نبأ اليقين.. درس الهدهد في ميزان الكلمة

نبأ اليقين.. درس الهدهد في ميزان الكلمة
كان الهدهد في كتاب الله أبلغَ وأصدقَ من كثيرٍ من الناس في زماننا، إذ قال مخاطبًا نبي الله سليمان عليه السلام:
﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.
لم يقل: سمعتُ أو ظننتُ أو ربما قيل، بل جاءه بالنبأ اليقين.
هذه العبارة وحدها كفيلة بأن تؤسس منهجًا خالدًا في نقل الأخبار، قائمًا على التثبت، والتحقق، والصدق.
تأمل كيف كان الموقف بين الهدهد ونبيّ الله، لم يسارع سليمان عليه السلام إلى التصديق الأعمى ولا إلى التكذيب المتعجل، بل قال: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. إنّه درس رباني عظيم، يعلّمنا أن كل خبرٍ لا يُبنى على اليقين، فهو عُرضةٌ لأن يكون كذبًا أو وَهمًا، وأنّ الصدق لا يُنتزع بالهوى بل بالتحقق والتمحيص.
أمّا نحن اليوم، فكم من خبرٍ يتناقل بين الألسنة كما تتناقل النارُ بين الهشيم، وكم من كلمةٍ تهوي كالصاعقة فتفتك بسمعة إنسان أو تزرع فتنة في قلب مجتمع، لمجرد أن أحدهم قال: “سمعت” أو “يُقال”.
الرقابة الإلهية على ألسنتنا وأقلامنا أمانة ثقيلة، فمنهج الهدهد أرقى من آلاف الوسائل التي نملكها اليوم.
هو لم يجرؤ أن يكذب، ونحن نستسهل النسخ واللصق دون وعي، كأنّ الكلمة لا وزن لها!
أليس من الرقي أن نزن كلماتنا قبل إطلاقها؟
أليس من السمو أن نضع في حقائبنا ما يرفعنا، لا ما يثقل كواهلنا بالذنوب؟
فلنجعل من الهدهد معلّمًا لنا:
لا تنقل خبرًا إلا بيقين.
لا تُصدّق خبرًا إلا بعد تثبّت.
ولا تنشر ما لا يزيد في ميزانك من الحسنات.
إنها دعوة لأن نرتقي بكلماتنا، فالكلمة حياةٌ أو موت، عدلٌ أو ظلم، صدقٌ أو بهتان، وبين هذا وذاك تتحدد قيمتنا الحقيقية في ميزان الله ثم الناس.
د. دخيل الله عيضه الحارثي