كُتاب الرأي
هناك ننسى…

هناك ننسى…
هناك، في دار الخلود، حيث لا غروب للشمس ولا أفول للقمر، ننسى ما أثقل أرواحنا يومًا…
هناك ننسى وجع المرض، وثِقَل التعب، ومرارة الحرمان ، ننسى دموعنا التي سقطت في ليل الوحدة، وننسى الجراح التي مزّقتنا صمتًا وألمًا..
بل ننسى كل ما خطّه القدر على جبين الدنيا من ندبات وأوجاع …
هناك تنطفئ نيران الهموم، وتُطوى صفحات الألم …
ينتهي عناء السفر عند أول خطوة بداية العيش الرغيد ،هناك فقط “روح وريحان وجنة نعيم”
هناك، لا دمعة تنحدر، ولا قلب يئن، بل سكينة ممتدة لا يقطعها خوف، وفرح خالد لا يعقبه ضيق وأهات …
هناك نلتقي بالحنون حقًا، نلتقي بكل من أحببنا، بلا فراقٍ ولا وداع…
هناك …. ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
تعود الضحكات التي خبّأتها الأيام، وتزهر الصور التي سُرقت من أعمارنا، وتطلّ وجوه الأحبة التي غابت عنّا خلف ستار الغياب….
كل شيء هناك أصفى، أنقى، أجمل …كأننا نُمنح الحياة التي حلمنا بها ولم ندركها…
لا غياب يجرح، ولا قدر يفرّق، ولا ساعة تُقصي محبًّا عن محبّه.
إنها دار اللقاء الذي لا ينقطع، والأرواح فيها مطمئنة في رحاب الرحمة والارتياح
هناك، حيث وعد الله الحقّ: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾، تتحقق الأمنيات التي عجزت عنها الدنيا، وتُجبر القلوب التي كسرها الألم، وتُعطى الأرواح أكثر مما رَجَت، وأجمل مما تمنت.
هناك، تذوب الأحقاد فلا يبقى إلا الحبّ الخالص، وتزهر الوجوه نورًا بنور وجه الله …هناك،﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾
هناك، تشرق الابتسامات فلا يذبل فرح، فلا تختفي ضحكة خلف مدائن الاحزان
هناك، ندرك أن الجنة ليست نهاية، بل هي بداية الحياة الحقيقية.
كل لقاء هو ميلاد فرح، وكل كلمة نغمة سلام، وكل خطوة اغتسال بالنور.
القصور، الأنهار، الأشجار، الطيور …كلها تنشد لحن الخلود.﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾
ليس جمالًا يُرى بالعين فحسب، بل جمال يُسكب في القلب حتى يصير الروح جناحًا من نور.
هناك نكتشف أن كل صبرٍ كان بذرة، وأن كل دمعةٍ كانت نهرًا، وأن كل حرمانٍ لم يكن إلا طريقًا إلى عطاءٍ أبدي.
هناك، نُكرم بما لم يخطر على قلب بشر، ونُعطى أعظم مما تاقت له الأرواح، ونعيش أجمل مما تخيلنا.
إنها الجنة …الوطن الذي لا يُغادر، والأمان الذي لا يزول، والفرح الذي لا ينتهي….
هناك نبتسم ابتسامة من وجد أخيرًا مسكنه، حيث لا وجع ولا غياب …بل خلود وسلام …هناك .﴿ٱدْخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ﴾
حقًا آمنين من كل نقيضٍ لمعنى الأمان