هل بات النقد الأدبي سبباً لجفوته؟

هل بات النقد الأدبي سبباً لجفوته؟
في عالم الأدب والأدباء، تتراقص الحروف على أوتار الشعور، وتُصاغ المعاني لتغزل من الذات قناديل فكر ووجدان، يبقى النقد ضرورة لا مفر منها، مهما تنوعت أشكاله أو تباينت نبراته.
لكن ماذا لو تحوّل النقد الأدبي لا سيما بين الزملاء والأصدقاء إلى جدار من الصمت؟
إلى فتيل جفوة لم تكن في الحسبان؟
قد يكتب أحدهم نصًا شعريًا أو قصة أو خاطرة، ويمنحك ثقته ليطّلعك عليها، لا ليستمع إلى المجاملة، بل إلى ما يظنه رأياً نزيهاً.
تتأمل النص، وتقرأه بعين الناقد لا بعين المجامل، فتشير إلى موطن ضعف، أو خلل إيقاعي، أو عبارة زلّت عن المعنى، متوقعًا أن يُقابل صدقك بالشكر… لكنك تفاجأ بصمت، أو انزعاج، أو حتى انسحاب.
فهل بات النقد الأدبي سبباً للجفوة بدل أن يكون جسراً للفهم والنمو؟
إن جوهر النقد ليس التجريح، بل الكشف.
وغاية النقد الأدبي، في صورته النبيلة، هي الارتقاء بالنص، لا هدم صاحبه.
لكننا نعيش في زمن تماهت فيه الأعمال الأدبية مع هوية أصحابها، حتى صار انتقاد نص ما وكأنه انتقاص من الذات، وجرحٌ للكرامة، لا للكتابة.
إن المبدع الحقيقي هو الذي يسعد بنقد صادق أكثر مما يسعد بإطراء زائف.
هو الذي يرى في الملاحظة الدقيقة مرآةً تعكس ما لا تراه عين الكاتب وهو غارق في وجدانه.
أما المبدع الزائف، فهو من يتغذى على التصفيق، ويأنف من المراجعة، ويهاب المواجهة.
أحيانًا، يكون الألم في أن أقرب الناس إليك يطلب رأيك، لا ليسمعه، بل ليؤكد لنفسه أنه أبدع، وإن خالفته، فالخلاف عنده نكران، والتعليق المحايد خيانة.
والأكثر مرارة، أن يتخذ ذلك القريب من نقدك سببًا للابتعاد، وكأنك أسأت إليه لا إلى تركيبة لغوية أو مجاز مترهل.
فهل نكفّ عن النقد لنحفظ الود؟
وهل نغض الطرف عن السقطات الفنية حتى لا نخسر العلاقات الإنسانية؟
وهل على الناقد أن يوازن دومًا بين الحقيقة والمجاملة، حتى لا يُتَّهم بالجفاء؟
في النهاية، لا بد أن نؤمن أن الكلمة الصادقة، وإن كانت موجعة، تحمل في طياتها الاحترام.
وأن الجفوة التي تنشأ عن نقد أدبي صادق، لم تكن محبة صادقة من الأصل.
فمن يحبك حقًا، يثق أنك تنقد النص لا صاحبه، وتغار على الكلمة كما تغار على صاحبها من الوقوع في الابتذال.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الجفوات ليست وليدة عصرنا، بل عرفها الأدب عبر تاريخه:
أبو تمام عانى من نقدٍ لاذع من الجاحظ، الذي رآه معقّد اللغة ومتكلف الصنعة، ما أحدث جفوة فكرية بين المدرستين.
المتنبي دخل في خصومة مشهورة مع ابن خالويه في مجلس سيف الدولة، بعد نقد ساخر، انتهى بشجار علني.
طه حسين والعقاد، رغم الاحترام المتبادل، تباعدا إثر نقد العقاد لرواية “دعاء الكروان”، مما سبّب فتورًا بين عملاقي الأدب.
مي زيادة وجّهت نقدًا لأحمد لطفي السيد، ففُهم أنه مساس بشخصه، فبدأت بينهما قطيعة ثقافية.
أما عالميًا، فالشاعر الفرنسي بودلير خاصم الناقد سانت بوف بعد أن هاجمه الأخير بشدة، فاعتبر بودلير أن النقد خرج من مضمونه الفني
ختاماً :
النقد الأدبي ليس خصومة، بل ميثاق شرف بين العارف والفنان، ومن لا يحتمل مرآة النقد، فليكتب لنفسه، لا للناس، ومن يؤمن أن الكلمة مسؤولية، فلن يخشى أن يصدق، حتى لو خسر بعض القلوب في طريقه.
علي معشي🖊