كُتاب الرأي

هل نحن بحاجة إلى حرية الرأي الحقيقية ؟

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

هل نحن بحاجة إلى حرية الرأي الحقيقية ؟

في عصر الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي واحدة من أبرز وسائل التعبير عن الآراء والمشاركة في النقاشات العامة. ومع ذلك، تظل هناك ظاهرة تستحق التوقف عندها، وهي خوف العديد من الأفراد من التعبير عن آرائهم بشكل صريح، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتقاد قرارات الدولة أو سياساتها، حتى وإن كانت هذه الآراء سليمة وإيجابية.
فما هي كوامن وأسباب الخوف من التعبير عن الرأي ؟
فقد يتساءل البعض عن سبب هذا الخوف المستمر من التعبير عن الرأي، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي تمنح الأفراد مساحة واسعة للتواصل مع الآخرين .
في الواقع ،
تتعدد الأسباب التي تجعل الكثيرين يتجنبون الإشارة إلى مواقف قد تكون متباينة مع القرارات الرسمية أو توجهات الحكومة.
أول هذه الأسباب هو “الخوف من الرقابة”. في العديد من الدول، قد يشعر الأفراد بأن التعبير عن رأي مخالف قد يعرضهم للمسائلة أو حتى العقوبات. هذه الرقابة ليست فقط حكومية، بل قد تمتد إلى الضغط الاجتماعي، حيث يُنظر إلى المنتقدين على أنهم “مخالفين” أو “غير وطنيين” من قبل الآخرين .
هذا الشعور يولد حالة من الانغلاق، حيث يفضل العديد من الأفراد السكوت بدلاً من أن يكونوا عرضة للهجوم أو التقليل من شأنهم.
وهناك سبب آخر يتعلق بالقلق من “التهديدات الإلكترونية” أو “التهجمات الشخصية”. فقد يؤدي إبداء الرأي في مسائل حساسة إلى التعرض لحملات تحريضية من قبل الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتبادل الجماعات أو الأفراد الانتقادات اللاذعة، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على حياة الشخص المهنية والشخصية ، فهذا الضغط الاجتماعي والإلكتروني يجعل البعض يشعر بعدم الأمان عند إبداء رأي قد يكون مخالفا للأغلبية أو للرأي العام .
كما أن التحديات التي تواجه حرية الرأي على الإنترنت
على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل بيئة حرة نسبيا للتعبير عن الآراء، إلا أن هناك تحديات كبيرة تتعلق بحرية الرأي. واحدة من هذه التحديات هي التضليل الإعلامي وحملات التشويه التي قد تصاحب الآراء المخالفة. فعند نشر رأي أو فكرة قد تكون نقدية أو مغايرة للقرارات الرسمية، يُمكن أن يتم تحريف هذا الرأي أو تجنبه تماماً من قِبل البعض بهدف التقليل من شأنه أو نزع المصداقية عنه. وهذا يحول دون أن يُعطى المجال الكافي للنقاش الفعال والبناء .
كما أن الإحجام عن إبداء الرأي الإيجابي قد يؤدي إلى مخاوف من تراجع الفكرة الإيجابية وعدم الإستفادة منها .
أما الجانب الآخر الذي يجب التطرق إليه هو الخوف من تقديم أفكار سليمة وإيجابية حول القضايا الوطنية أو السياسية، والتي قد تكون مُغفلة أو مرفوضة فقط لأنها تأتي من شخص لا يوافق على سياسة الحكومة أو توجهاتها. هذا يشير إلى أن بعض الناس قد لا يجرؤون على مشاركة أفكارهم الإبداعية أو المقترحات البناءة بسبب خشيته من رفضها على أساس انتماء الشخص أو انطباعه العام عن الدولة.
لكن هذا يعكس نقطة مهمة : وهي أن نقاشاً إيجابياً وبناءً حول قرارات الدولة يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحسين السياسات العامة والمشاركة الفاعلة في تطور المجتمع ، إذا تمت بطريقة سلمية وعبر الطرق المتاحة نظاماً وفي قنواتها التواصلية المصرحة .
فإذا تم تحجيم هذا النقاش تحت وطأة الخوف ، فإن ذلك قد يؤدي إلى نقص في الأفكار الجديدة والابتكار الذي هو أساس التقدم والتطور .
وهذه دعوة للحرية المسؤولة والنظامية .
وفي النهاية، لا بد من التأكيد على أن حرية الرأي ليست مجرد حق بل هي أيضا مسؤولية .
و يجب على الأفراد أن يتمتعوا بالقدرة على التعبير عن آرائهم بحرية، دون خشية من الملاحقة أو التهديدات . ومع ذلك ، فإن هذه الحرية تأتي أيضا مع واجب التحلي بالإحترام تجاه الآخرين وعدم استخدام منصات التواصل الاجتماعي للإضرار بمصالح الآخرين أو نشر الكراهية ، أو الفوضى .
فحرية الرأي، إذا كانت سليمة وإيجابية، ونظامية يجب أن تكون محمية، سواء في ظل القرارات الحكومية أو في المجتمع ككل . ومن المهم أيضا أن نخلق بيئة آمنة وصحية للنقاش حول مختلف القضايا من أجل الوصول إلى حلول أفضل وأكثر توافقا مع مصلحة الجميع.

ولا ننسى أن معالجة مشكلة الخوف من إبداء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب من الجميع، سواء الأفراد أو الحكومات، العمل على تعزيز ثقافة احترام الرأي الآخر. في الوقت الذي يمكن فيه للجميع التعبير عن آرائهم بشكل مفتوح، ولا ينبغي أن يصبح الخوف من الردود السلبية عقبة أمام حرية التفكير والتعبير الإيجابي .

نائبة رئيس التحرير

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

نائبة رئيس التحرير

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى