هذه بلادي.. فجيئوني بمثلها

اللواء الركن م. الدكتور
بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود
هذه بلادي .. فجيئوني بمثلها
إلى أولئك المغيبين، الذين يغمطون السعودية حقَّها، ويحاولون جاهدين خائبين، التقليل من شأنها والإساءة إليها بدافع الحقد والحسد حيناً، وبدافع العمالة والارتزاق حيناً آخر، أو بدافع الجهل والغباء وثقافة القطيع أحياناً كثيرة.
لن أذهب بكم بعيداً إلى تاريخ السعودية البعيد ومسيرتها النيرة الناصعة الفريدة بكل ما تحمل الكلمة من معنىً، منذ إنشائها قبل ثلاثة قرون، وثباتها الرَّاسخ حتى اليوم على مبادئها في أداء رسالتها التي من أجلها تم تأسيسها، إذ أنَّى لعقولكم المغلقة الموبوءة أن تعي مثل هذا العمل العظيم وتقدِّره؟!.
ولهذا أكتفي بلمحة سريعة في عصرنا الحديث تبرز ما قدَّمته السعودية للعرب وللمسلمين خاصة، وللعالمين أجمعين، دون أن تنتظر سؤال أصحاب الحاجة، حتى لا تريق ماء وجههم، لأنها دولة لا تعرف الشماتة، إيماناً منها بواجبها تجاه إخوتها العرب والمسلمين حيثما كانوا في بلاد الله الواسعة..
كما أنني لن أتحدث باستفاضة عن دور المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، في وقوفه مع إخوته العرب في حرب فلسطين، ولا عن عدد جنوده الذين أرسلهم للاشتراك مع إخوتهم العرب في حرب فلسطين، فروت دماؤهم أرضها، وما زالت بعض شوارعها تحمل أسماء بعضهم تقديراً وعرفاناً لاستشهادهم من أجل استقلالها؛ مع أن رؤية المؤسس لإنقاذ فلسطين كانت متقدمة عن رؤية بقية العرب، ولما أجمع أولئك، لم يتمترس الملك عبد العزيز خلف رؤيته التي أثبت الزمن صحَّتها، بل نزل عند رأي الأغلبية، مع أنه كان مدركاً للنتيجة، لأن الوسيلة في نظره كانت خاطئة تماماً، أدت لدعم سخي من الغرب لدولة الاحتلال، بقيادة أمريكا وبريطانيا، لالتهام فلسطين كلها إلا قليلاً.
لن أحدثكم عن جهود المؤسس مع الملك فاروق من أجل تأسيس جامعة الدول العربية، إذ إنه كان أول من فكَّر في هذا الأمر، على أمل أن تصبح سيف العرب الذي يشهرونه في وجه كل ظالم، فخاطب الحكام العرب آنئذٍ، ولم يثنه اختلافه معهم، مشدِّداً على ضرورة تكوين جبهة عربية قوية موحدة لمواجهة آثار الحرب العالمية الثانية، لإنقاذ فلسطين وغيرها من الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الغربي البغيض. فكان وقتها يرى أن على السعودية ومصر التزام أخلاقي تجاه أشقائهما العرب. وقد عبَّر المؤسس عن هذا المفهوم صراحة في خطابه لشعبه إثر لقاء رضوى الشهير مع الملك فاروق، الذي وُضِعَت فيه اللبنة الأولى لتأسيس جامعة الدول العربية، إذ قال الملك عبد العزيز مخاطباً شعبه: (… إنَّ جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر؛ والجيشان والحضارتان هما جند للعرب).
أجل، أقول: لن أحدثكم عن أعمال الرجال الكبار تلك التي لن تستوعبها عقولكم المريضة التي عشَّشَت فيها العمالة والنذالة والارتزاق، ولهذا أكتفي بالحديث فقط عمَّا أبصرته أعينكم وسمعته آذانكم، وربَّما تكون قد أدركته عقولكم الصدئة، إن كانت لكم عقول تميز الخبيث من الطيب. ولهذا أوجز حديثي قي نقاط سريعة:
لا بد أنكم يا هؤلاء قد سمعتم عن قرار الملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان له دور كبير مهم، بعد الله عزَّ و جلَّ، في انتصار العرب في حرب رمضان، السادس من أكتوبر 1973، ضد الكيان الصهيوني، مما أدخل في نفسه الرعب وأكرهه على الجلوس مع العرب في محادثات كامب ديفيد 1979، التي لو عمل الفلسطينيون بنصيحة السادات وقتها، لكان وضعهم غير ما هو عليه اليوم، فذهب السادات وحيداً مضطراً وانتزع سينا وطابا وكل أراضيه من فك الكيان الصهيوني.
ولا بد أنكم قد شاهدتم أكثر من مرة عبر الفضائيات، خادم الحرمين الشريفين سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يوم كان أميراً للرياض، وأي أمير؟!.. وهو يدعو مواطنيه لدعم أشقائهم الفلسطينيين، فجاد السعوديون، ولم تبخل نساؤهم بحليها، بل جاد حتى الأطفال الصغار بمصروفهم المدرسي، وتبرعت الفتيات الصغيرات بما لديهن من حليٍّ متواضع مثل الحلق، فالمروءة فينا معشر السعوديين طبع أصيل وفطرة فطرنا الله عليها، فضلاً عمَّا تبرعت به الدولة من دعم سخي كان له الأثر الأكبر في تخفيف المعاناة عن الأشقاء الفلسطينيين في أصعب الأوقات وأقساها عليهم، عندما خذلهم (الرفيق)، وازدادت عليهم وعورة الطريق؛ هذا طبعاً بجانب الدعم السياسي المتصل في المحافل الدولية، فكل قادة السعودية، منذ عهد المؤسس، حتى اليوم في هذا العهد الميمون الزاهر، عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده القوي بالله الأمين، أخي العزيز الغالي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، يؤكدون دوماً أن قضية فلسطين هي قضية السعودية الأولى.. ليس مزايدة كما اعتاد (القومجية)، بل قولٌ يصدقه الفعل. فقد كانت القيادة السعودية، وما زالت وستظل، أكبر داعم للأشقاء الفلسطينيين بين العرب والمسلمين كلهم، وثاني أكبر داعم لهم بعد الأونروا. هذا كله بجانب ما وفرته للمقيمين فيها من الأشقاء الفلسطينيين من فرص في العمل، لم توفرها لأي وافد غيرهم، في وقت كان من حق الكفيل استصدار تأشيرة خروج نهائي لمن لم يرغب فيه من العاملين لديه بعد انتهاء العقد، إلا الفلسطيني، منحته الدولة حصانة ضد هذا الإجراء، تقديراً لظروفه.. ثم يأتي بعد هذا كله أولئك المعتوهين فيقولون لك: ما ذا قدمت السعودية لفلسطين؟!.
ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد أنكم يا هؤلاء قد سمعتم عن مؤتمر مكة المكرمة الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز (الإخوة الأعداء) الفلسطينيين إثر استحكام العداء بينهم ورفعهم السلاح في وجه بعضهم البعض، بدلاً من اتحاد بنادقهم في وجه العدو، ثم يؤجلوا اقتسام الغنائم، إن وُجِدت، إلى ما بعد تحرير أرضهم؛ غير أنهم للأسف الشديد، طوَّعت لهم أنفسهم خيانة العهد الذي ألزموها به في رحاب بيت الله الحرام!.
ولا أدري يا هؤلاء إن كنتم تعلمون أن السعودية كانت أول دولة، بل الدولة الوحيدة التي فتحت قلبها قبل أبوابها التي شرَّعتها على مصراعيها للأشقاء الكويتيين عندما باغتهم (الرفيق) صدام حسين بليل، ولم يهدأ للسعودية بال حتى عاد الأشقاء الكويتيون إلى ديارهم سالمين غانمين، وكانت طلائع الجيش السعودي أول الواصلين إليها بعد دحر العدوان.
ولا أدري أيها الأنذال إن كنتم تدركون أن السعودية كانت أول دولة تشرع أبوابها أمام الأشقاء السوريين، عندما نكَّل بهم بشار، فحبسهم في سجون تفوَّق حتى على إبليس في بنائها وإدارتها، لإذلالهم وامتهان كرامتهم، فقد كان (الرفيق بشار) أسداً بحق على قومه، أما على الأعداء، فكان أشد جبناً من نعامة ربداء، وكأن الشاعر أبو سماك عمران بن حطان، كان يخاطبه عندما قال:
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة
ربداء تجفل من صفير الصافر
هلاَّ برزت إلى غزالة في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر
أجل، شرعت السعودية أبوابها أمام الأشقاء السوريين وسهرت على راحتهم، كما وفَّرت للنازحين منهم حتى في المخيمات في دول أخرى، كل ما يحتاجونه من دعم سخي لا أحد يعرف تقديمه غير السعودية، ليس هذا فحسب، بل ظلت تدعم جهودهم السياسية حتى تخلصوا من سطوة (الأسد) عليهم، (النعامة الرَّبداء) على عدوهم الحقيقي، الذي كان مواصلة لمسيرة والده، وبئس ما يرث ولد عن والد!.
ولا أدري يا هؤلاء إن كنتم تدركون أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي فتحت قلبها قبل أن تشرع أبوابها للأشقاء اليمنيين عندما نكَّل بهم الحوثيون، عملاء إيران، ويسرت لهم كل ما يمكِّنهم من العيش بكرامة، ومنحتهم امتيازات لم تمنحها لغيرهم، وما تزال ترعى الموجودين فيها، وتدعم حكومتهم الشرعية بكل وسيلة ممكنة لتخليصهم من فكَّي الحوثيين.
ولا أدري إن كنتم قد سمعتم يا هؤلاء أن السعودية استضافت الأشقاء السودانيين الذين كانوا في الديار المقدسة لأداء العمرة والزيارة، يوم اندلاع تلك الحرب القبيحة في بلادهم قبل عامين، في فنادق (7 نجوم)، وعندما تعقدت الأمور واستعر لهيب الحرب، وهددت أرواح الناس وأعراضهم، لم تنتظر السعودية طلباً من الحكومة السودانية كعادتها، بل شرَّعت أبوابها لكل راغب في الوصول إليها للاستجارة من سعير الحرب في بلادهم، إلى أن بدأت الأوضاع الآن تستقر شيئاً فشيئاً، وعاد من عاد، وبقي من بقي عزيزاً مكرماً لم يمسسه سوء. وأنا أكتب هذا، تذهب السعودية بعيداً في مؤازرة الأشقاء السودانيين فترفع علمها في سفارتها وسط الخرطوم دعماً للأشقاء هنالك، حتى في ظل تلك المناظر البشعة من ذلك الدمار الفظيع المريع، الذي لا يساعد على العمل المريح.
وقبل هذا كله وذاك، لا أدري إن كنتم قد سمعتم عن جهود السعودية المضنية لحقن دماء (الإخوة الأعداء) في الصومال، الذين أبت نفسهم إلا أن يقطِّعوا أوصال بلادهم إلى أكثر من (وطن).
ولا أدري إن كنتم تدركون يا هؤلاء أن السعودية تستضيف حتى الدول التي تسمي نفسها (عظمى) كأمريكا وروسيا، لوضع حدٍّ للحرب الروسية – الأوكرانية، وتجنيب العالم ما قد تفضي إليه من كوارث. وجهودها في فك أسرى الطرفين مشهودة للعالم كله، غربيه قبل شرقيه.
ولا أقول عجزت تلك الدول عربيها ومسلميها وعجميها، حتى تلك التي ترى نفسها (عظمى) عن دعم أولئك المحتاجين في العالم، لاسيَّما من الأشقاء العرب والمسلمين، كما فعلت السعودية وتفعل اليوم، وستظل تضطلع بدورها الريادي إلى الأبد إن شاء الله، لأنها دولة رسالة، وليست دولة (قومجية حاقدة حاسدة عاجزة حتى عن إطعام شعبها).. وللأسف الشديد رأينا كلنا، وأنتم أولنا أيها العملاء الجاهلون المغيبون، تذمر مواطني بعض الدول، حتى العربية الإسلامية منها، التي اضطر بعض أولئك النازحين الدخول إليها مكرهين فراراً من رائحة الموت والدمار التي طاردتهم في كل مكان داخل بلدانهم، من ضيق لهم في السكن والمواصلات ومزاحمة لهم في العمل وغير ذلك من الخدمات، بل ذهب مواطنو بعض تلك الدول أكثر، فشتموا أشقاءهم النازحين وسبّوهم، وتهكَّموا عليهم وسخروا منهم وشمتوا عليهم. ولم تتأخر السلطات الرسمية في بعض تلك الدول من استغلال ظروف أولئك المساكين، فأصبحت تأشيرة دخولهم إليها بالدولار، وتجاوز في بعضها الألف دولار للفرد الواحد، بعدما كانت في أيام السلم والنفاق مجاناً.
ولا أدري إن كنتم تدركون يا هؤلاء، أن أبناء الإخوة الوافدين العرب كلهم من البنات والبنين، يدرسون في مدارس الدولة الحكومية كتفاً بكتف مع رصفائهم السعوديين دونما أدنى تمييز، فتوفر لهم الدولة المعلم والكتاب والإجلاس والرعاية الطبية، مثلما توفر ذلك كله لبناتها وأبنائها.
ولا أدري إن كنتم يا هؤلاء تدركون أن السعودية تفعل هذا كله وغيره كثير سرَّاً وجهراً، دعماً للأشقاء العرب، والإخوة في العقيدة، فقد ابتلى الله تلك الدول بأنظمة حكم استبدادية، كنَّا نتمنى أن تكون عوناً للسعودية، لا معول هدم، في العمل معاً صفاً واحداً من أجل حفظ كرامة العرب والمسلمين، وتوفير حياة كريمة هانئة للجميع، وتشكيل صخرة قوية تتحطم عندها كل محاولات الاستعمار والاستبداد كما أراد لها المؤسس الملك عبد العزيز منذ أكثر من قرن.. لكنه على كل حال، قدرنا ونحن أهلها، ولن نتخلى عن مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه أشقائنا في كل البلدان العربية وإخوتنا في كل البلدان الإسلامية، لن يطربنا ثناء، ولن يوهن عزمنا ذم وهجاء من أمثال أولئك الغوغاء.
ولا أدري يا هؤلاء إن كنتم قد سمعتم عن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي قدَّم حتى اليوم دعماً سخياً لأكثر من مائة دولة؟!. والحقيقة قوافل خير السعودية، لا تقتصر على الأشقاء العرب، والإخوة المسلمين حيثما كانوا، بل إن قوافل خيرها تكون دوماً أول الواصلين في كل قارات العالم، حيثما كانت حاجة لإغاثة في كل الظروف، دون أن تنتظر مكافأة من أحد، ولا حتى شكراً، إلا جزاءً من الله عزَّ و جلّ، لإيمانها العميق أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وأخيراً: أدري أنا ويدري كل منصف لديه ضمير، أنه لا توجد دولة في العالم كله، شرقيه وغربيه، عملت ما فعلته السعودية أو حتى حاولت و لو على استحياء، وقطعاً: أنتم أيضاً يا هؤلاء تدركون هذا، غير أنكم تكابرون، لأنكم تفتقدون إلى الجرأة والشجاعة والكرامة التي يتمتع بها كل إنسان سوي.
وبعد: هذا نزر يسير جداً من خير كثير تنثره السعودية هنا وهنالك، للمحتاجين في العالم في كل مكان، لاسيَّما للأشقاء العرب والإخوة المسلمين، الذين تربطهم بها وشائج العقيدة والدم والجوار والمصير المشترك.. فجيئوني يا هؤلاء بدولة أخرى وحيدة في العالم الفسيح هذا كله، غير السعودية، أخذت على عاتقها مثل هذا الواجب، وتحمَّلت هذه المسؤولية العظيمة في رعاية المحتاجين، الذي تسعد به السعودية كثيراً، مع ما يرتبه عليها هذا الواجب وتلك المسؤولية الأخلاقية من التزامات كثيرة: مالية، اقتصادية، سياسية وغيرها، لا تستطيع أي قيادة أخرى في العالم، غير القيادة السعودية المخلصة الوفية الحكيمة الرشيدة أن توازن بينها.
ولهذا أقولها ملء الفيه: ليخسأ كل من يزاود على السعودية.
كاتب رأي