كُتاب الرأي

 

سلامه بنت محمد المالكي

القيم والتقنية .. تصادُم أم تطوّر؟

في زمنٍ لم يعد يفصل بين الناس سوى ضغطة زر، تغيّر وجه العالم، وتبدّلت كثيرٌ من ملامحه. تسارع الأحداث، وتعدّد مصادر التأثير، وانفتاح الثقافات عبر الإنترنت، كلّ ذلك أثار سؤالًا جوهريًا:

هل تغيّرت القيم؟ وهل ما زالت المبادئ التي بُنيت عليها المجتمعات تحتفظ بقوّتها في العصر الرقمي؟

لقد اجتاحت التكنولوجيا حياتنا، فاختصرت المسافات وقرّبت البعيد، لكنها في المقابل أضعفت العلاقات الحقيقية، واستبدلت الحوار الصادق بالتعليقات السريعة، والمشاعر العميقة بالرموز التعبيرية.

لكن الحقيقة الأهم أن القيم لم تختفِ، بل دخلت في مرحلة تحوّل.

الاحترام اليوم قد يظهر في رسالة إلكترونية مهذبة،

والتعاون يتحقّق في مشاريع إلكترونية جماعية،

والصدق يُقاس في مصداقية المحتوى الذي ننشره.

في الماضي، كانت القيم تُغرس من خلال القصص والمواقف الأسرية والاجتماعية المباشرة.

أما اليوم، فقد تنوّعت مصادر التربية، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الرقمية من أبرز المؤثّرين في سلوك الأطفال والشباب. وهنا تكمن الخطورة: فمن دون توجيه، قد يتشرّب الأبناء أنماطًا من السلوك لا تنتمي إلى بيئتهم أو ثقافتهم.

لكن، هل يمكن للتكنولوجيا أن تكون حليفة للقيم؟

الإجابة: نعم. إذا أحسنّا استخدامها، يمكن أن تتحوّل إلى وسيلة فعّالة لغرس المبادئ الأخلاقية بطرق حديثة وجذّابة.

كيف نغرس القيم في البيئة الرقمية؟

القدوة الرقمية: حين يرى الطفل والدَه يستخدم الهاتف باحترام ويشارك محتوى هادفًا، فإنه يقلّده.

المحتوى الأخلاقي: دعم القصص التفاعلية، والألعاب التعليمية، والقنوات التي تنشر مبادئ جميلة.

الحوار المستمر: فتح نقاشات مع الأبناء حول ما يشاهدونه، ومَن يتابعونه، وما يتعلّمونه.

الفلترة الذكية: بدلاً من المنع، نرشد الأبناء إلى اختيار المحتوى الإيجابي والتفاعل الواعي.

دور المدرسة: ربط المناهج التعليمية بالقيم الرقمية، وإعداد الطلاب لاستخدام التقنية بأخلاق.

مسؤوليتنا تجاه الجيل الجديد

إذا لم نكن نحن مَن يغرس القيم في نفوس أبنائنا داخل هذا العالم الرقمي، فهناك مَن سيفعل – ولكن ليس بالضرورة بما يتماشى مع مبادئنا.

الأسرة، والمعلم، والمجتمع، والإعلام كلّهم شركاء في صناعة وعيٍ متوازن يُراعي خصوصية القيم ويستثمر أدوات العصر.

ختامًا ..

عصر التكنولوجيا ليس عدوًّا للقيم، بل ساحة جديدة لاختبارها وتطبيقها.

القيم باقية، لكنها تحتاج إلى لغة جديدة تُخاطب بها العقول الحديثة.

فلتكن التقنية جسرًا نعبر به نحو جيل أكثر وعيًا، لا حفرة نغرق فيها ونفقد هويتنا.

فلنحمل قيمنا في قلوبنا، ونبثّها في شاشاتنا… ليبقى الإنسان إنسانًا، مهما تطوّرت الأدوات.

كاتبة رأي

سلامة بنت محمد المالكي

كاتبة وإعلامية وشاعرة وقاصة ومؤلفة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى