يوميات مسافر

بينما كنت في رحلة داخلية (من جده إلى الرياض) في ظهر يوم الإثنين الموافق١٩ فبراير من عام ٢٤ م وبعد تأخير استمر لأكثر من ساعة بمطار الملك عبد العزيز الدولي أقلعت رحلتنا لتجوب أجواء دولتنا الحبيبة في يوم كان مشرقا متجهة إلى الشرق لتقطع أودية وجبال وكنت أتأمل من نافذة الطائرة على خلق الله- سبحانه وتعالى- وإذ بي أشاهد بعض السحب البيضاء الصغيرة التي تبعد عنا في اتجاه الأرض آلاف الأمتار والتي كانت قريبة من الأرض وبعيدة عن الطائرة التي تقلنا، وكانت تلك السحب كقطع متجاورات تتحرك ببطء ناحية الغرب إي في اتجاه معاكس لرحلتنا وكان منها الصغير ومنها الكبير حتى أنني لشدة الوضوح شاهدت ظل ذلك السحب على الأرض، وحينها تذكرت عندما كنا في سن الطفولة وبالتحديد في مرحلة الابتدائية حيث كنا نرعى الغنم في الجبال المجاورة لمزرعة والدي- رحمه الله- وتأتي تلك السحب لتغطي الجبال والهضاب التي ترعاها أغنامنا، وكانت الجبال وتلك الهضاب عبارة عن العصي التي كنا نتوكأ عليها في رعي أغنامنا، وعادت بي الذاكرة لأتذكر كيف كنا نطارد تلك السحب بأثواب بالية ومرقعة من كل جانب وصدور مفتوحة وكنا نتلمس بياضها ونحاول أن نتمسك بها لتقلنا وتقربنا للأماكن التي كانت تتجه لها أغنامنا، وكنا حينها كأننا نمتلك تلك السحب ونفرح لنزولها بالقرب منا ولبياضها الذي يلف رؤوس الجبال ولمصاحبة الرذاذ الخفيف لتلك السحب، ورغم كل ذلك في تلك الحياة المصحوبة بقسوتها وعوزها إلا أننا كنا نتطلع إلى المستقبل ونرى أن نشاطنا ومشاركتنا لأهلينا في القيام ببعض المهام الجانبية التي توكل لنا ما هو إلا نوعا من الإلهام وتحمل المسئولية الذي سيقودنا إلى مستقبل مشرق فضلا عن شعورنا بأن تلك الأعمال ما هي إلا تكليفا يرتقي بنا لنصبح في مكان المسئولية وبالتالي نكون قد تجاوزنا هذه المرحلة لمرحلة أكبر وأهم سواء كان ذلك في المزرعة من سقيا وحرث وخلافه إلى تسويق بضاعتنا في السوق كما يطلق عليه إي في حلقة الخضار، وكنا نرى في ذلك التدرج في المسئولية أن حياتنا ترتقي إلى الأفضل، وبالتالي كنا نحاول أن نغير من حياة والدينا بإصرار شديد في المقام الأول ومن ثم ننتقل بهم إلى عالمنا الواسع الرحب الجميل الذي كنا نتصوره كخيال رائع ومبهم وهو ما حدث رغم ضبابية الأوضاع والأحداث الدراماتيكية وخاصة عند انتقالنا من القرية إلى المدينة لإكمال دراستنا حيث كانت قريتنا تفتقر لوجود مدرسة بالمرحلة المتوسطة، وهو ما حدث بعد توفيق الله- سبحانه وتعالى- رغم فوبيا الحضارة أو المدنية التي اصطدمنا بها في سن مبكرة من أعمارنا ولكن ذلك كان دافعا لنا لنستمر في إحداث التغيير وتقبل الأمر والاستمرار في طريق النجاح لنتشارك مع والدينا بمشاهدة الفرق الذي عايشناه معهم وبقينا معهم في ذلك النجاح حتى أن توفاهما الله، ولعل هذه جزئية عابرة عن انتقالنا من عالم القرية ورعي الأغنام والمزرعة ومن الحياة التي كانت بمكانة البدائية لنا كأسرة أصبح فيها الطبيب والمهندس والضابط والأستاذ، نعم هذه أسرتي وكل ما كان يمثلها من وقائع وأحداث وأماكن وانتقال من قرية صغيرة من قرى بني سعد بالطائف إلى المدينة نفسها ومع هذا وفي ظل تلك الصعاب إلا أننا ولله الحمد وفقنا في تجاوزها حيث لم تمنعنا تلك الظروف من تحقيق أحلامنا التي كنا نراها بعيدة في المستقبل وما كنا أيضا نصبو لتحقيقه فتهيأ فلله الحمد أولا وأخيرا، ثم لدولتنا الشكر التي مكنت لنا كل وسائل التعليم وحثتنا عليه حتى أن تحقق المنى ولله الحمد.
وعودا على بدء، أقول اللهم آدم علينا نعمة الأمن والأمان واحفظ دولتنا وولاة أمرها أنك يا رب سميع مجيب، لقد غرس ولاء وحب دولتنا في ثرى هذه الأرض الكريمة التي رضعناه منها ونحن صغار عندما كنا نأكل ترابها، نعم كنا صغارا نأكل التراب وكان أهلنا يحثوننا ويحببوننا في حب دولتنا رغم كل ما كان يصاحب حياتهم من فقر وفاقة، وأتذكر في هذه العجالة أن جدتي والدة والدي كانت كبيرة في السن وكانت شاعرة وكانت تحكي لنا قصص وأهازيج ونحن أطفال أنا وإخوتي وأبناء أعمامي التي هي جدتنا جميعا وكانت تدعي وتبتهل وعمرها قد تجاوز التسعون عاما لولاة أمر بلادنا الطاهرة والله إنها حينما كبرت وعرفت حينها أنها لم تكن تعرف من كان يقود المملكة أي اسم الملك في تلك المدة البعيدة التي لا ينساها الجاهل حيث كنا صغارا في السن ولكنها- رحمها الله- كانت تدعو للدولة وللملك بدعاء جميل مؤداه أن يديمهم ويحفظ ملكهم خاصة وهي قد تلوت من عدم وجود الأمن في أغلب حياتها وذلك قبل توحيد المملكة على يد مؤسسها الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، أقول ونحن الآن قد كبرنا ونحن الآن نحبب أبناءنا وجيلهم كله بحب هذه البلاد وقيادتها الكريمة ونحثهم عليه خاصة ونحن نلمس ونشاهد كيف آلت كل حالة البلدان التي كنا نراها سبقتنا في العلم والحضارة والغنى، كيف صار وضعها وأصبحت ساحات قتال لأحزاب متناقضة ومناهضة وعميلة للاستعمار الغربي البغيض ونحن ولله الحمد نشق طريقنا في ظل وارف من الأمن والسؤدد والنجاح تحت قيادة رشيدة تهتم بالوطن والمواطن، اللهم حبب شبابنا في وطنهم المملكة العربية السعودية وآدم علينا الأمن والأمان واحفظ قادتنا أنك يا الله السميع القريب.
اللواء م / محمد سعد الربيعي