
أحلام أحمد بكري
(التكيف مع التحديات)
حياة الإنسان على هذه الأرض مليئة بالتحديات فإذا أستطاع الفرد التعامل والتكيف معها أستطاع أن يجلب لروحه الاستقرار والرضا والسعادة ، والأمثلة كثيرة في هذه الحياة ، والأكثر منها ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز القرآن الكريم من قصص الأنبياء والتحديات التي واجهوها في حياتهم وأثناء دعوتهم للدين الواحد وعبادة الله سبحانه وتعالى ، (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ) ، [الأعراف: 59] ، كمثال عميق في التكيف والتعامل مع التحديات قصة سيدنا نوح عليه السلام أثناء دعوته نسردها لنتعلم منها كيفية مواجهة التحديات والتعامل والتكيف معها ..
قصة النبي نوح عليه السلام من أبرز القصص التي تحمل دروساً عظيمة عن الصبر والدعوة إلى الله وثبات الإيمان في وجه تحديات الكفر ، كان نوح عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، وأول نبي أرسله الله إلى قوم ضلوا عن الطريق بعد وفاة النبي آدم عليه السلام ، عاش قوم نوح في منطقة بين العراق وفلسطين، وكانوا يعبدون الأصنام (وَدّ، سُوَاع، يَغُوث، يَعُوق، نَسْرًا) ، والتي كانت تمثل رجالًا صالحين من قوم آدم، ثم عبدهم الناس بعد موتهم.
التحدي الأول : دعا نوح قومه إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام ، وحذرهم من عذاب الله إن استمروا في كفرهم ، استخدم أساليب متنوعة في الدعوة ، الدعوة سرًا وجهرًا ، التذكير بنعم الله عليهم ، تحذيرهم من يوم القيامة ، لكن القوم استجابوا بأسلوب السخرية والاستهزاء ، واتهموه بالضلال والكذب.
فال تعالى في (سورة نُوح):
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9))..
التحدي الثاني: لم يثني سيدنا نوع استهزاء قومه وتكذيبه له و استمر في دعوته (950) سنةٍ ، ذُكر ذلك في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} ، [العنكبوت: 14]) ، رغم ذلك، لم يؤمن معه إلا قليل ، بينما استمر أكثرهم في الكبر والضلال ، حاولوا إيذاءه ، وطلبوا منه أن يُنزل عليهم عذاباً إن كان صادقاً ، قال تعالى في سورة هود :
(قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33))..
قال تعالى في سورة نوح :
(قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24))..
التحدي الثالث :بناء السفينة فقد أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن بالفعل ، وأمره ببناء سفينة ، صنع السفينة من خشب ، وساعده فيها المؤمنون ، قال تعالى في سورة هود :
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)) ، بينما سخر منه الكافرون..
حتى جاء أمر الله بأن يحمل في السفينة ، من كل حيوان زوجين (ذكر وأنثى) ، وأهله المؤمنين (زوجته ماتت كافرة، وابنه كان من المغرقين) ، قليل من المؤمنين الذين اتبعوه ، قال تعالى في سورة هود:(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)).
بعد كل هذه التحديات ومواجهتها والعمل على التكيف معها جاء أمر الله سبحانه وتعالى (الطوفان والعذاب) فُتِحت أبواب السماء بالغيث، وانفجرت الأرض عيوناً فحدث الطوفان العظيم ،و غرق كل من كفر ، حتى ابن نوح الذي حاول اللحاق به ، لكن السفينة لم تفتح له لأنه كان من الكافرين ، وكان ذلك:
(التحدي الرابع والأخير) الذي واجه سيدنا نوح حيث نادى نوح ربه: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} ، [هود: 45]..
فرد الله عليه: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ، [هود: 46].
وجاءت لحظة الفرج بعد مجابهة التحديات العظيمة ، استوت السفينة على الجودي (جبل في تركيا أو العراق حسب الروايات) ،
قال تعالى في سورة هود :
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)) ، خرج نوح والمؤمنون ، وبدأت حياة جديدة على الأرض ، أصبح المؤمنون ذرية جديدة للبشرية بعد أن هلك الكافرون..
كانت طريقة سيدنا نوح في مواجهة التحديات قائمة على:
⁃ (الصبر وعدم اليأس) على الدعوة ، تحمل نوح المشقة قرابة ألف سنة دون يأس.
⁃ (قوة الإيمان البُعد عن المشتتات) لم ييأس نوح رغم استهزاء قومه.
⁃ (عدل الله)لم يُنَجِّ الله ابن نوح لأنه كافر ، فالنسب لا ينفع بدون إيمان.
⁃ (الانفراج) بمعاقبة الكفر وهلاك الظالمين ونجاة المؤمنين.
وقائمة التحدي في قصص القرآن الكريم تطول بأمثلة كثيرة:
⁃ تحدي الله سبحانه وتعالي الجاهليين عندما قالوا بأن القرآن الكريم المُنزل على نبينا محمد ماهو كلام كذب وافتراء إلا قاله محمد صلى الله عليه وسلم ، تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور مثلة أو حتى سورة واحدة ، قال تعالى في سورة هود : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13))
⁃ التحدي القائم بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون بالعصي ، والتحدي الذي واجهه سيدنا موسى بعد عودته من كتابة الألواح حيث وجد قومه قد صنعوا عجل من ذهب وقاموا بعبادته..
⁃ التحدي الذي واجهه سيدنا يوسف مع أخوته وإلقائه بالبئر ومع امرأة العزيز والسجن الذي دخله..
⁃ التحدي الذي واجهه سيدنا يونس بعد إلقائه من السفينة وإلتقام الحوت له ..
⁃ تحدي المرض والابتلاء الذي واجهه سيدنا أيوب عليه السلام..
⁃ تحدي قوم صالح بذبح الناقة وفصيلها وعدم الاستجابة له..
⁃ تحدي قوم لوط بفعل الفواحش وعدم الاستجابة لدعوته بالتطهير..
⁃ التحدي التي واجهته السيدة العذراء مريم ابن عمران عند حملها..
⁃ التحدي التي واجهته السيدة هاجر عندما تركها سيدنا ابراهيم في وادي غير ذي زرع (مكة) هي وابنها وحيدة..
⁃ التحدي التي واجهته الملكة بلقيس مع سيدنا سليمان وتنكيل عرشها..
مُلخص لما سبق من موضوعنا في التكيف مع التحديات الكبيرة التي تواجه الكثير من الناس ، سواء في الحياة الشخصية أو الحياة العامة ، هذه بعض الاستراتيجيات الفعّالة لمساعدتك على التكيف مع هذه التحديات:
⁃ تعلم قول “لا” ، لا تلتزم بمهام إضافية إذا كانت ستؤثر على أولوياتك الأساسية ، ركز على ما يحقق أكبر قيمة لك أو لعملك.
⁃ قلل المشتتات ، اختر مكان هادئ للعمل ، ابتعد عن هاتفك أو اغلق إشعارات الهاتف ، والتطبيقات غير الضرورية أثناء العمل ، خصص أوقاتاً محددة للرد على الرسائل والبريد الإلكتروني بدلاً من تفقده باستمرار.
⁃ راجع أدائك باستمرار في نهاية كل يوم أو أسبوع ، قيّم ما أنجزته وما يمكن تحسينه ، عدّل خططك بناءً على التحديات الجديدة.
⁃ استعن بالتفويض إذا كنت في موقع قيادي ، فوّض المهام التي يمكن للآخرين إنجازها.
⁃ ركز على المهام التي تتطلب مهاراتك تحديداً.
⁃ كن مرناً وتقبل أن بعض الأمور قد لا تسير كما خططت ، وتعلم التكيف مع التغييرات الطارئة.
التوازن بين إدارة الوقت وتحديد الأولويات و الإنتاجية والراحة هو المفتاح الأساسي لمواجهة التحديات وتذكر أنها مهارات تُكتسب بالتجربة والتحسين المستمر..