آفاق في عين العالم

هذا ما جنيته وهذا الأثر

هذا ما جنيته وهذا الأثر

وليد قادري

حينما كان يموت الشخص في اليونان القديمة، كانوا يضعون على فمه قطعة نقدية، يعتقدون في أساطيرهم الوثنية أن الميت سينتقل في نهر (ستيكس) الذي يعبر المسافة بين الموت إلى المصير المحتوم، سيركب الميت قارباً يقوده الحارس (كيرون) الذي سيأخذ القطعة النقدية كمقابل، ومن لا يحمل هذه القطعة لا يسمح له بصعود القارب فيهيم على وجهه في الفراغ أعلى النهر إلى أبد الآبدين..

تقدم لنا الأساطير القديمة فهم الأولين للظواهر الطبيعية على شكل قصص رمزية، والرمزية في المشهد أعلاه هي فكرة (ماذا ستحمل معك بعد الموت لتصل للعالم الآخر ؟)..

كل إنسان منا خلق ومعه حاوية بداخله، هذه الحاوية تجمع لك كل ما يلزم لتجتاز الطريق إلى العالم الآخر – الآخرة – وميزة هذه الحاوية أنها طاقة، وهذه الطاقة تتفاعل مع كل شيء في حياتك، وتدعك تركز على ما تريد وتجمع الطاقة من أجلك..

قد تُحسن في حياتك وتعبد خالقك كما أمرت وتعمر الأرض كما طلب منك، وتموت وفي حوزتك كمية كبيرة من الطاقة الإيجابية النقية الصافية -حسنات- تكون شاهدة لك يوم الحساب..

وقد تسيء لنفسك وتهملها وتنغمس في ما حرمه الله عليك بل وقد تكفر به فيكون الوضع منعكساً وتجمع الحاوية تلك الطاقة السلبية فتكون وبالاً عليك يوم توزن الأعمال..

وقد تجمع خليطاً من الاثنين في حاويتك، وهناك يوم العرض ستُفرز بعدل وتنتظر رحمة الله والمآل الذي ستصير إليه..

مفهوم الحاوية أيضاً يندرج تحته كل ما يمكن تحويله لطاقة، بعضها ينتقل معك والبعض الآخر لا ينتقل بنفسه بل الأثر الذي جنيته منه..

مثلاً، السلطة لها أثر كبير في حاويتك، لكنها لن تنتقل معك بل سيبقى أثرها في الحاوية (ذكر حسن – أعمال جارية – دعاء من ساعدتهم)، بينما ستنتقل طاقة السلطة لغيرك، المال أيضاً لن يبقى معك في الحاوية، ستعيش حياتك كلها تجمع المال وطاقته، وستعبر بأثره بعد موتك ولن يبقى المال معك بل ما فعلته به وما جنيته من طاقة معك (صدقة – بخل – عداوات – إحسان)..

لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وهنا ستحاسب على الطاقة التي جمعتها في حاويتك، لكن لن تحمل علمك ومالك ووقتك معك، بل هي طاقة صرفة من ملك الله وحده يوزعها بين عباده وتنتقل بينهم عبر العصور، العلم ليس علمك، المال ليس مالك، الزمن ليس ملكك، لن تجني منها سوى الأثر..

كاتب رأي

 

 

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى