كُتاب الرأي

وقفات مع العام الجديد

 

تسارع الزمن وسرعة إنقضائه وما يتركه فينا من الأحداث والوقائع والآلام والآمال والأحزان والأفراح والصعود والهبوط كل ذلك من أعمارنا وحياتنا وجهدنا وتأريخنا وصورة من صور وجودنا على هذه الأرض الجميلة في طبيعتها المتنوعة في تضاريسها والقديمة في تأريخ تكوينها .

ونحن إذ نودع عاماً مضى بما فيه ونستقبل عاماً جديدا سعيدا بما فيه نستشعر أهمية الزمان وحقيقته وسرعة تصرمه وإنقضائه وما الأدوار والمهام والمسؤوليات المنوطة بنا تنفيذها والحرص على تجويدها وعدم التكاسل أو التخاذل والتساهل في التعامل مع هذا المتغير السريع والأمانة العظيمة والمنحة الربانية والفرصة الأخيرة لسكان الأرض من الجن والإنس.

إن احترام الجزء من الثانية والثانية والدقيقة والساعة واليوم والليلة والأسبوع والشهر والعام لهو شهادة رقي وتقدم وفهم ووعي وحسن إدراك والشعور بالمعاني الإنسانية للإنسان وأهمية وقته وعمره وما وهبه الله تعالى من استثماره فيما يعود عليه بالنفع والفائدة وما فيه سعادة الدنيا والآخرة على حد سواء ..

وما تقدمت الأمم وسبقت أقرانها ومنافسيها ولوت أعناق أعدائها إلا لمّا أهتمت بالوقت والزمن لشبابها وتوظيف كل الشباب في خدمة مصالحها وجعلت منهم شبكة في ورشة عمل ومصنع عمل ضخم .

وحقيقة الوقوف على إطلالة طلائع عام جديد ؛ والحديث عن عام مضى بما فيه من وقائع واحداث وأفراح وأتراح ليس من نوافل الأعمال والأفعال وليس من سفاسف الأمور وإنما يعد ذلك من المراجعات والمحاسبات والتقاويم التي يدعو لها العقل والمنطق والفطرة السليمة وواقع الأمم المتقدمة والمتطورة والغنية .

إن الوقوف الحازم والصادق مع الوقت النفيس وطرق صرفه والمحاسبة الدقيقة فيه ، لهو طريق الخير والسعادة والرقي والعزة والمنعة والقوة والتمكين الرفيع ، وهو الدرس العظيم الذي نقدمه لأنفسنا وأسرنا ومجتمعنا وللمستقبل الواعد .

هناك بعض الوقفات الطويلة التي نقفها في إطلالة هلال العام الهجري الجديد:

الوقفة الأولى : استقبال العام الهجري الجديد بالحمد والشكر والثناء على الله تعالى بما هو أهله ؛ على ما من به علينا من نعم عظيمة ، فعام ذهب وانقضى وعام أقبل وأطل والجميع يرفل فيهما بما خصه الله تعالى من نعم وفضائل كالأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة.

الوقفة الثانية: فتح باب الصلح والمصالحة بيننا وبين ربنا تبارك وتعالى وذلك كل حين ومع بدايات المواسم أشد وأهم ، فالجميع في أمس الحاجة إليه تبارك وتعالى.

الوقفة الثالثة: إغلاق ملفات العام الهجري الماضي على تقييم وتقويم وتحديد جميع الإيجابيات من الإنجازات وتحديد السلبيات والإخفاقات والفشل الذي مر علينا على مستوى الأفراد والأسر .

الوقفة الرابعة : فتح ملفات العام الهجري الجديد وتحديد ما نريد أن نحقق من أهداف ومرامي وإنجازات في هذا العام الجديد فيما بيننا وبين ربنا تبارك وتعالى وفيما بيننا وبين أنفسنا وأهلنا وأولادنا وأسرنا وحيّنا ومدينتنا .

الوقفة الخامسة : رسم الخطط الواقعية الحقيقية لتحقيق جميع الأهداف والمقاصد والتطلعات المستقبلية على أرض واقع العام الهجري كخطة النمو المهني الذاتي ، وخطة تربية وتعليم الأولاد وتفوقهم وخطة شراء بيت ، وخطة شراء سيارة، وخطة الترقية في الوظيفة وغيرها .

الوقفة السادسة : التخطيط لميزانية الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة وإدارتها ، تحتاج منا إلى عناية كبيرة وأهتمام والجلوس مع بعضنا بعضاً للتخطيط الشهري والسنوي .

الوقفة السابعة : الحرص على تنفيذ المشاريع والبرنامج والمبادرات التي تم التخطيط لها على المستوى الفردي وعلى مستوى الأسرة الكريمة وعلى مستوى المؤسسات.

الوقفة الثامنة : المحافظة على ما افترضه الله تبارك وتعالى علينا والمبادرة في المحافظة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الوقفة التاسعة : المحافظة على القراءة والقراءة عامة ومن ذلك قراءة القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم كلام الله تعالى المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمبتدأ في المصحف بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس والمتعبد بتلاوته فهو روح الله تعالى وكلمته ورسالته إلى سكان الجن والإنس وهو الغذاء الروحي الحقيقي .المحافظة على تلاوته وحفظه وتعليمه والعمل بهداه.

الوقفة العاشرة : الإهتمام بالصدقات والبذل في سبيل الله تعالى. وهي دليل وبرهان صدق المسلم في أن المال في يده وليس في قلبه وأنه يملك التصرف فيه في وجوه الخير وقادر على الإنفاق وليس المال يملكه ويأسره ويلبسه خلق البخل والشح .

الوقفة الحادية عشرة : المحافظة على قيام الليل وهذه العبادة برهان محبة مقابلة الله تعالى في الخلوات والسرور بلقائه والأنس
به والحديث إليه وهي شرف المؤمن وعزّه الحقيقي في هذه الدنيا ، وما ينشده الناس من عزّ في النهار ومن وجوه الناس
موجود بين أيديهم في الليل في ركعة أو سجدة بين يدي الله تعالى ليأتي الفرج والفرح والسعادة والأمل والحبور.

الوقفة الثانية عشرة : المحافظة على صلة الأرحام والأصهار والأقارب والأهل .والإحسان إلى الوالدين والأولاد والأهل والأقارب دين وخلق رفيع وهو عبادة وقربة ينال أجرها العبد في عمل يسير ، فالزيارات والاتصال والوقوف في المحن والصعاب معهم له مكانة عظيمة عند الله تعالى وعلى الجميع صلة رحمهم حتى ولو بالسلام .

الوقفة الثالثة عشرة : المحافظة على عبادة الدعاء ، هذا هو الحبل المتين والطرف الخفي للإقبال الخير وبقائه
وزوال الشر ورحيله فالدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وهو عبادة وقربه ومنزلة عظيمة والمرء في أشد الحاجة إلى توفيق الله تعالى وهدايته ولا يكون ذلك إلا بالدعاء فعلى العاقل أن يلزم الدعاء ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً وعند المحنة وظلال النعمة . الدعاء للنفس والأهل والأولاد والوالدين وللمسلمين أئمة وعامة بالصلاح والخير والهداية والتوفيق والسداد والبركة والأمن والأمان والاستقرار والسعة في الأرزاق والأموال.

الوقفة الرابعة عشرة : حسن الظن بالله تعالى.
كل هذه الدنيا وما فيها خلق من خلق الله تعالى وما يحدث
فيها مهما رأيناه نحن شراً أم خيراً هو من أقدار الله تعالى فالدنيا في الحقيقة دار الابتلاء العظيم والاختبار والامتحان وليست دار جزاء أو راحة أو جنة أو سعادة مطلقة كلا ! بل على المرء أن يفهم أن ربه يختبره بالشر والخير وما هو فيه من صحة ومرض وغنى وفقر وإعطاء وحرمان هو من أقداره وابتلائه ، فعلى الجميع إحسان الظن بالله تعالى قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس لأحد إلا للمؤمن ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي، إنْ ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله».

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى