ممثلون على ذواتهم

د. سارة الأزوري
ممثلون على ذواتهم
بعض النفوس لا تُشفى بالحب، ولا تُروى بالوفرة، ولا تنضج بالزمن.
تبدو مستقرة، متوازنة، أنيقة في حضورها، لكنها في الحقيقة مُشقّقة من الداخل، تطفو فوق سطحٍ هشّ من التجمّل والتصنّع.
شخصياتٌ تُتقن ارتداء الأقنعة:
تُظهر التهذيب، وتُحسن قول الكلمات المناسبة في اللحظة المناسبة، وتُتقن الإيماء بالامتنان، والابتسام في الوقت الذي يُنتظر منها ذلك.
لكنّ الداخل… شيءٌ آخر تمامًا.
هؤلاء ليسوا أشرارًا كما في القصص، ولا جناةً كما في المحاكم.
هم أخطر من ذلك:
يُتقنون توزيع الأدوار، ويعيشون داخل مشهدٍ كتبوه لأنفسهم، ويخشون فقط أن يتسلل الضوء من خلف الستارة.
ليسوا بالضرورة قساة في العلن، بل قد يكونون بارعين في استعطاف القلوب.
يعرفون كيف يُصنّعون حضورًا محببًا، كيف يُديرون الحوارات لصالحهم، كيف يُظهرون وجهًا ودودًا لمن يحتاجونه.
لكنهم في لحظة صدقٍ نادرة مع أنفسهم يشعرون أن شيئًا ما لا يكتمل.
أن هناك “صوتًا داخليًا” يُطالب بالاعتراف، وهم يسكّتونه بالتصفيق الخارجي.
هؤلاء غالبًا لا يحتملون أن يُشاركهم أحد دائرة الضوء، حتى من أقرب الناس.
لأنهم يخافون أن يُسحب البساط الذي بنوا عليه صورة أنفسهم.
أي عاطفة تُمنح لغيرهم، تُشعل فيهم خوفًا قديمًا من أن يُترَكوا خارج المشهد.
وربما لهذا السبب، تجدهم يُبعدون من يُحبّونهم عن أي علاقة أخرى، لأنهم لا يحتملون أن يُحَبّ غيرهم بنفس الطريقة.
في علاقاتهم، يخلقون دورة من الجذب والصدّ:
يعطون لحظة، ويؤذون في الأخرى.
يُقرّبون حين يخافون، ويُبعِدون حين يشعرون بالتهديد.
وفي كل هذا، لا يشعرون أنهم يظلمون، بل يرون أنفسهم ضحايا سوء الفهم، أو “قساوة الدنيا”.
ورغم كل شيء، لا يُمكنك أن تُمسك عليهم خطأً واضحًا.
فهم يُجيدون استخدام الكلمات، ويعرفون متى يقولون “أنا آسف”، أو “أنت أغلى الناس”.
لكنّ الأفعال، دومًا، تقول غير ذلك.
الغريب أن أكثر من يتأذّى منهم، ليس غريبًا عنهم.
بل هو من ظنّ أنه الأقرب، الأحنّ، الأوفى… لكنه اكتشف لاحقًا أنه مجرّد “دورٍ” في رواية لم يُكتب له أن يكون بطلها.
**
لا شيء يفضح هذه الشخصيات سوى مرآة صامتة،
وحقيقة لا تُقال… لكنها تُشعر.
فبعض الأقنعة لا تسقط أمام الناس، بل تسقط حين يقف أصحابها وحدهم،
يرون وجوههم في انعكاسٍ لا مجاملة فيه،
ويتساءلون — للحظة — إن كانوا قد كذبوا على الجميع… أم على أنفسهم فقط.
كاتبة رأي