نحو الشكر
نحو الشكر
ابنتي ولدت بمرض عضال وراثي، لعل سببه اصرار والدتي على أن أتزوج ابنة اختها. لهذا كنت زائراً دائماً للمستشفيات وخاصة قسم الطوارئ بسبب العارض الطبي وتوقيته الذي لا يعبأ بخطط من حوله . كان يوم عطلة وكنا علي وشك الذهاب إلى رحلة ترفيهية يحتاجها البيت كله بعد عناء منوع من مكابدة الحياة.
لكن بعد مرض ابنتي تبدلت كل الخطط. كنت غاضباً من الجميع، من الطبيب الذي تأخر بالعلاج وابنتي التي لم تتبع جدول الأدوية ومن زوجتي التي تلومني بكل مصائب الدهر وحتى من أمي حين زجتني في هذه الزيجة الموجعة.
تركت ابنتي نائمة تسترخي بجرعة العلاج في غرفة الطوارئ و رتبت الأمر لبقية العائلة لتمضي بسلام وخرجت عند مدخل الطوارئ لادخن في الهواء الطلق لانسى كل شيء ولاحضى بلحظة سكون، بعد عواصف حطمت اعصابي.
وهنا انتبهت لأمر جلل، مجموعة من النساء في بكاء ونحيب مكتوم و عصبة من الرجال على وجوههم ملامح الجد والوجل. سألت حارس الأمن مستفسراً فأوضح لي أن رجلاً دهس إبنة أخيه، بينما هم يستعدون للخروج الى الدهناء! والطبيب أعلن وفاتها. تحولت الرحلة إلى كارثة والضحكات إلى نواح. وضع صعب على الجميع، الام والاب الذي عليهما تحمل فقد فلذة كبد، طفلة طالما ابهجتهم ضحكتها. حرقة قلب لا تطفئها بحار العالم. ثم العم الذي تحمل وزر كبير وهم هائل وتحمل نظرات اهله حوله وربما اتهامهم وجناية قصمت ظهره في قتل ابنة أخيه .
هنا اختلطت مشاعري، من الحزن الشديد لمصابهم، الراحة أنني لم أكن جزء من هذا الموضوع، رفيف من السعادة مقارنة ما حدث بابنتي وربما الدناءة فكيف يكون مصاب غيري، راحة لي؟
النوائب تطال الجميع ولكن بدرجات مختلفة وحسب صبر كل شخص. فرب العالمين أكرم من أن يحمل نفساً فوق طاقته ولنا في الصبر سلوة و علاج. أما الدرجة الأصعب فهي الشكر، في الأتراح كما في الأفراح،
الشيطان الرجيم تحدى رب العالمين انه سيجعل البشر قليلي الشكر؟ هذا هو انتصاره، هذا المخلوق الناري علينا نحن الترابيين.
فالشكر لله أولاً و آخر وحمداً دائماً على جميع نعمه التي نغفل عنها ولا نشعر بها إلا في المصاب للأسف وهذه هي النفس الكبيرة التي نسعى لها مهما حصل.
بقلم : علي الماجد
