نهج السعادة .. احتياجات (الجانب الأُسري)

….
الجانب الأسري المتكامل الذي يحتاجه الإنسان متوفر بشكل مثالي في ديننا الإسلامي ، فقيمة الأسرة في الإسلام عالية جداً لأنها تُعتبر اللبنة الأساسية للمجتمع ، وهي المحضن الذي ينشأ فيه الأفراد على القيم والأخلاق الإسلامية..
الإسلام يهتم بالأسرة ويضع لها نظامًا متكاملًا للحفاظ على تماسكها واستقرارها ، هناك بعض الجوانب التي توضح قيمة الأسرة في الإسلام:
١-الزواج كأساس للأسرة: الإسلام يشجع على الزواج ويعتبره سنة نبوية ، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج” متفق عليه..
رغَّب الإسلام في الزواج ، وجعله من سنن الأنبياء والمرسلين ، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38]، وفي حديث الترمذي عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ مِن سنن المرسلين: الحنَّاء ، والتعطُّر ، والسواك ، والنكاح) رواه مسلم..
الزواج ليس مجرد علاقة بين رجل وامرأة ، بل هو ميثاق غليظ يقوم على المودة والرحمة ،كما قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)(الروم: 21).
٢- حقوق وواجبات أفراد الأسرة: الإسلام حدد حقوق وواجبات كل فرد في الأسرة لضمان التوازن والعدل ، فالزوج مسؤول عن رعاية الأسرة ماديًا ومعنويًا ، والزوجة مسؤولة عن رعاية البيت وتربية الأبناء وتنشئتهم النشأة الصحيحة القويمة المبنية على الحب والعطف..
للأبناء حقوق على والديهم ، مثل التربية الحسنة والتعليم ، وللوالدين حقوق على أبنائهم ، مثل البر والإحسان ، قال تعالى: قال تعالى:(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖحَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سورة الأحقاف (15)..
قال تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة : 233 ]. وإنما يذكر الله سبحانه وتعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلاً ونهاراً ، ليُذكّر الأبناء ويُشدّد على إحسانهم إليها..
٣- التربية الإسلامية: الأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل القيم الإسلامية ، مثل الصدق والأمانة والعدل والأخلاق والتعاملات الاجتماعية داخل الأسرة وفي المجتمع الخارجي ، ولا أجمل من وصايا لقمان لابنه قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
(يا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾
﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ الآيات ١٦ -١٩
ولا تربية تعلو على تربية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة لما كان صبيًّا تطيش يده في الصَّحفة: “يا غلام، سمِّ الله ، وكُلْ بيمينك ، وكُلْ مما يليك”متفق عليه..
٤- الحفاظ على الروابط الأسرية: الإسلام يحث على صلة الرحم وبر الوالدين ، ويعتبر قطع الرحم من الكبائر ، قال تعالى :(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
[سورة لقمان 14]
وقال الله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(النساء: 36).
قال تعالى: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا) [الإسراء: 24]..
٥- حماية الأسرة من التفكك: الإسلام يضع قواعد لحماية الأسرة من التفكك ، مثل تحريم الزنا ، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖإِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء (32)
وتشجيع الصبر والعفو عند الخلافات الزوجية ، قال الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}(النساء: 35).
٦- الأسرة كوحدة اجتماعية: الأسرة في الإسلام ليست مجرد علاقة بين أفراد ، بل هي وحدة اجتماعية تساهم في بناء المجتمع الصالح ، الأسرة المسلمة تربي أفراداً يعملون لخدمة المجتمع والدين ، أكَّد الإسلام على وحدة البناء الاجتماعي ، والأسرة هي محور هذا البِناء، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
٧- الأسرة في الآخرة: الإسلام يربط بين الحياة الأسرية في الدنيا والآخرة ، حيث يدعو إلى أن تكون الأسرة سبباً في دخول الجنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له”رواه مسلم..
الأسرة في الإسلام هي مؤسسة مقدسة تحظى برعاية خاصة ، وهي أساس المجتمع المسلم ، الإسلام يحرص على بناء أسرة متماسكة تقوم على المودة والرحمة والعدل ، وتساهم في إخراج جيل صالح يعبد الله ويخدم البشرية..
.
تحقيق احتياجات الجانب الأسري يتطلب الاهتمام بعدة جوانب لضمان استقرار الأسرة وسعادتها ، إليكم بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك في ذلك:
-التواصل الفعّال من خلال الحوار المفتوح ، بتشجيع أفراد الأسرة على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية..
-الاستماع الجيد والانصات باهتمام لما يقوله الآخرون دون مقاطعة أو حكم مسبق..
-حل النزاعات والتعامل مع الخلافات بحكمة ومحاولة إيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف..
-الوقت الجيد ، وقت خاص للعائلة وقتًا منتظمًا للأنشطة العائلية مثل الرحلات أو الألعاب المشتركة..
-طاولة الطعام تجمع الأسرة ، محاولة تناول الوجبات معًا لتعزيز الروابط الأسرية والإطلاع على تفاصيل الأسرة اليومية..
-الدعم العاطفي من خلال التشجيع والثناء وتقديم الدعم المعنوي لأفراد الأسرة ومدح إنجازاتهم..
-التفهم والتعاطف مع مشاكل أفراد الأسرة ومحاولة مساعدتهم في تجاوزها..
-المسؤوليات المشتركة بتوزيع المهام المنزلية بشكل عادل بين أفراد الأسرة..
-التعاون وتشجيع أفراد الأسرة على مساعدة بعضهم البعض في المهام اليومية..
-الاحترام المتبادل وخاصة احترام الخصوصية لكل فرد في الأسرة..
-التقدير ، عبّر عن تقديرك لجهود أفراد الأسرة ومساهماتهم المستمرة..
-التخطيط المالي ، بإدارة الموارد المالية بحِرفيّة لتلبية احتياجات الأسرة..
-التوفير بتشجيع أفراد الأسرة على الادخار للمستقبل..
-التربية الإيجابية كن قدوة حسنة لأطفالك في السلوك والأخلاق..
-التعليم والتوجيه والإرشاد ، بتقديمه لأطفالك لمساعدتهم على النمو بشكل سليم..
-الاهتمام بالصحة من خلال الرعاية الصحية ، تأكيد حصول جميع أفراد الأسرة على الرعاية الصحية اللازمة..
-نمط حياة صحي بتشجيع أفراد الأسرة على اتباع نمط حياة صحي من خلال التغذية السليمة وممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم..
-التقاليد الاجتماعية والقيم الأخلاقية والمبادئ الدينية ، أحرص وحافظ عليها ورسخها كأساسيات ثابتة داخل العائلية..
-المرونة والتكيف مع التغييرات التي قد تطرأ على الأسرة ، تعامل معها بحكمة..
-التخطيط للمستقبل القيام بوضع خطط مستقبلية لضمان استقرار الأسرة وهدوئها وسعادتها..
باتباع هذه النصائح والحرص على القيّم الإسلامية للأسرة ، يمكنك تحقيق احتياجات الجانب الأسري وبناء أسرة متماسكة وسعيدة راضية كل الرضا عن كيانها وجوهرها..
………..
أحلام أحمد بكري
كاتبة رأي