وَهْمُ الاستحقاق

يوجد اعتقاد خاطئ عند بعض الناس فيما يحصلون عليه من احتياجات وما يتحقق لهم من حاجات، تجعلهم لا يقتنعون بها بل يرفضونها ولا يقبلونها؛ فلنأخذ مثالاً للدلالة والاستشهاد.
حينما يُقَدّم لهم معروفًا من أحد أو يسهّل الله لهم أمرًا ، أو يتلقون معاملة خاصة تفوق توقعاتهم، أقول! يوجد اعتقاد خاطئ عندهم بأنهم يستحقون أكثر مما قُدِّمَ لهم؛ بل يعتريهم نوع غريب من السلوك الأحادي يظنون معه جازمين أنّ ما حصلوا عليه هو أقل مما يتخيلونه، حتى أنك تجد الفرد منهم في حالة تذمر قصوى عندما لا يتوفر له مطلبه وسُؤْلَهُ (بتسكين الواو وضم ما قبلها) مثل هؤلاء حتى لو منحتهم عينيك لطلبوا حاجبيك!
أيضا نلحظ سلوكيات وتوهمات يعيشها البعض يتكهنون من خلالها أنّ لهم الحق في كل شيء وأنهم يترقبون أفضل مما هم عليه وكأن أولئك الممتلئون بالأنا لا يوجد مثيلاً ولا مماثل لهم ولا ندًا ولا قرينًا ولا شخصًا يساوي قيمتهم ، يزعمون أنهم أفضل الخلق وأجمل البشر وأذكى الناس وأعلى الأنام وفي قناعتهم أنه من المفترض أن تطوّع الدنيا من أجلهم ولصالحهم في سبيل تحقق مصلحتهم الذاتية والتحصل على كلِّ شيء بصورة شرهة لا تقبل القناعة ولا تؤمن بمبدأ المساواة والعدل، أما الإيمان بتكافؤ الفرص فهذا ضرب من ضروب المستحيل عندهم ، يحسبون! بينما هم مؤمنون برأيهم، أنّ الفرص صُنعت لهم وحدهم وليس لسواهم نصيب منها.
ما تم استطراده من قراءة نفسية عمّا يدور داخل الأنماط الشخصية للإنسان، يؤكد قطعيًّا لنا بأن هناك العديد من العوامل يمكن أن تؤدي إلى الشعور بظن الاستحقاق أولها وآكدها الخطأ الذي يقع فيه الوالدين عند تربيتهم لأبنائهم، حيث يسلك بعض الآباء والأمهات طريقًا في التربية مستخدمين في ذلك القسرية والقسوة والجفاف العاطفي وهذا ما يجعل الطفل ينشأ ولديه فقر في الحاجات تكبر معه، بالتالي يبدأ بعدها في محاولة الحصول على كل شيء حتى لو أدى به الحال إلى استخدام العنف والغلبة لامتلاك ما يريده.
كذلك من العوامل الهامة في الشعور بشك الاستحقاق: الدعم العاطفي والمادي الفائض عن الحاجة، هذا التعامل يجعل من الناشئ يسكب طَمَعَهُ كالأنهار فيصبح أسيرًا لرغباته لا يرضى بالقليل ويعتقد بأنه جدير بالحصول على أكثر مما أعطي.
إنّ عدم التوازن في تلقي طرائق التربية منذ الطفولة وعدم الحصول على عناية خاصة أو الإغراق في المعاملة بصورة مميزة يمكن لها أن تؤثر على مستوى الاستيعاب عند الفرد وتدفعه إلى مزيد من طلب الوفرة.
عامل آخر يمكن له أن يسبب ظهور مفهوم (أنا أَسْتَأْهِلُ وأَسْتَحِقُّ) هو: الإخفاقات السابقة وعدم التعلم من الفشل، والتفكير السلبي، وعدم وجود أفكار تشجيعية للنفس، كما أنه يمكن إضافة التأثير العكسي للعلاقات الاجتماعية من ضمن العوامل التي تؤدي إلى نشوء وهم وجوبية الاستحقاق.
كثيرة هي النظائر والمتشابهات التي توصل إلى الشعور العميق بالتصور الكاذب والتخيل المغلوط في الحصول على الحق! منها: قلة دعم العائلة والأصدقاء، وقلة الوعي الذاتي وضعف الثقافة، والتأثر بكلام الآخرين السلبية والتشاؤم وعدم الشعور بالسعادة، انخفاض تقدير الذات إلى غير ذلك من العوامل النفسية والظواهر الاجتماعية.
فإذا ما أراد الإنسان متابعة حياته على نحو متزن يتعين عليه الاشتغال على نفسه بصيانتها عن الذل وحفظ كرامتها عن كل ما يسقط قيمتها ومكانتها، كما يتوجب عليه الإيمان التام والإدراك المطلق بأن الله قد اختار له ما فيه صلاح أمره، ثم إن عليه ضرورة تحرير النفس من الضراعة وتأديبها بعدم الخضوع للرغبات والمشتهيات، وتدريبها باستمرار على التوازن والاعتدال والقناعة بعدها يأتي العمل على تعزيز المهارات والقدرات الذاتية واستثمار نقاط القوة وتوظيفها جيدًا من أجل الوصول إلى الغايات.
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي