كُتاب الرأي

العيد … المعاني الإنسانية والجمالية

د. سالم بن رزيق بن عوض
.

العيد … المعاني  الإنسانية والجمالية

تتفق  البشرية  على  اختلاف أجناسها وأعراقها  ولغاتها على إظهار المعاني الإنسانية الأصيلة في حياتها وإبراز   انجازاتها  وموروثاتها  وثقافاتها  في  احتفالات  وكرنفالات  كبرى  على  مرور  العام والشهور المختلفة ؛ فالبهجة والسرور وتغيير ألوان الحياة الرتيبة ومحاولة جلب لحظات الأفراح والتغلب على التحديات والصعوبات والعقبات والمؤثرات التي توجهها في أيامها وأسابيعها وشهورها كان من الدوافع والحوافز التي دفعت وحفّزت الناس على الإتفاق على مواعيد أيام البهجة والسرور والسعادة.
ويشاهد  جميع  الناس  ما يعرض  على وسائل التواصل الإجتماعي  ،  وما   تقوم به كآفة  الشعوب في أعيادها الوطنية والثقافية والاجتماعية والدينية ، وما  يصلنا من مشاعر الفرح والسرور والسعادة والأمل والحبور وهم يؤدون ويعيشون ويحييون هذه الإحتفالات والمناسبات العظيمة ، وما يرسمونه بألوان ملابسهم وبأشكال صورهم وحركات رقصاتهم  وجمال أصواتهم.
إن البشرية بفطرتها وطبعها  تحب الأفراح والبهجة والسرور والسعادة والأمل والحبور وتحب أن تعيش هذه اللحظات التي ربما تفقدها أو فقدتها في دنيا  الهموم والغموم والأحزان  في الحياة اليومية المختلفة والمتباينة ،  فهي تحتفي بالمناسبات الوطنية بطرق ووسائل ساحرة ورائعة ونفيسة !  وكذلك عندما تمر  عليها المناسبات الدينية والثقافية ! وهي تعيش اللحظات وتبث الأفراح !   وتعيش فيها وتلهج بالمحبة والود والحنان للجميع كذلك في المناسبات الرياضية والاجتماعية.
وقد فطنت هيئة  الأمم المتحدة  ممثلة في منظمة اليونسكو مبكراً إلى الجوانب العاطفية والمشاعر الإنسانية التي يحملها الناس على  ظهر  كوكب الأرض الجميل   !  فعلى إختلاف أعراقهم والوانهم  وثقافاتهم وأديانهم ودولهم ومدنهم  !  سعت ونظمت المناسبات الإنسانية على مدار أيام العام :  فهذا يوم العلم  ،  وذاك يوم المرأة ، وذلك يوم الأم ،  وهذا يوم الحب وذاك يوم السلام  ، وهذا  يوم الضحك والابتسامة  ،  وهذا  يوم  الشعر والقصيدة   ؛   وهكذا  وزعّت المناسبات السعيدة والأحداث التي تذكر الأمم بأيام  الأفراح والسعادة والأمل والحبور   على    أيام  العام كلها  !   .
فالعام كل  أيامه  تحتفي بها المنظمة عبر تنوع  البشرية وتنوع بلدانها  !
وتأتي الأعياد في الإسلام لترسم وتغرس  المعاني  الإنسانية والجمالية   في  البيت المسلم   ومن ذلك :
أولاً:  وحدانية الله تعالى وتجديد الإيمان بربويته   وألوهيته  وأسمائه والحسنى وصفاته العليا وزيادة قرب المسلم من ربه  فهو معه في كل شؤون حياته .
ثانياً: إقامة المناسبات التي أذن الله تعالى بها أن تقام والتزام الهدي والسنة المطهرة فيها وهي له عبادة وقربة ودين يدين الله تعالى به فيها .
ثالثاً:  إظهار الأفراح باللباس الجديد  ؛ والخروج  إلى مصليات  العيد  والفرح  بالإنجازات الكبرى في الإسلام فيأتي عيد الفطر  بعد سباق قوي في صيام  أيام شهر رمضان وقيام لياليه ، والصدقات والبر والصلة والإحسان  فيه  !  ويأتي عيد الأضحى بعد إقامة شعيرة الحج للحاج وصوم عرفة لغيره والمحافظة على سائر الشعائر.
