المبدعة وفقدان الهوية

د. سارة الأزوري
المبدعة وفقدان الهوية
هذا المقال كُتب عام 2017 في سياق كانت المبدعة السعودية فيه تواجه قيودًا مجتمعية وثقافية شديدة، ويُعاد نشره اليوم مواكبًا لما تحقق من انفتاح واسع في ظل رؤية 2030، حيث أُتيحت للمرأة آفاق جديدة أثرت المشهد الإبداعي والثقافي.
استطاعت المرأة المبدعة أن تغرد خارج حدود التأطير الاجتماعي، فخرجت إلى آفاق الكتابة واللوحة وإثارة القضايا الملحّة في مشاركة المرأة. إلا أن ذلك جاء على استحياء وفي حدود ضيقة لا توازي حجم الإبداع الذي وصلت إليه. لأن المرأة في مجتمعنا خاضعة لسوط النسق الذكوري، الذي حشرها في مضيق ضيّق من التوجس والريبة حول جدية طرحها وقدرتها على الإبداع، مستندًا في ذلك على ما تغلغل داخله من ثقافة إقصائية ونرجسية صبغته بتشوهات نفسية جمة، عرقلت مسيرتها وسعت لاستعمارها .. أو عدم ثقتها بصوتها واليأس من تقبل المجتمع لها متذرعة بالعادات والتقاليد .. ووجود نساء وفّقن حجارة عثرة أمام الانفتاح والحوار، وتوسيع دائرة مشاركة المبدعة.
أما لضيق فرص تثقيف الذات وعدم القدرة على التعبير عن تلك الثقافة، فلا دور لها إلا ما شكل النسق الذكوري خارطته، ولا وظيفة خلاّقة لها ومبتكرة فيها إلا ما يرتدّ عليها بالرتب. فلا رؤية ولا قضية متبناه، ولا اجتراح لأدوار جديدة، إلا تنصيب نفسها حارسًا لسلطة النسق وهيمنته، والعداء لكل من يخالف ما تشبعت به، تحت مظلة الضوابط والخصوصية، أو بدافع من الغيرة، فلا ترى إلا نفسها ومصالحها الضيقة. أو فقدان روح الحوار وتنمية الروح الجمعية.
ومن هنا بدأت أزمة المبدعة للخروج من سراديب هذا الاستعمار الخانق، فسعت جاهدًة لإيجاد لغة خاصة بها لكنها لم تفلح، فاستدركت ذلك بلغة عمرتها بقضايا درامية كانت هي الضحية التي تشعبت عليها سبل النجاة متخذة من الرجل عدوًا وحبيبًا في الوقت ذاته، إلى أن اختلطت عليها الرؤيا وضاعت بين هذا الحبيب والعدو.
أو القفز فوق التابوهات والتصادم المستفز مع المجتمع وإثارة زوابعه، أو الدفاع عن حرية الجسد وحرية المشاعر، وهذا ما تجلى في السرديات التي أظهرتها المرأة وخصوصًا الروايات الحديثة.
واليوم، وبعد مضي أعوام على كتابة هذه السطور، جاءت رؤية 2030 لتفتح مسارات غير مسبوقة أمام المرأة السعودية في ميادين الثقافة والفن والإبداع، فوجدت نفسها في مراكز قيادية، ومؤسسات فاعلة، ومنابر تتيح لها التعبير عن صوتها بجرأة ووعي. ومع ذلك، فإن ما كُتب آنذاك لا يزال يحمل صداه، إذ ما زالت بعض بقايا النسق القديم تلوح في الأفق، وتشكّل تحديًا أمام المبدعة. من هنا تصبح الكتابة استمرارًا لمعركة الوعي: بين ما تحقق من إنجازات وما ينبغي أن يُستكمل، حتى تبلغ المبدعة هويتها الكاملة دون نقصان أو تشويه.
كاتبة رأي
المبدع لا يفقد هويته إطلاقا وإنما البيئة المحيطة فقد تحتاج لصقل مقدراتها وإمكاناتها حتى تستحق ذلك المبدع والا في العالم الأخر من يستحقه…