هكذا نعيش… ضحكٌ بحبرٍ جاد

هكذا نعيش… ضحكٌ بحبرٍ جاد
في زحام الحياة اليومية، وسط الخطابات الرنانة والفناجين الغالية وحفلات “الإنجازات المنفوخة”، يتسلّل الضحكُ بخفة، لا ليسخر من الناس، بل ليلفت أنظارهم إلى المبالغة التي يسكنونها.
هذا المقال محاولة للكتابة بالحبر الجاد… ولكن بطعم الضحك…
المنبر النائم
في مسجد “الراحة الكبرى”، يفتتح الخطيب خطبته بمهابةٍ وحماسة:
“يا أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته…”
وبينما هو يتنقّل بين الموعظة والأخرى يكون نصف المصلين قد أبحروا في أحلامهم الروحانية!.
فهذا يختار الصف الأول دومًا، ليس حبًا في العلم، بل لأن (مسند الظهر) خلفه بارد ومُطمئن.
أما ذلك الطفل فهو يظن المسجد ملعبًا مقدسًا للركض المتقطع بين أرجل النائمين.
وحين يُعلن الخطيب بحماس: “الصلاة نور!” يأتيه الرد من صفوف النائمين بلا صوت:
“والنوم ظلاله ألذ يا مولانا!”
بالون وبكاء وقبعة
في قاعة “الإنجاز الباهر”، تُقام حفلات التخرج وكأنها حفلة جوائز أوسكار مصغّرة.
يتحدث المنسقون عن طلاب “ذاكروا بجد واجتهدوا”، بينما الحقيقة تقول إنهم “ذاكروا ليلة الاختبار… بالكاد”.
الصور تُلتقط من جميع الزوايا، والبالونات تسبق الشهادات.
وحين تسأل الخريجة صديقتها:
“وش ناوية تسوين بعد التخرج؟”
ترد وهي تتفقد الفلتر:
“أنسق الصور… بعدين أفكر بالوظيفة!”
زواج موحد… مشاكل متعددة
في ليلة زفاف جماعي، اتحد عشرون عريسًا وعشرون عروسًا على نية “التوفير”، لكن نسوا بند “الأذواق”.
بدأت المواقف الساخنة حين تشابهت الفساتين، وتشاجرت الأمهات بسبب الكيكة وتوزيع الهدايا.
أما العرسان، فقد قضوا نصف الوقت وهم يحاولون تذكّر أرقام جلوسهم والنصف الآخر في استقبال ( المعازيم )..
وبنهاية الليلة: خمس ( هوشات ) بين آباء العرسان، وسبع رسائل واتساب غاضبة من “أم العريس” لأم العروس!
وهكذا، انتهى الزواج الجماعي بـ:
•حفلة موحدة
•صور فردية
•هوشات موسمية
العضلة أهم من العقل
في نادي “البداية القوية”، يرتاد الشباب الصالة يوميًا، لا للياقة… بل لالتقاط صور “قبل التمرين”، “أثناء التمرين”، و”نهاية التمرين”، رغم أنهم لم يتحركوا إلا لالتقاط الزاوية الصحيحة.
الشاب يقول لصديقه:
“صورني كأني أرفع 50 كيلو، ترى بنت خالي تتابعني.”
وفي زاوية أخرى، شاب يجلس على جهاز رياضي منذ ساعة… لا ليتمرّن بل ليكتب تغريدة:
“أحيانًا الحديد أثقل من الهم، لكن نرفعه ونكمل.”
وبينما المدرب يصيح:
“يلا يا شباب، تمرين ظهر!”
يرد أحدهم:
“أبشر بس خلني أخلّص الستوري…”
خرجوا بعد ساعة… العرق في الصور فقط، والبروتين في الأكياس، والكرش ما زال ثابتًا كالجبال.
كوفي ووافي
في مقهى “غيمة وقهوة” القهوة مجرّد إكسسوار.
المكان لا يبيع مشروبات، بل يبيع “لحظة قابلة للنشر.”
الكوب يُمسك بعناية، يُصوَّر من ثلاث زوايا، مع لمسة فنية وفلتر زهري.
العبارات على الأكواب مستوحاة من نزار قباني، لكن النادل خريج ميكانيكا.
والمفارقة؟ القهوة تُترك باردة… لكن الصورة تحصل على مئتي إعجاب و”يومك لطيف”.
هل حدث معك هذا؟
هل سبق أن نمت في خطبة الجمعة وكأنك في سبات؟
هل حضرت حفل تخرج كنت فيه أكثر انشغالًا بالسناب من اللحظة نفسها؟
هل التقطت صورة مع كوب قهوة لم تشربه قط؟
شاركنا… ولا تخجل، كلنا فعلناها يوماً ما.
ملاحظة جادة (قليلاً)
نضحك؟ نعم.
نسخر؟ قليلًا.
ننتقد؟ ربما.
نغيّر؟ نأمل.
نحن مجتمع رائع! لكنه أحيانًا يحتاج مرآة ناعمة تعكس ما نفعله دون أن تجرحنا…
فبعض تصرفاتنا لو عرضناها على أنفسنا بعد كوب قهوة (مصورة)، لضحكنا، ثم فكرنا…
ثم ضحكنا مجددًا.
د. دخيل الله عيضه الحارثي