رابعاً: بث معنى الإخوّة ( إنما المؤمون إخوة ) وتحقيق ذلك المبدأ عملياً بينهم  ؛  في  الأسر  الكريمة والعائل الحبيبة  !  في  الحي  ،  في  المدينة ،   في  القطر  ،   في  العالم .
خامساً: التعاون والمحبة والعطف والرحمة بين جميع الناس  في كل بقاع الأرض ويظهر  ذلك في إفطار المسلمين في القطر الواحد وكذلك في الأقطار المختلفة وعيد الأضحى المبارك  يتوج بالمحبة والرحمة والرأفة بينهم .
سادساً:  نشر  العدل والمساواة بين الناس ؛  في الحقوق والواجبات وكذلك بينهم  وبين الشعوب الأخرى فهم يحملون مشاعل المعاني  الإنسانية من العدالة والمساواة والحقوق .
سابعاً:  الأصل  في الإنسان فوق  أي أرض ،   وتحت أي  سماء  هو عنصر  فاعل  متفاعل  منتج  ؛  يشترك مع البشرية في العمل الدؤوب والمثابرة وتحقيق الأهداف والمقاصد والإنجازات الوطنية  الكبرى ، وتسعى إلى نهضة  الوطن والبشرية جميعاً .
ثامناً: إعمار الحياة الدنيا والسعى إلى حياة أفضل وإلى غد  واعد ؛  ليس ترفاً أو مستحيلاً ، وإنما هو حقيقية عملية  تطبيقية دينية مقدسة وقيمية ثقافية اجتماعية أصيلة ومطمع الإنسان  الحقيقي وعليها  ينال رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة.
تاسعاً: الحياة الدنيا وما فيها  من  الخير  والفضل والصلاح   والشر   والبلاء  قد ربطها  ربها تبارك وتعالى ببذل  الأسباب  !    وما يحصل عليه  الإنسان من خير أو شر  يعود  إليه   هو  !  وما  بذل  من الأسباب  الجالبة   للخير والنفع والعزة والمتعة والسعادة والأمل والغلبة والقوة والقدرة فسوف  يحصل  على ذلك  !
  فمن بذل جميع  أسباب الخير  واستعان  بالله  تعالى  حصل عليه  ، وجنى ثمار غرسه ، ومن بذل أسباب الشر والعطب جنى الحنظل والخسارة هنا  وهناك .
عاشراً: التغيير  سنة كونية وهو يجري على الأفراد والفئام من الناس  ؛  فالأيام  والليالي   واحدة   لكن  الله  تعالى  أعانك  على  تغيير  نفسك  وتغيير  الأيام  فالعيد   ؛ ويوم   العيد   وأيام  الأفراح   رموز  لقدرة  الإنسان   على  التغيير  للأفضل والأحسن والأجود  ،  يقول  الله  تعالى  في كتابه  العزيز  :
   (   وأن   ليس  للإنسان   إلا   ما  سعى  ،  وأن  سعيه  سوف   يرى  ،  ثم   يجزاه   الجزاء   الأوفى  )  ،  والمسلم   الفطن اللبيب  عليه فهم ذلك جيدا !   فعليه أن يسعى لزيادة إيمانية وزيادة دخله ومعاشه وتحسين وضعه والعناية بأهله وأقاربه وجيرانه والإهتمام بشؤونه ؛  وعليه  أن  يصنع جنته  وفردوسه   في  الحياة  الدنيا   قبل  المطالبة   بها  في  الآخرة   وذلك   بالعمل  والعمل  الصالح ؛ ولتكن  حياته   ؛  كحياة  النمل في العمل الدؤوب !     وكالنحل  في نوعية الإنتاج والإبداع في الشراب المختلف  في الألوان  !  فيه شفاء  وصحة وعافية وهداية وستر وفلاح ونجاح وفوز للناس أجمعين .
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن  يعيد  علينا العيد بالخيرات والبركات والمسرات
      وكل  عيد  و أنتم بخير  ،،،
مستشار أسري 

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى