كُتاب الرأي

هل “القيامة قائمة والناس نائمة”؟

د .هشام محفوظ

هل “القيامة قائمة والناس نائمة”؟

القيامةُ قائمةٌ، والناسُ نائمةٌ…
هذه ليست مجازًا، بل أراها واقعًا تتجلّى ملامحُه في زمنٍ اختلطتْ فيه النبوءاتُ بالوقائع، وامتزجتِ الآياتُ الكونيةُ بصرخاتِ الأرضِ وغفلةِ الإنسان.
لقد أصبحنا نُبصرُ مؤشّراتٍ كانت تستوطن صفحات الكتب العريقة وتُروى على المنابر، ونراها اليوم حيّةً تُطالعنا في نشراتِ الأخبارِ، ومع ذلك… لا ننتبه!
أوّلًا: علاماتٌ تتكشّفُ كأنها تُنادي: انتبهوا، إنّكم في القيامة الصغرى!

لقد تحقّقت العلاماتُ الصغرى، بل تضاعفت في شدّتِها وانتشارِها:
كثرةُ القتلِ بلا مبرّر، وكأنّ الدماءَ أصبحت أرخصَ من الماء، لقد تساوى الدم والماء. في المشهد اختلالُ المعاييرِ، وعبادةُ المادةِ، وتسابقُ العراةِ على قصورِ الإبداع والمهرجانات والسلطةِ الثقافية،
وسقوطُ المحرّماتِ واحدًا تلو الآخرِ…
وتأمّل حديث النبيّ ﷺ:
«لا تقوم الساعةُ حتى يَكثرَ الهرجُ»،
ثم سُئِل: وما الهرج؟ فقال: القتلُ، القتلُ.لقد تساوى الدم بالماء!
أليست هذه قيامةً جزئيةً تتكرّر في مدننا الإنسانية كلّ يوم؟
القيامة ليست فقط ما ننتظرُه، بل ما نغرقُ فيه ونحن لا نشعر.
ثانيًا: الغيبيّات الكبرى تتهيّأ، والعقلُ البشريُّ يتعثّرُ في إدراكها .
نزولُ عيسى عليه السلام، خروجُ الدجال، يأجوجُ ومأجوجُ، طلوعُ الشمس من مغربها…
كلّها لم تعد أحاديثَ غيبٍ بعيد، بل تبدو قريبةً من شواهدِ عالمِنا.
ولأنّها أحداثٌ إلهيّةٌ، فهي لا تُقاس بالزمنِ الأرضيِّ ولا بالمنطقِ العلميِّ،
وستبقى عقولُنا الدنيويّةُ عاجزةً عن احتواءِ معانيها.
من ذا الذي يستطيع أن يتخيّل كائنًا – دابّةً – تخرجُ من الأرض وتُكلّم الناس؟ ألم نستعمل اليوم الهاتف المحمول وعليه ملايين الصور والفيديوهات والمعلومات المختزنة ؟
ويقال بالتفكير الحرفي لدى البسطاء: الحديد تكلم !
من ذا الذي يستطيع أن يتخيّل جيشًا يندفع من كلّ حدَب، ولا يقدر أحدٌ على إيقافِه؟ إن ثمة نماذج تقريبية نشاهدها اليوم في عصرنا الراهن لجيوش تمتلك قدرات مفزعة من التسليح ، لكن هذا الجيش أشبه بجيش خاتم الأنبياء والمرسلين في معركة بدر ، جيش مؤيد من عند الله بجند من ملائكته.
من ذا الذي يتصوّر أنّ باب التوبة سيُغلق فجأةً حين تُشرِق الشمسُ من المغرب؟ هذا كلّه يكاد أن يحدث ونحن نيام… نيام عن المعنى، لا عن المشهد.
ثالثًا: الواقعُ المعاصرُ يصرخ فينا: “القيامةُ قائمةٌ”!
تطوّرُ التكنولوجيا بات يُحاكي فتن الدجال ، جَنّته ونارُه، قُدرته على إحياءِ الموتى، وسُلطته على العقول.
إنّ الواقعَ الافتراضيّ، والذكاءَ الاصطناعيّ، والهولوغرام، وتقنياتِ التلاعبِ بالوعي،كلّها تقول: إنّنا نعيشُ مقدماتٍ لفتنةٍ لا تُقاومُ إلا بالإيمانِ والعصمةِ الإلهيّة.
والأرضُ من تحتنا تتلوّى من الألم،
الحروبُ، الزلازلُ، الفيضاناتُ، الصراعات والتحديات والانهياراتُ الاقتصاديّةُ،والعالمُ في قبضةِ الخوف والقلق !
ومع هذا… الناسُ تُسابقُ الظلالَ، وتُطاردُ الشاشاتِ، وتستغرقُ في تفاصيلَ عابثةٍ…وكأنّ شيئًا لا يحدث.
رابعًا: ما الذي يوقظنا؟ كيف ننتقل من “النوم / الغفلة” إلى “النجاة”؟
القرآنُ والسنّةُ لا يتركان المؤمنَ في التيهِ، بل يرسمان خريطةَ الثبات:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ [إبراهيم: ٢٧].الثبات على الحقّ بالعلمُ والبصيرة ، حتى نميّزَ بين الحقيقةِ والوهمِ، بين الفتنةِ والنجاة . نستعين في ذلك باللجوء إلى الله بالدعاء:«اللَّهُمَّ إنّي أعوذُ بكَ من فتنةِ الدجال» (رواه مسلم).
وتطهير القلوب من الغفلة:
فإنّ الله لا ينظرُ إلى الأجسادِ ولا الصور، ولكن ينظرُ إلى القلوب.

وفي ختام حديثنا هذا أود أن أقول باختصار:
القيامةُ ليست فقط ما ننتظرُه في القبورِ والبعث،بل هي ما نعيشه في غفلتِنا اليوميّة، حين نُطفئ صوتَ الروح، ونُسكت نداءَ الفطرة.
قال الله تعالى:
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨].
وقال:﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢].
فطوبى لمن استيقظ قبل الانهيار،
وأفاق قبل الانجراف،طوبى لمن بنى قلعتَه الإيمانيّة قبل أن تَندكّ الجبالُ، وتُطوى السماوات.
القيامةُ قائمةٌ… فلنفق من النوم قبل أن يصبح أبديًّا.
مرحبا بمن اتفق أو اختلف معي في قولي هذا : “القيامة قائمة والناس نائمة” هذه العبارة إذ تحمل دلالة عميقة تجمع بين هول الواقع المعاصر وغفلة الإنسان، وتفتح المجال لتأويلات وجودية وإيمانية وسردية مرهفة.تحتاج إلى سعة في البحث والتأمل من جهة الحكماء والعلماء الذين لا يعرفون كيف يكون الإنسان موفقا في أداء الدور الذي من أجله خُلق ، ومن أجله أسكنه الله الأرض واستعمره فيها .
ولذلك حاولت التعبير عن هذه الرؤية الجوهرية التي تتبنّى اليقظة القلبية والوعي بالأشراط والغيبيات، وكأننا بالفعل في مشهد من مشاهد القيامة، لكن أكثر الناس نيام بالمعنى الروحي والعقلي والقلبي و لا أستثني نفسي لأنني في أوقات كثيرة أتعثر في غغلتي متأثرا بذاتيي البشرية .

كاتب رأي

 

د.هشام محفوظ

كاتب وناقد وشاعر _ وإعلامي وإذاعي مصري _ عضو اتحاد كتاب مصر _ نائب رئيس شبكة البرنامج العام _ وكبير مذيعي إذاعة البرنامج العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى