نحن …

من طبيعة الإنسان وفطرته أنه اجتماعي في شؤون الحياة الدنيا كلها ، وهو وإن كانت له الاستقلالية والحرية والتفرد والوجود إلا أن التعاون والتكاتف والتآلف والمحبة والرأفة والرحمة والمودة والبر والصحبة والوفاء والخير والبركة والرفق والشوق والتضحية لا تصلح إلا عناوين كبيرة لمراحل حياته أو الترجمة الحقيقية للإنسان نفسه.
الإنسان هو الإنسان ؛ من الإنسان الأول إلى آخر إنسان يعيش على ظهر كوكب الأرض ، يحب نفسه ويدافع عنها ، ويسعى لأجلها ويجتهد في توفير احتياجاتها ومتطلباتها الضرورية، ويحارب ويسالم من أجل حياته وبقائه وعزه ونصره ووهجه ومجده وذهبه وفضته .
ومع ذلك كله فإنه كما فُطر على كلمة ال ( أنا ) ، فُطر كذلك على كلمة ومفهوم ( نحن ) ؛ فهو يحبها ويتفاعل من أجلها ، ويعطي لها ويمنع لها ، ويقترب لتحقيقها ويبتعد لبعدها ، وهو يشعر ويحس ويهتز من أعماقه عندما يعيش معاني تلك الكلمة الطيبة الجميلة الهادئة والتعني له الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة والراحة والسلامة والعزة والمنعة والقوة والقدرة العالية.
يرى الإنسان الحقيقي ويسمع عن كلمة ( نحن ) في مملكته الصغيرة في تلك الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة التي يدرج فيها ، ويعيش في عيونها وآذانها وقلوبها ، فهو لا يحتاج إلى من يتحدث أو ينُظّر عن تلك الكلمة الطيبة الجميلة وهو يراها رأي العين ، ويحسها بكل جوارحه ؛ بين والده ووالدته ، بين والديه وأخوته ، بين إخوته وأخواته، بين أفراد الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة جميعاً !
قد يراها ويسمعها ويحسها في دور العبادة ؛ في المساجد الكبرى وفي مسجد الحي الصغير ، بين الإمام والمؤذن ، بين المؤذن وكبار عمار المسجد بين الإمام والمأمومين ، بين عمار المساجد أو المسجد أنفسهم!
كذلك بين أطفال الحي وهم يصطفون في الصلاة ، وهم يرتبون المصاحف في المسجد ، ويقومون بالنظافة والبخور والعناية الكبيرة .
قد يراها ويسمعها ويحسها في المدرسة في فصله مع زملائه ، في الاصطفاف الصباحي ، في الإذاعة الصباحية ، في الحصص الرياضية ، مع المعلمين أو المعلمات .
وقد يراها ويسمعها ويحسها في السوق ؛ في المجمعات الكبيرة والصغيرة ، بين التجار وبين رواد الأسواق من المستهلكين وكذلك في الألعاب الجماعية المختلفة .
ومهما بذل الإنسان وحاول أن يقدم شيئاً الأصل فيه ( نحن ) على أن يكون البدل والعوض هو ال ( أنا ) سوف يعود بالخسارة والخسران وسوف يتأخر كثيراً عن ركب الحياة الدنيا التي هو في سباق معها .
بعض الأسر والعوائل يغلب عليها طابع ال ( أنا ) في أقوالهم وأفعالهم وفي سائر حياتهم ومعاملاتهم ، والمشاهد والمتابع لتلك الشرائح من المجتمع يرى ويسمع التفكك والخلافات والمشكلات الكبيرة والكثيرة التي تغلب على أفرادها وأعدادها ونظائرها ! .
ولذلك الإنسان الذي يتخرج من تلك الشرائح يميل للعزلة وعدم الخلطة ونبذ المجموعة ومحاولة العيش لوحده دون رفيق أو صديق وهؤلاء يكونون فرائس يسيرة وسهلة للشيطان والأمراض النفسية.
الأصل الأصيل أن الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه وفطرته ، فكيف إذا وجهت السماء وأمر الدين إلى زيادة التآلف والتعارف والتعاون والتكاتف والتراحم والتغافر والتكامل بين الناس ؟
إن الأطفال والشباب على اختلاف مراحلهم العمرية والدراسية لهم في أشد الحاجة إلى رؤية نماذج ورموز تصور فيها الأدوار والمهام والمسؤوليات الإيجابية والتفاؤلية لمعنى ( نحن ) !
وترسم لهم صور الحياة الحقيقية ، وتذيقهم طعم المحبة والمودة والبر والصحبة والوفاء والخير والبركة والرفق والتعاون والتفاؤل والعطاء.
إن التربية والتنشئة والتعليم على ال ( أنا ) المحاطة ب ( نحن ) في المنزل والمدرسة والمسجد والإعلام و محطات المجتمع المختلفة يصنع أجيالاً تعظم العمل الجماعي العمل التعاوني التشاركي وتساهم في المحافظة على المنجزات والمكتسبات والمقدرات الوطنية وتساهم كذلك في تحقيق الأحلام والرؤى المستقبلية .
والقانون الذي يحكم التقدم في صناعة الخدمات والمنتجات المميزة في الأرض وفي الدنيا كلها وتقديمها للعالم على طول الأرض وعرضها ويعد من المعايير الكبرى لتقدم الأمم والشعوب هو
قانون ( نحن ) .
فالسموات السبع تصرخ بكلمة ( نحن ) ، والأرض الطيبة الجميلة وما فيها من طبيعة متكاملة ومنسجمة ومتعاونة تقول هذه بظاهر حالها ( نحن ) ؛ فالجمادات والنباتات والدواب والحيوانات كلها تقول ( نحن ) !.
وصناعة البذور والفواكه والثمار والمخلوقات الحية كلها ترفع هذه الكلمة الطيبة الجميلة عالياً !
(فنحن) الأسر الكريمة المنتجة المبدعة ، و( نحن ) العوائل العظيمة التي تربي أولادها على السمو والرفعة والمكانة والمنزلة العالية ، و( نحن ) المدن الكبرى والمثل العليا ، و ( نحن ) القرى والأرياف والسواحل والجبال الفاتنة الساحرة الجميلة ، و ( نحن ) هذا الكيان الجميل الآمن العظيم المملكة العربية السعودية أدام الله تعالى عليه الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة وحكومته الحكيمة الرشيدة .
ورحم الله تعالى معالي الشاعر الوزير الدكتور غازي القصيبي
وهو يقول للأجيال :
أجل ! نحن الحجازُ ونحن نجدُ
هنا مجدٌ لنا ! وهناك مجدُ !
ونحن جزيرة العرب افتداهـا
ويفديها غطارفةٌ وأُسدُ
ونحن شـمالنا كِبرٌ أشـمٌ
ونحن جنوبنا كبرُ أشدُ
ونحن عسـيرُ مطلبـها عسيرٌ
ودون جبالها برقٌ ورعدُ
ونحن الشاطئ الشرقي بحرٌ
وأصدافٌ وأسيافٌ وحشدُ
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.