كُتاب الرأي

يوم الشعر وشاهي على الجمر

مشعل الحارثي

يوم الشعر وشاهي على الجمر

منذ أن اقترحت المنظمة العالمية للتربية والأداب والثقافة والفنون (اليونسكو)عام ١٩٩٩م الاحتفال بيوم الشعر العالمي وذلك لتجديد الاعتراف بالشعر وإعطاء زخم للحركة الشعرية الوطنية والاقليمية والدولية ،وعندما استشعرت أن الشعر هو طوق النجاة والملاذ الروحي للنفس البشرية للخروج من حالات القلق والتوتر وبناء عالم جميل متشح بالصفاء والنقاء والسلم والسلام ، يقف على النقيض تمامآ مما يعيشه العالم من عوالم الخراب و الدمار والحروب وسفك دماء الأبرياء في الأرض ، فأصبح يوم (٢١) مارس من كل عام يوما ثابتا يتحرك فيه الحنين لهديل الحمام ،وسحر الكلام، ويلبي حاجة الروح الإنسانية للكلمة المحلقة لأفاق أبعد وأعمق ،ويبعث الأمل ،ويبوح بالجمال .
ومن ماضي الزمان ووقت أن كان الانحياز للنص الشعري المبدع هو الأصل ، يذكر أن أحد خلفاء بني العباس كان من متذوقي الشعر وكان يخبر شعراء عصره عن رغبته في الاستماع إليهم في ليلة يحددها قبل موعدها بأيام، وكانت ردة فعلهم انهم يتسابقون لمعرفة من هم نجوم تلك الليلة ،ويقضون أيامهم السابقة لتلك الليلة وهم منهمكون في النظم والانتقاد الذاتي والتنقيح والتصحيح ،يقودهم هوى المنافسة وروح التحدي فتكون تلك الليلة موعد لولادة أروع القصائد التي دخلت التاريخ الشعري وجسدت كنوز الأدب العربي وجوهر التراث .
وإذا قفزنا إلى عصرنا الحالي عندما غادر الشعر تموضعه الابداعي ومألوف الزمان ،وكونه ديوان العرب وبيانهم التعبيري الخالد بلغته ومعانيه المتسعة بقدر سرائر البشر وعوالمهم ،وجدنا تلك الفوضى العارمة في ساحة الشعر التي اختلط فيها الجيد بالرديء والصالح بالطالح وضاعت فيه الموهبة الشعرية وانتشار جيل
(المتشاعرون) في مواقع التواصل الإجتماعي وبعض المنابر الإعلامية والقنوات الفضائية ،وأخذهم أكبر مما يستحقونه، في ظل غياب النقد الهادف والجهة المختصة التي تتابع وترصد المشهد وتعيد الشعر الرصين إلى الصدارة بوهجه وصورته الحقيقية .
لقد سوئل ذات مرة مؤسس علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي عن عدم قوله الشعر فأجاب : (ماياتيني منه لا ارضاه ،وما ارضاه لا يأتيني ) ، بمعنى أنه لا يرضى لنفسه أن يكون شاعرا مطبوعا مغمورا بل شاعرا مشهودا له بالموهبة والتألق والابداع، والا فلا شعر .
ومع كل تلك المنغصات والسلبيات التي اجتاحت ساحة الشعر ،الا أنه لازال في عنفوان مجده ،وسيظل أقرب الفنون القولية إلى قلب الإنسان مهما اعتراه من انحسار وتراجع وقتي ،وسيبقى لؤلؤة العالم المكنونة والجوهرة التي تستلقي في بحر الأسرار ،ويحتل مساحات مضيئة من وجداننا ،ولذلك فأنا أعتبره كشاهي الجمر العريق لا المعروض المحروق في بسطات الشوارع والأزقة والمشكوك في أمره والمخالف للاشتراطات الصحية ،والذي يروي صحيحه ظمأ النفوس ،ويعدل المزاج ويسكر الصحو بل يسري بنا حيث لا موت ولاصحو سوى هسيس القصيدة، وأنفاس أسلافنا الشعراء الكبار ،وساعتها فقط نقول أهلا بالشعر في كل يوم وليس في يوم واحد .

كاتب رأي وإعلامي 

 

مشعل الحارثي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى