ذكرى وطن

خفق القلب لذكرى (الوجد والدَّار والسَّكن)، حيث الأهل والصَّحب ورفاق الدَّرب، وإشراقة شمسٌ أنارت طريق الأجيال منذ القدم، فطُوبَى لوطن هو الحلمُ والأمل، وماذا عن حروفي إن لم تفِ الغرضُ! وأنا القادم من بادية الحجاز، جئت أعانق أحبابٌ لنا في نجدٍ، أرى اليوم موعدنا في ذكرى وطن، ففي صحن المطافِ والبيت والحرم يطيب المقام ساعة من الفجر، فأهلاً بالقادم من تبوك برائحة الورد، مروراً بالقريات والجوف حيث الهوى (أدبٌ)، وعذرا يا عرُوس الشِّمَال؛ حائلٌ (يَا بَعَدْ حَيِّ)! وماذا أقول: لأهلي في طيبة دار النبوة، ومسجد الرسول سيد الأنام محمداً صلى الله عليه وسلم، وفي قُباء كانت محطته الأولى، لدى الأخوال من بني النَّجار وديار بني سالمِ.
ويا فجراً بـ (بدر) لاح بالأفق، نصرٌ من الله تحقق به الأملُ، وتأييدٌ بالحقِّ صَدَى ذِكْرَاهُ بالقرآن الكريم ملحمةٌ نزل بها الوحي جبريل، وماذا عَسَايَ أن أقول: بعد هذه المقدِّمة وإن تواضعت حروفها فمساحة حُبُّ الوطن تتسع للكثير وتفوق الكتابة عنها بنبضات القلوب، وتعجز عنها لغة البيان، ويصمت الشعراء، ومقالات النثر، لوصف جماليات الوطن، سهولا وجبالا وأودية وشواطئ، فهذه ملاحم التاريخ، تُجدِّدُ عهد الولاء، وتُجَسِّدُ معنى الانتماء، فمن ينبع النَّخل والبحر ورضوى الجبلُ، إلى وادي رابغ، حيث مرابع الأجداد والآباء، مروراً بوادي ثول، مسقط الرأس، والمخزون الغذائي السَّنوي، وقصائد الشعر ومواويل البحر، بأجمل الأصوات في الليالي المُقْمِرَةِ.
مرورا بعروس البحر الأحمر، (جدة) البَنْطُ والكِنْدَاسَةُ والسِّقَالَةُ، وشارع قابل ومسجد العكَّاش والمِعْمَار، وسُوق النَّدى، ومقهى الشَّرْبِينِي بحارة البحر، والبَنْقَلَةُ (سُوق السَّمك)، وطنٌ سجَّلتها ذاكرة الزمن الجميل، لازالت عالقة بأذهاننا منذ الطفولة وسنوات الصِّبا، سجَّلتها ملامح الإنسان على أرض الحرمين الشريفين، فمدينة جدة منذ تَوَسَّد شاطئها البحر، لتمتد لثلاث جهات، حيث ذهبان بوابة شمالها، والبِلاج جنوباً والشاطئ البِكرُ، تعانق أطراف جبال السروات شرقا، مروراً ببساتين الشيخ عبدالله السليمان، وزير الدولة الأول في عهد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، والتي تمَّ اهدائها لجامعة الملك عبدالعزيز في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله.
وماذا بقي لي بعد أن عجز قلمي بتواضع نثار حروفه، أن يضيف ما يستحقه الوطن، بخططه الإنمائية والتنموية، وبأمنه وأمانه، وبما أنعم الله عليه بقيادته السياسية، وفي ظل مناخه الفكري، شكرا لرجل السياسة والحكمة والتاريخ، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، أطال الله عمره، وشكرا لولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، رجل التَّحدي والانجاز، قائد المرحلة الراهنة بأبعادها واستراتيجياتها الحاضرة والمستقبلية، بعد أن وضع الملك الأب، بصمته في تاريخ الوطن المجد والتاريخ العريق.
ترنيمة: من قصيدة صبا نجد لابن الخيَّاط
تَذَكَّرَ وَالذِّكرى تَشوقُ وَذُو الْهَوى ……. يَتوقُ ومَـنْ يَعْلَقْ بهِ الْحُــبُّ يُصْبِهِ
غَرامٌ عَلَى يَأْسِ الْـهَوى وَرَجـائهِ ……. وَشَـوْقٌ عَلى بُعْدِ الْمَـــزارِ وَقُرْبِـه
محمد حامد الجحدلي
نائب رئيس التحرير