كُتاب الرأي
وهم الحياة

وهم الحياة
في مكان من العالم الافتراضي، في لعبةٍ ما…حيث اللعبة عن الصراع بين الخير والشر ، وفيها يختار اللاعبون الفريق الذي ينضمون اليه ، فهم إما اخيارا ،او اشرارا ، او في المنتصف بين الخير والشر ،
يشاهد جمعٌ غفيرٌ من الناس يلهون ويلعبون.
وفجأةً بدأت المؤشرات من حولهم تتلخبط؛ تغيرت الأضواء والأماكن والأصوات، وتجمد اللاعبون في أماكنهم، ليجدوا أنفسهم يمشون في مسارات محددة، طوابير، الواحد تلو الآخر، يحمل كلٌّ منهم حقيبة سفرٍ معه.
تنتهي هذه الطوابير إلى محطة القطار، ليجدوا أنفسهم مجبرين على ركوب القطار، ولا يزالون مجبرين على السير حتى يصل كلٌّ منهم إلى مكانه المحدد مسبقًا لجلوسه.
وبعد عدة دقائق من الصمت المطبق، حيث الجميع عاجز عن الكلام، أُقفل الباب، وانطلقت صافرة القطار معلنةً عن بدء الرحلة.
الجميع في ذهول: ما هذا التغيير غير المتوقع في اللعبة؟ لا يفترض بهذا أن يحدث!
أين نحن؟ وإلى أين نذهب؟
وعند انطلاق القطار بأقصى سرعته، أعلن السائق عن المدينة المقصودة:
“سننطلق إلى مدينة الحياة، المدينة الفاضلة، والتي لا يمكنكم أن تعيشوا فيها بشيء، سوى ما تحملونه معكم من أمتعة.”
ضجَّ الجميع، وكلٌّ فتح حقيبته يتفقد ما فيها؛ بعضهم وجدها مليئة بتفاهات لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وبعضهم كانت حقائبهم شبه فارغة، وآخرون كانوا فرحين بكمية الدولارات الموجودة معهم، وآخرون فرحون بذهبٍ وفضة، وآخرون بملابس ومُتَاع…
وفي خضم حديثهم، وبهجة البعض، وخوف البعض الآخر، أخبرهم السائق:
“نحن على بُعد عدّة كيلومترات للانتقال إلى العالم الحقيقي، فقد آن الأوان للخروج من اللعبة الكبرى، اللعبة الأم، وسننتقل إلى عالمٍ سيتلاشى فيه كلُّ ما هو مادي، فلا تفرحوا بما جمعتم من متاع ، فانه سيتلاشى كما اجسادكم ايضا
هلع الناس في القطار: كيف لهذا أن يحدث؟! لا يمكن ذلك!
“توقف أيها اللعين! انتظر!”
حاولت الحشود الوصول إلى السائق، لكنها لم تستطع، فبينها وبينه سور لا يُرى، ولا يمكن اختراقه.
وما هي إلا لحظات، حتى اختفت المادة وكل ما يتعلق بها تمامًا، ولم يعودوا أُناسًا، بل ظلًّا أو نورًا…
وكان الظلام حالكًا، والمضيئون قليلون، يسيرون بنورٍ يشع من وجوههم وجباههم، ينير لهم الطريق، وروائح زكية تنبعث منهم مع كل خطوة يخطونها، يسيرون فرحين، مستبشرين، يتمتمون بالشكر والحمد لما آلوا إليه.
والسواد الأعظم يسيرون ويتخبطون، ويحاولون أن يتبعوا أصحاب النور، فلا يستطيعون، ويظلون ما بين قيامٍ وسقوط كأنهم سكارى وماهم بسكارى ،وكلٌّ من هول المشهد منشغلٌ بنفسه.
وما هي إلا لحظات، ويسمعون صوت السائق يقول لهم:
“هذه أمتعتكم رُدّت إليكم.”
ويرى كلٌّ منهم شريط حياته يُعرض أمام عينيه، ما بين عملٍ صالح وخبيث،
كل واحد يرى حياته امامه ، يخيل اليه انه يراها بتقنية الهولوجرام لكن شتان مابين زيفها وبين الحقائق النورانية التي لاتخطر على البال ،، تعرض اعمال شنيعة قد نسيها ، واقوال غاشمة تلفظ بها ، واشياء لم يكن يتوقع ان يراها ،
والعويل والنحيب والخوف يسيطر على الأرجاء،
احدهم يقول ياويلتي هدا لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها ..،
واخر يصرخ متوسلا : لقد كنا في غفلة عن هذا !
فيسمع من يرد عليه : لقد كانت الاشارات واضحة والدلالات بينه ، وكل هذا كان خياركم انتم ،
ويسمع صوت أحدهم يصيح:
“هييه، توقّف! نريد أن نعود، أرجوك، أعدنا لمدينتنا الأولى، وسنجمع لنا متاعًا مختلفًا، كمتاع هؤلاء!”
(مشيرًا إلى أصحاب النور)
فيسمع صوتًا يرد عليه قائلًا:
“لو عُدتَ، ستنسى ما عُدتَ لأجله.”
ويقال لهم:
“هذه حياتكم الجديدة، انطلقوا إليها، ولا عتاد لكم إلا ما قدَّمتم.”
نحن ما بين الحياتين نسير، وكلٌّ منا يحمل بيده كيسًا كزوّادة، يجمع فيه ما يريد،وقليل منا يعي وينتقي زوادة نافعة بحق ، إلى أن تأتي لحظة الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة.
فيا ترى:
هل الموت نهاية؟
أم أنه البداية؟
هل الموت راحة أم عناء؟
> ويا ليتنا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حيّ
ولكننا إذا متنا بُعثنا
وبعدها نُسأل عن كل شيء.
مقال فاق حدود الإبداع👍
سلم قلمك الذهبي مبدعتنا الأستاذة رحمة👏👏👏👏👏👏