و100 درجة في النشاط الطلابي !
و100 درجة في النشاط الطلابي !
في الآونة الأخيرة، لفت انتباهي قرار إقرار مادة النشاط الطلابي كمادة دراسية لها درجات تحصيل، وهو قرار يثير كثيراً من التساؤلات التربوية والمهنية، ويستحق وقفة تأمل ومراجعة جادة من المسؤولين في التربية والتعليم.
فالنشاط الطلابي هو الجانب العملي التطبيقي للتربية، الذي يُحوّل التعلم من تلقٍّ سلبي إلى مشاركة فاعلة تُنمّي الإبداع والقيادة والمهارة لدى الطلاب
ووُجدت الأنشطة لتكون روح المدرسة وحركتها الحيّة، لا لتتحول إلى مجرد (مادة )جامدة تُدرّس على الورق، وتُقيَّم بالأرقام، وتُسند إلى معلمين قد لا يملكون الأدوات أو الرؤية اللازمة لتفعيلها كما ينبغي.
لقد غاب على من أقرّ هذا التوجه أن النشاط الطلابي ليس علماً يُلقَّن، ولا مهارة تُختبر، بل هو (ممارسة حية) تنبض بالميول والرغبات، وتُبنى على الشغف والاختيار الذاتي.
فجوهر النشاط هو أن يمنح الطالب مساحة حرة للتعبير عن ذاته، ليكتشف قدراته، وينمّي مهاراته، ويجرب العمل الجماعي والقيادة والإبداع.
أما حين يتحول إلى مادةٍ ذات درجات تحصيل، لنفقد بالتالي تلك الروح، وليتحول النشاط إلى مجرد واجب دراسي إضافي يثقل كاهل الطلاب والمعلمين دون جدوى حقيقية.
لقد كان الأجدر – بدلاً من إقرار النشاط كمادة دراسية – أن يُدمج النشاط في نسيج المواد الدراسية نفسها، وأن يُعاد تصميم المقررات لتتضمن مشاريع وأنشطة تطبيقية مرتبطة بالمحتوى الأكاديمي.
كما كان الأنسب أن يُفعّل النشاط اللاصفي بصورة أوسع وأعمق، ليشمل جميع الطلاب، لا نخبة محدودة منهم، وأن يكون مساحة للإبداع الجماعي، لا مجرد بنود إجرائية ضمن خطة تنفيذية تُرفع على الورق وتُنسى بعد التقييم.
ما نراه اليوم من تحويل النشاط إلى مادةٍ تقاس بالدرجات هو في الحقيقة اختزال لرؤية التربية الحديثة، التي تنادي بأن التعلم الحقيقي لا يُقاس بالتحصيل فقط، بل بما يكتسبه الطالب من قيم، ومهارات، وخبرات حياتية.
النشاط في جوهره تربية قبل أن يكون تعليماً، وبناء للإنسان قبل أن يكون تقويماً للإنجاز، فكيف يُقاس الإبداع بدرجة؟ وكيف يُرصد الشغف في ورقة اختبار؟
ثم إن إسناد مادة النشاط إلى معلمين غير مؤهلين في مجالات الفنون أو المسرح أو الإعلام أو القيادة الشبابية، لا يسهم إلا في إضعاف التجربة وتشويه الهدف منها.
فالنشاط يحتاج إلى موجهين متخصصين، يملكون حسّاً فنياً وتربوياً، ويعرفون كيف يُطلقون الطاقات الكامنة لدى الطلاب، لا من يحولونه إلى تقارير وأنماط تنفيذية جامدة.
ولا شك أن اهتمام المسؤولين في وزارة التعليم بالنشاط الطلابي أمر محمود ومقدر، إذ يعكس وعياً بأهميته في بناء الشخصية المتكاملة، ولكن النية الحسنة وحدها لا تصنع أثراً إذا غابت عنها الرؤية التربوية الصحيحة.
إن تحويل النشاط إلى مادة ذات تحصيل أكاديمي يقتل روح المبادرة، ويضعف الدافعية الذاتية، لأن النشاط حين يُفرض يفقد معناه، وحين يُختبر يُفرغ من مضمونه.
أيها المسؤول الكريم،
نحن لا نعارض الاهتمام بالنشاط، بل ندعو إلى تعميق مفهومه وتفعيله في الميدان التربوي بما يحقق الغاية منه: إعداد جيلٍ مبدعٍ متفاعلٍ مع الحياة، لا جيلٍ يجمع الدرجات ويطوي الملفات.
فأملنا أن تُعاد دراسة هذا القرار، وأن يُعاد النشاط إلى مكانه الطبيعي: فسحة الحرية والإبداع، لا حصة من الحصص الدراسية كباقي الحصص التي تحتاج إلى وعي معرفي وعمليات اكتساب تحصيلي
بقلم د. عبدالرحمن الوعلان
معد برامج تلفزيونية وكاتب


“لا فُضَّ فوكَ يا دكتور عبد الرحمن، لقد قلتَ كلَّ ما يجول في خواطر أغلب روّاد النشاط الطلابي.”
أشكرك أستاذ تركي لمرورك الكريم
وكلماتكم أيّدت قلمي و أضفت على المقال قوةً في الطرح .. ممتن لك أخي 🙏🏻
د.عبدالرحمن أجدت وأفدت فيما أشرت إليه، وأتمنى أن يكون هناك رؤية ثاقبة لصناع القرار، وإعادة لصياغة القرار بما يتوافق مع طبيعة النشاط، وأمنياتي أن يكون هناك من قبل المسؤولين في وزارة التعليم الآذان المصغية والعيون المبصرة؛ لما أشرت إليه وما دعوت له.
شكرًا لك على هذا الطرح القيّم.
أبدعت دكتور عبد الرحمن في هذا الطرح التربوي العميق الذي يعكس وعياً تربوياً ناضجاً، ورؤيةً مخلصة نحو إصلاح التعليم وتفعيل جوهر النشاط الطلابي بوصفه مساحة للإبداع لا مادة للتلقين
إنها دعوة صادقة إلى إعادة الاعتبار للتربية بوصفها صناعة الإنسان قبل صوغ المقررات، وإلى حفظ جوهر الإبداع قبل تغليفه بالأرقام