكوكنا أن عمالقة التكنولوجيا الذين هم من أكبر المستفيدين من هذا الفيروس الذي أجبر الجميع على البقاء في منازلهم والتسوق عبر الإنترنت وراء صناعة هذا الإمبراطور الخفي وإطلاق يده على كوكبنا.

بينما كانت اقتصادات العالم واقتصادياتنا تنهار، كان الإمبراطور كوفيد التاسع عشر سعيدا بتحقيق أهدافه: فقد عزلنا عن عالمنا الخارجي، وجعلنا نعتمد أكثر على التكنولوجيا، وحول حياتنا إلى سلسلة من الاجتماعات الافتراضية والنقرات الرقمية.

واليوم، بعد مرور سنوات على بداية حكم هذا الإمبراطور النذل، هناك من يقول إن عصره قد ولى، وانتهى، ولقاحاته أصبحت متاحة في مطاعم (الرومانسية)، والناس بدؤوا يعودون إلى حياتهم الطبيعية (من دون تباعد و لا خوف و لا حذر).
لكن لا يزال الإمبراطور يعيش في رؤوسنا، فحتى مع انتهاء فترة حكمه، فقد ترك أثرا لا يُمحى في طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع العالم الخارجي من حولنا.

لقد تعلمنا منه أن الخوف هو أقوى سلاح، وكلما نظرنا إلى الوراء وجدناه لم يكن مجرد فيروس، بل كان رمزا للعصر الجديد الذي نعيشه، عصر الشك، والتباعد، والتحول الرقمي الشامل، ﻭ الفيروسات التي تتحكم فينا عن بعد.

في النهاية، قد يكون فخامة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر درسا كبيرا لنا و للبشرية، درسا يذكرنا بأن العالم يمكن أن يتغير في أي لحظة متوقعة، أو غير متوقعة، وأن الإمبراطوريات القادمة قد لا تكون مادية كما اعتدناها من قبل، بل قد تكون افتراضية وخفية، تتحكم فينا، وفي الشعوب الأخرى عن بعد من خلال شاشات رقمية، وبث الرعب والخوف في نفوسنا حتى لا نقاوم المستعمر او المحتل، ولا نستبعد إذا زادت سيطرته على حياتنا ، وعلى حياة الشعوب الأخرى أن نخرج معها في مظاهرات مليونية، ونردد: (الشعب يريد رأس الإمبراطور).

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫5 تعليقات

  1. ماشاء الله تبارك الله، كم هي بديعة الموضوعات العلمية، حين تزين بالعبارات الأدبية و التوصيفات العميقة.
    تعجز حروف جهازي ، مجاراة هذا الطرح ..
    أكدت فأبدعت بارك الله فيك استاذنا.

  2. مقال رائع بروعة كاتبه الذي دائما يتحفنا بكل جديد ويشد جميع حواسنا للتركيز على مايكتبه ..حروفه مزخرفة وكلماته منمقة ومقاله شيق وكلماتنا تعجز عن وصف جمال مقالاته ..
    فلا نقول له إلا زدنا من جمال مايخطة قلمك المبدع زادك الله من فضله ..
    كفانا الله وإياكم شرور أمثال هذا الامبراطور مستقبلاً ..
    شكراً من القلب لك ايها المبدع وفقك الله لما يحب ويرضى ..
    تقبل تحياتي .

  3. ما شاء الله
    مقال رائع عميق بفكرة في قمة الأهمية
    حمانا الله وبلادنا من شر كل ذي شر
    وحفظ لنا امننا واماننا و ألهمنا البصيرة لنرى الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فنجتنبه .

  4. مقالك عميق ورائع يااستاذ محمد👍
    لقد تمكنت من تصوير واقع مرير بأسلوب فني مميز . وصفك للإمبراطور الذي يتحكم بمصائرنا بسلطة عميقة يعكس بوضوح التحديات التي نواجهها جميعاً. أسلوبك في تناول الموضوع يجذب القارئ ويجعلنا نفكر في العواقب المترتبة على تلك القرارات .
    أتمنى أن تواصل الكتابة بهذا الإبداع 👍

  5. مع قهوة الصباح أجد نفسي مستمتعاً بقراءة هذا النص
    في مقال جمعت فيه أمهات البلاغة والخيال الذي يروق له عندما يستأذن قلمه بجمال وبهاء الحرف محاولا أن يكون خط الدفاع أمام هذا الإمبراطور الكاسح الذي ذهب بأعز من بكت العيون عليهم وأفتقدناهم للأبد في رحلة الصمت المخيفة والتجمعات في مقابر الشهداء ممن سجلوا أسماؤهم
    ضحايا ذلك الوباء ….
    تحية لقلم حلق في سماء الإبداع …
    زميل حرف ،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى