كُتاب الرأي

نشيد العهد

نشيد العهد

فيصل الكثيري 

الوطن نفس تمتد في صدورنا، لا نخرج منها ولا تخرج منا. هو الدم يجري في العروق، والهواء يملأ الرئة، والماء يروي الريق. نراه في العيون وإن صمتت، ونسمعه في السكون وإن خفتت الأصوات. فإذا ابتعدنا عنه أخذنا بأجنحة الحنين كما يأخذ الطائر فراخه إلى العش، وإذا دنونا منه أيقنّا أننا لم نغادره قط. ويوم الوطن موعد يعيد إلى النفس صورتها الأولى؛ قصة ابتدأت بالخوف والشتات، ثم انتهت إلى وحدة وأمن وحضارة. في هذا اليوم نعرف أنّ الحجر لم يُقم صرحه وحده، إنما أقامته سواعد الرجال وصبر النساء وإيمان جمع المختلفين حتى صاروا إخوة في مأوى واحد. في مثل هذه اللحظة يكون الشكر أسبق من الزينة، ويكون تجديد العهد أعمق من الفرح. محبة الوطن ميراثُ عمل صادق؛ تراها في اليد المتقنة، في الطالب المخلص، في المصلح الذي يحرس الجماعة من النزاع، وفي الأم التي تغرس في أبنائها معنى العطاء. فالوطن كتاب يخطّه الناس بأفعالهم، ويرتفع بعلمهم وإخلاصهم.
وللمؤمن وطنان: أرض يسكنها وفاء وصبرا، وسماء يشتاق إليها رجاء وأملا. يعيش بينهما غريبا يعرف أن الأصل واحد، وأن الرجوع محتوم. فإذا صدق في الأول، رُجي له الثاني، وإذا صبر على الطريق وجد في الحنين قوة تعينه على الغربة.
اليوم الوطني إذن محطةُ وعي نراجع فيها أنفسنا؛ نحمد المنعم على عطائه، نصون العهد الذي جمعنا، ونظل جماعة متماسكة في وقت تفرّق فيه كثيرون.
عزّنا من طبعنا، ووطننا باقٍ منارة تهدي الأجيال إلى الكرامة. نسأل الله أن يديم نعمته علينا، وأن يربط قلوبنا بالمحبّة، وأن يجعل خوفنا على بعضنا سببا في دوام وحدتنا.

كاتب رأي

فيصل مرعي الكثيري

أديب وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى