كُتاب الرأي

لا تتفاخر بما لم تبنه بجهدك

لا تتفاخر بما لم تبنه بجهدك

✍️ سلوى راشد الجهني

كثيرون يتحدثون عن النجاح وكأنه هبةٌ سماوية تهبط على من يشاء، فيستعرضون إنجازاتهم أمام الناس بفخر، ويُغفلون أن بعض النجاحات لم تُولد من الكفاح، بل من التسهيلات والامتيازات.
من السهل أن تتحدث عن مشاريعك وأهدافك حين وُلدت وفي يدك رأس مال، وسندٌ أسري قوي، وأبواب الحياة مشرّعة أمامك. لكن من الصعب أن تُدرك معنى النجاح الحقيقي حين لم تذق مرارة العوز، ولم تعبر الليالي الطويلة مثقلاً بالديون، ولم تخض معارك الحياة دون ظهير أو معين.
النجاح الذي يُبنى رغم قسوة الظروف هو نجاحٌ يُكتب بمداد الصبر والدموع. هو قصة إنسان بدأ من تحت الصفر، استخدم كل خلية في عقله ليصنع طريقه، سهر الليالي ليتعلم، وتغرّب عن أهله ليحصد خبرة، تعثر كثيرًا، وبكى أكثر، لكنه لم يتوقف حتى وقف شامخًا على قدميه.
فشتّان بين من مهدت له الحياة طريقه بالثراء والراحة، وبين من شقّ طريقه بين الصخور بجهده وعزيمته.
شتّان بين من بدأ بثروة، ومن بدأ بالإيمان والتعب والظروف القاسية.
ولا تجرح فقيرًا أو تقسو على من هو أقلّ منك حظًا،
فأنت لا تعلم ما الذي يحمله من هموم، ولا ما الذي تكبّده من خسائر ومسؤوليات، ولا ما الذي عاناه تحت وطأة الظروف.
لا تُقارنه برأس المال الذي بين يديك، ولا تحكم عليه من مظهرك الطبقي العالي، فأنت لم تتعايش حياته، ولم تختبر قسوتها.
تذكّر أن الكبرياء على المحتاج ضعفٌ مقنّع، وأن التواضع مع المختلفين عنك رفعةٌ لا يُدركها إلا العظماء.
إن العظمة ليست في المال ولا في كثرة المشاريع، بل في من استطاع أن يحوّل الفقر إلى دافع، والحرمان إلى وقود، واليأس إلى أمل. أولئك الذين كافحوا رغم الألم، هم وحدهم من يستحقون أن يُقال عنهم: نجحوا بحق.
أما من ورث الجاه والمال، فحديثه عن الصفر وهمٌ جميل، لكنه لا يُقاس بمقياس الذين واجهوا الصفر الحقيقي.
فالنجاح ليس في المنصب ولا في الثراء، بل في الطريق الذي سلكته، والظروف التي تجاوزتها، والدموع التي لم تُر، والليالي التي لم تنمها لتصنع نفسك بنفسك
لا تتفاخر بما لم تُبنه بجهدك، ولا تُقارن نفسك بمن كافح ليصل، ولا تُهِن فقيرًا لم تساعده الظروف كما ساعدتك الحياة.
فكل نجاح لا تُطعّمه التجارب والآلام يبقى سطحياً، أما النجاح الذي وُلد من رحم المعاناة فهو الذي يُخلّد صاحبه في ذاكرة الحياة.

كاتبة رأي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى