كُتاب الرأي

نتنياهو والحلم المزعوم

نتنياهو والحلم المزعوم

قراءة نقدية في السياسات والخطر الإقليمي

في قلب الصراع العربي الإسرائيلي، يبرز اسم بنيامين نتنياهو كرمز للسياسة القومية المؤدلجة، التي لم تتردد في تجاوز الخطوط السياسية التقليدية لصالح حلم يُعرف باسم إسرائيل الكبرى.
هذا الحلم الذي يسعى بعض زعماء الحركات الصهيونية المتطرفة لتحقيقه عبر توسيع السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والتاريخية، لتشمل أراضٍ أبعد من حدودها المعترف بها دوليًّا مستندة إلى نصوص دينية وتاريخية وجغرافية يمثل تحديًا كبيرًا للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وبصفته زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء فقد عمل على ترسيخ رؤية قومية يهودية متشددة دفعته إلى دعم المستوطنات في الضفة الغربية وفرض سياسات قسرية تجاه الفلسطينيين والدول المحيطة. هذه السياسات التي يراها أنصاره ضرورة لحماية الأمن القومي، اعتبرها آخرون انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وتهديدًا للسلم الإقليمي، ما أكسبه لقب “المجرم” في الأوساط النقدية الدولية.
فالإمساك بزمام السلطة والحرية المطلقة التي يتنقل بها من جبهة إلى أخرى تجعله يعبث بمصائر الشعوب في سبيل تحقيق رؤية تمتد من التاريخ إلى الحاضر، تهدد السلام وتعيد رسم خريطة التوتر في قلب الشرق الأوسط كظل ثقيل يطفو فوق كل اتفاق ومفاضة ويضغط أكثر على الإنسان والأرض معًا.
فالرجل يؤمن بفكرة قيام إسرائيل الكبرى كمبدأ أساسي حيث سعى في أكثر من مؤتمر للتلميح تارة وبالتصريح تارة أخرى وهذا طموح سياسي بالغ الخطورة وجد من يدعمه من بعض الأحزاب المتطرفة داخل الكيان نفسه وبعض الدول المناهضة لاستقرار الشرق الأوسط.
قطعًا حتى لو لم تخرج  الفكرة عن حدود الطموح السياسي، لكنها أضحت ركيزة مفزعة تؤطر سياسات الاحتلال وتهجير السكان، ما يزيد من تعقيد الحلول السلمية. هذا الحلم يعكس رؤية تاريخية تختزل الأراضي المقدسة في امتداد جغرافي يبرر سيطرة مطلقة، متجاهلة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وقرارات المجتمع الدولي.
فنتنياهو لا يقرأ السياسة مجرد أوراق لكنه يراها ساحة معركة بين القوة والحق ، وهذا ما يجعله يصعّد المواجهة مع الدول المحيطة بالكيان بالتبرير المستمر على أنها تدابير دفاعية  عن النفس ليس إلا !  بينما هي أدوات لإحياء حلم قومي يبرر السيطرة بالقوة ويقيس النجاح بمدى توسع الأرض تحت يده.
فكل خطوة يخطوها تحمل في طياتها أثرًا مباشرًا على حياة الملايين لتصبح الأرض مسرحًا للسياسة وصوتًا للصراع فيما يرى أنصاره أنها حماية للأمن ويصفها آخرون بأنها جريمة ضد الإنسانية.
لقد وضع في تفكيره أن السيطرة على الأرض أغلى من البشر ، ووضع الأمن القومي فوق أي اتفاقية أو قرارات دولية ، ومنح نفسه الحق أن  حلمه ينبغي أن يقوم حتى لو كلفه الأمر إبادة وحرق كل من يقف في طريق طموحه المظلم.
من خلال المشاهدة اليومية لما يجري على الساحة السياسية فإن الرجل يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى تحويل كل محاولة سلام إلى سراب ويعيد رسم الخرائط بالقوة تاركًا وراءه شعوبًا مشردة وقلوبًا محطمة.
إنّ السياسات التي يتبعها حاليًّا رئيس الوزراء الإسرائيلي خلّفت آثارًا عميقة على المنطقة: توترات مستمرة مع الدول العربية، صراعات متجددة مع الفلسطينيين، وانقسام داخلي داخل المجتمع الإسرائيلي عينه، بين تيارات قومية ويسارية. إضافة لذلك، أثرت هذه السياسات على الدينامية الدولية، مع تدخلات ومفاوضات متكررة لم تحقق حتى الآن حلولًا عملية.
آخر القول:
نتنياهو وحلمه المزعوم يمثلان أكثر من مجرد طموح سياسي؛ إنهما يشكلان درسًا صارخًا واختبارًا صريحًا لقدرة المنطقة على التعايش والسلام.
إن فهم هذه الرؤية وتحليل تأثيراتها على الأرض والإنسان يساعد على إدراك المخاطر التي تتهدد مستقبل الاستقرار، ويؤكد أن الحلم القومي الذي يتجاوز حقوق الآخرين لا يمكن أن يكون أساسًا للسلام الحقيقي.

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى