كُتاب الرأي

(كونار ورحلتي لها)

(كونار ورحلتي لها)

محمد سعد الربيعي 

قدر الله أن أقوم برحلة أو بالأصح (مهمة )لهذه المنطقة المسماه ب كونر أو كونار وفي افغانستان بشكل خاص والباكستان بشكل عام ، وهي ( كونر ) منطقة قبلية تركتها المملكة المتحدة عندما خرجت من استعمارها لباكستان وافغانستان كمنطقة متنازع عليها بين الدولتين ، وهي تركت (بريطانيا) مناطق كثيرة وكبيرة في العالم وجعلتها كمسمار  (جحا ) الذي نسمع به في الأمثال العربية ، وتسمى أيضاً بمنطقة القبائل ،
وكونر هذه تقع في شرق افغانستان وشمال مدينة بيشاور الباكستانية التي تبعد عنها مايزيد عن مائتي كم  وعاصمة هذه الولاية تسمى أسد آباد ، وكان لحركة طالبان في هذه الولاية ومن كان يطلق عليهم المجاهدين صولات وجولات حيث كان يكثر فيها من يسمون المجاهدون العرب ، وكانو يحظون فيها بكل حماية وترحاب ، تربطها ببيشاور المدينة الباكستانية الكبيرة المجاورة لها بخط بري غير مسفلت يخترق عقبة كبيرة بينها وبين كونر وتشبه تلك العقبة لحد ما عقبة كرى الرابطة بين الطائف ومكة المكرمة.
اللغة الدارجة في هذه الولاية هي لغة البشتون التي تنطق بها أغلب المدن الباكستانية ، وكذلك الافغانية حيث يمثل البشتون في هاتين الدولتين ماتزيد نسبته عن 60/من سكانها ، وهناك في افغانستان الهزارى والطاجيك التي ينتمي لها ( الاخيرة ) اغلب قادة حكومة كرزاي في الفترة قبل الاخيرة من سقوط طالبان ومنهم أسد بانشير احمد شاه مسعود الذي تم إغتياله بواسطة صحفي تونسي بكمرته الملغمة والحادثة معروفة وكيف وقعت حينذاك ، وهو كان يمثل دولة مستقلة في الجزء الشمالي الغربي من كابل ، وكذلك وزير الخارجية عبدالله عبدالله ووزير الداخلية احمد يونس قانوني ووزير الدفاع ، وكان يطلق عليهم الأخوة الذين لم تلدهم أماً واحدة وجميعهم من طائفة الطاجيك ، وقد حُظيت بمقابلتهم جميعاً دون أسد بانشير الذي أُغتيل قبل مجييء لأفغانستان .
كانت رحلتي لها ( كونر ) مع أحد الأصدقاء السعوديين الذي كان مكلفاً بعمل في تقديم المساعدات السعودية لهذا البلد المسلم الشقيق الذي دعمته المملكة ووقفت معه في نوائبه الكثيرة والكبيرة ، وشاهدت ماقدمته المملكة للشعب الأفغاني منذ أن عصفت به الأحداث السياسية والعسكرية منذ عشرات السنيين حتى أن إستقر مؤخراً كنوع ما  ، وكان (صديقي السعودي ) يعرف المنطقة أفضل مني بحكم إقامته التي تسبقني في ذلك ، وكذلك لتنوع رحلاته لهذا البلد الشقيق لتوزيع مساعدات المملكة في كل الولايات الافغانية التي صاحبته في الكثير منها من كابل حتى  قندهار وسين بلدك ( التي ربما اكتب عنها مقالاً آخراً ومستقلاً عن هذه الولاية المجاورة لدولة الباكستان من الجهة البشتونية لها)، وكونر ومناطق البشتون المجاورة للحدود الايرانية في كويتا ، وفي هذه الولاية ( كونر ) شاهدت الكثير من المناظر التي لايمكن تصديقها لو تحدث بها أحداً آخراً عن هذه الولاية من حيث تنوع المخدرات وكثرتها وبيعها في الشوارع والمحلات من مادة الحشيش الى الهروين ، وشاهدت بلاطات الحشيش ، وكيف تُعلق على أبواب المحلات التجارية ، وكذلك الأسلحة التي توجد بها من المدفع وذخيرته حتى اصغر سلاح كالمسدس وذخيرتها ، وكذلك الإنفلات الامني وعدم وجود سلطة للدولة في هذه الولاية حيث تحكم بمنطق قبلي خالص ، وهم يحترمون ذلك ولكن ليس لمشايخ هذه القبائل سلطة لمنع وجود مثل تلك الممنوعات التي تمثل دخلاً لسكان الولاية في التجارة والزراعة الخ ، وكانت زيارتي لها مع ذلك الصديق الشجاع هي بدعوة من والي او كبير تلك الولاية لمساعدتي في مهمتي تلك حيث تمت مقابلته في اسلام آباد ووجه لي الدعوة بزيارته ومناقشة مايمكن ان يسهل مهمتي في ولايته .
الحديث طويل وذو شجون ، وقد كان من اعجب ما وجدته في تلك الرحلة التي لاتخلو من الخطورة هو مصاحبتنا أثناء عبورنا لحدود هذه الولاية الكبيرة والمسافة الطويلة بينها وبين بيشاور لرجل أمن أو مايشبه بالمعرف لنا في حالة اعتراض طريقنا من بعض الاشخاص من القبائل التي تتوزع سيطرتها على المناطق القبلية بين كونر وبيشاور ، ويستمر معنا ذلك المعرف لبعض الكيلو مترات ، وبعدها نعطيه مايشبه أجرته وهو لايشترط بل مانتكرم به عليه ، ثم نجد حاجزاً جديداً ويصاحبنا شخص آخر حتى نقطع مسافة معينة ونجد حاجزاً آخراً وينتقل معنا شخص آخر وهكذا دواليك ، وكانت رحلتنا أشبه بالعادية في أول النهار حيث لم يعترضنا أحد ، وكان سائقنا من البشتون في بيشاور ومعروف لدى صديقي ، ولديه خلفية في التفاهم مع من قد يعترض طريقنا دون ان نتدخل في الامر ، وقد عمل مع صديقي منذ فترة طويلة  ، وكان سائقاً ماهراً وملم بظروف وتعرجات الطريق  ، حتى أن دخلنا ولاية كونر ، وبالطبع الهدف هو التعريف بنا بين هذه القبائل التي تسيطر على مناطق الطريق الرابط بين بيشاور وكونر كما أشرت .
  مادعاني أن اكتب عن هذه الولاية هو ماشاهدته في الاخبار مؤخراً عن إصابتها بزلزال كبير أدى لتدمير الكثير من منازلها المبنية من الطين ، وفقدان وتشريد بعض سكانها البشتون الذين تربطهم علاقة قوية بسكان المدن الباكستانية المجاورة لهم ، ولاحظت في الاخبار كيف تهاوت منازلهم في مناطقهم تلك التي لم تتغير ، وبقيت على حالتها التي تركتها عليها قبل مايزيد عن ثلاثون عاما ، ( وهو مايجب أن نحمدالله على النعمة التي نعيشها وتوفرها دولتنا يحفظها الله) وكانت المناظر مؤلمة وحزينة للاسر التي فقدت أبنائها في ذلك الزلزال ، وكيف تُحفر قبورهم بالقرب من تلك المنازل المنهارة من الزلزال ، وهم لايعبئون اي سكان الولاية من ذلك حيث توجد في الباكستان وافغانستان مناطق مرشحة بشكل دائم لهذه الظاهرة الكونية ، وقد لمست ذلك من خلال إقامتي في هاتين الدولتين حيث في البداية كنت أشاهد الناس يخرجون من بيوتهم مباشرة ولم أكن أعرف السبب وأبقى داخل المنزل بينما المفترض هو الخروج مباشرة وهو ماعرفته لاحقاً لكي لايسقط المنزل على رؤوس أهله .
ولاية كونر هذه ولاية فقيرة ويوجد بها كثافة بشرية عاطلة عن العمل وفيها مراكز سيطرة للتجارة المسموح بها والمحرمة ، وهم يشكلون أي تجار الولاية حماية خاصة لهم ولتجارتهم ومن الصعوبة بمكان اختراق هذه الكيانات التجارية ، وسيطرة الدولة معدومة حتى في ايجاد الخدمات لسكان هذه الولاية التي تعيش بشكل أقرب للبدائية ، وهو مايجعل مثل هذه الكوارث مؤلمة في حال وقوعها على هذه الولايات التي لاتسيطر عليها الدولة.
نعود للعودة من هذه الولاية لبيشاور وهي المرحلة الخطرة في الرحلة حيث تجولنا في المدينة وتعذر علينا مقابلة الوالي الذي وعدنا بالمقابلة ، ولا استبعد أنه كان يخشى على نفسه من التواصل معنا ، حيث بقينا فيها حتى ان حل المساء دون ان نعرف كيف ستكون عودتنا ودون ان يخبرنا السائق بخطورة العودة لبيشاور في المساء ، وعندما خرجنا من الولاية فقد حل الظلام ، واذ بسائقنا قد تغير وإنقلب لشخص آخر في قيادته للجيب الذي تملكه تلك المؤسسة السعودية التي يعمل فيها صديقي ، واذا به ينطلق بأقصى السرعة في خط صغير بري ، وكانت السيارة تقفز في بعض الاماكن لعشرات الأمتار ، ودون أن يتحدث معنا حيث كان يتحدث العربية بشكل جيد ومفهوم ، ووضع مايشبه الغترة على رأسه وغطى بها وجهه ، وحاولت أن أثنيه وأنبهه لقيادته المتهورة ولكنه لم يلتفت لنا ، وشاهدت في الطريق بعض الأضواء الصغيرة التي تقترب من الخط ، والبعض الاخر في الجبال ، ولاحظت ان هناك مايشبه التنسيق بينها ، وكنت راكب مع صديقي في المرتبة الخلفية للسائق ، طبعاً المعرفون الذين صاحبونا في النهار لايقومون بعملهم في الليل خشية القتل ، واستمرينا على تلك القيادة المتهورة في ذلك الخط البري الجبلي المتعرج الطويل ، ولم تقابلنا أية سيارة او ناقلة في الطريق الذي يمتد لأكثر من ساعتين قطعه ، ورغم محاولاتي انا وصديقي بتهدئة السائق واحاطته بخطورة قيادته الا أنه كان مصراً على عدم التحدث معنا أو الإلتفات لنا حتى أن قربنا من مدينة بيشاور ، واذا به يقف على جانب الطريق ويشعرنا بأن كل من شاهدنا إضاءة انوارهم الصغيرة هم قطاع طرق ، خلاف غيرهم من الذين يتربصون بمن يسلك الطريق في الليل ويقطعونه وقال بأنه فقد سيارة أُخذت منه في هذا الطريق ويحمدالله أنه لازال عائشاً دون ان يقتل عندما سُلبت سيارته .
    وبعد ذلك تمت مواصلة الرحلة داخل مدينة بيشاور حتى ان وصلنا لمقر ادارة صديقي السعودي الذي شاركني أغلب مهماتي في الباكستان وافغانستان دون أن يدري عن  عملي الاساسي او مهمتي التي قدمت من اجلها لهذه الديار والتي امتدت لأكثر من سبعة اشهر قابلت فيها معظم مسئولي الدولة الافغانية بما فيهم الرئيس حامد كرزاي الذي قابلته في مكتبه ووجدت لديه مدير مكتب يتجاوز عمره الثمانون عاماً ، وكان رجلاً لطيفاً فاضلاً يكن للمملكة الحب الكثير ، وهو من ساعدني وهيأ لي مقابلة الرئيس كرزاي الذي كنت أود منه تحقيق بعض طلباتي ولكنه لم يستطع لظروف كانت تحيط بمهمتي وخطورتها وتداخل بعض التقاطعات السياسية والامنية فيها وكانت أحداثها على الساحة الأفغانية .

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى