كُتاب الرأي

( نصيحة وزير )

اللواء/ محمد سعد الربيعي

رحم الله الدكتور محمد أحمد الرشيد ، وزير التعليم السابق في المملكة العربية السعودية .
كنت شغوفاً بمتابعة مقابلة المسئولين في دولتنا الغالية أثناء الدراسة في المرحلة الثانوية التي كانت تعرض في قناتنا التلفزيونية السعودية الأولى ، وكذلك في بداية حياتي العملية ، وقبل أن تزيد المسئوليات ، وأنصرف عن ذلك بالإنشغال بالعمل الذي كنت أقضي جل وقتي معه.
كان لمعالي الوزير الرشيد رحمه الله مقابلة كما أسلفت ، قال فيها جملة لم أنساها بالرغم من طول المدة التي مرت على المقابلة وهي( أن الطالب سيخدم زميله الطالب الآخر ) .
وكان معاليه رحمه الله يقصد من خلال حديثه ذاك إلى تحفيز طلابنا في المملكة على الإجتهاد ، والمنافسة الشريفة بين الطلاب ، والإهتمام بشأنهم الدراسي ، والبعد عن الكسل ، والغياب عن الدراسة ، والنظر للمستقبل بمنظور مشرق .
وكانت فترة توليه رحمه الله منصب وزارة التعليم في المملكة من أنجح الفترات لهذا القطاع الذي توليه دولتنا إهتمامها البالغ .
أعود لما تطرق له معالي الوزير ، وأفند جملته تلك التي رسخت في ذهني حينذاك ، ولم أكن متفهماً لها بالشكل الذي كان يسوقه معالي الوزير في تلك المقابلة .
ومع تقدم الزمن وإرتفاع معدلات النمو في المملكة وزيادة عدد السكان ، والذي أدى بالتالي لزيادة عدد طلابنا في المدارس حيث أصبحت أعدادهم بالملايين ولله الحمد ولازالوا في إرتفاع مستمر ، وهذا نتيجة لما توليه دولتنا يحفظها الله من أهمية في تعليم النشء والإهتمام به .
كان معاليه يقصد ويرى أهمية التحفيز للطلاب ، وأن يشمروا عن سواعدهم لتحقيق الدرجات العليا في دراستهم ، ويصبحوا بالتالي من المتفوقين والمقبولين في التخصصات العلمية التي يحتاجها البلد ، وكان يركز على جانب التحفيز للطالب حتى يبتعد عن ضياع الوقت والتسكع ، وإختلاق الأعذار الواهية للنصراف عن الدراسة ، مما يتسبب بالتالي للطالب بالفشل في دراسته ، وكان يركز معاليه رحمه الله على المنافسة الشريفة بين الطلاب ، وذلك ليصبح الجميع في مستوى المسئولية لخدمة بلدهم .
بالطبع مر الكثير من الزمن على تلك المقابلة ، وشاهدت كيف أصبحت مقولة معاليه تلك واقعُ أشاهده بعيني ، حيث رأيت الضابط ، وكيف يعمل لديه زميله الجندي اللذين كانا يتزاملان في مدرسة واحدة ، وفي فصل دراسي واحد ، ورأيت المهندس المعماري ، وكيف يعمل لديه زميل دراسته في وظيفة ثانوية لا أهمية لها ، ورأيت الدكتور وزميل له يعمل في درجة علمية أقل بكثير من زميله الدكتور ، ورأيت ورأيت الكثير من الزملاء وفي قطاعات كثيرة مدنية وعسكرية ممن كانو في مرحلة عمرية واحدة ، وفي مرحلة دراسية واحدة أيضاً ، بل والأغلب في صف دراسي واحد ، وهكذا دواليك .
عندها فقط استوعبت كلمة معالي الوزير محمد الرشيد رحمه الله التي كان يقصدها ، وهو أنه سيأتي اليوم الذي يخدم فيه الطالب زميله الطالب الآخر ، وهو هنا لايقصد معاليه رحمه الله الخدمة الشخصية بل العمل تحت إدارة ذلك الزميل ، أي أن يصبح أحدهما مديراً للآخر وبفارق وظيفي كبير بينهما ،وطبعاً هذه النتيجة تكون لمن لايهتم بنفسه ومستقبله.
وهذا كان فحوى تلك المقابلة التي كانت تنم عن نظرة ثاقبة لمعاليه وللمستقبل الذي سيحدث لطلابنا وتعليمنا ، ولمن يترك الأمور على عواهنها ، ولا يعطي الوقت إعتباره وإهتمامه .
الآن وفي ظل هذا التقدم السريع للتعليم ، ووجود كل فرص النجاح ، والتوثب للمستقبل ، وخدمة الدولة التي صرفت على جانب التعليم الكثيرمما جعلنا ولله الحمد في مقدمة دول العالم ، وخاصة في مجال التقنية وهذامما أعطى أبنائنا الفرصة للإستفادة من هذه التقنيات وتسلق سلمها ، للوصول للأهداف المرسومة لهذا الجيل من شبابنا الطموح الذين خُلقت لهم الفرص ليتبوأوا الدرجات العلمية العالية في الوطن.
ما أود الذهاب له هو أن على شبابنا وخاصة من يتكاسل في دراسته أو أداء عمله ، أو في ضياع وقته ، أن يعيد النظر في ذلك ، لكي يبتعد عن الفشل في حياته ، وليعلم -أن النار لاتحرق إلا رِجل واطيها – أي أن ما تمارسه في بداية حياتك من عدم إهتمام وتضييع للوقت ، وسبات طويل ، ماهو إلا طريق لفشلك ، وضياع لمستقبلك ، وبالتالي عدم قدرتك على بناء أسرة وفتح بيت لك ولزوجتك وأبناءك ، وتربيتهم تربية صالحة في ظل هذه الحياة التي تتسارع فصولها ، كذلك دخول صاحب هذه الصفة ( الغير مسئولة) في ديون وقروض بنكية متتالية تؤدي به لأوضاع أسرية صعبة تلاحقه مدى حياته .
إذاً التخطيط للحياة أمر مهم ، ويتطلب أن يمارسه كل شخص في حياته ، وخاصة في بداية الحياة العلمية وليست العملية ، أي أن على شبابنا أن يتولوا زمام أمورهم منذ بداية المرحلة المتوسطة ، ويرسموا خطوطاً ناجحة لهم ، ويصروا على تنفيذها، والوصول لها مهما اقتضت الأمور ، وأن يبتعدوا عن كل من يحاول أن يشكك في قدرتهم على الوصول لطموحهم ، بل عليهم أن يسهروا الليالي لطلب العلا حتى تتحقق أهدافهم ، وعندما يعتلون المراتب التي يرغبوها، يرون أن كل ذلك كان يستحق كل ذلك التعب ويهون ذلك عليهم كدح السنيين التي مضت من قبل .
هذا توضيح بسيط لما ذكره ورمى إليه معالي الوزير الرشيد يرحمه الله وهو ماينطبق على واقع شريحة كبيرة من أبنائنا الطلاب اليوم .

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى