مكه.. بين أحياء الأمس وملامح الحاضر، حب لا يشيخ

بقلم: روان الوذيناني
مكه.. بين أحياء الأمس وملامح الحاضر، حب لا يشيخ
حين تُذكر مكة، تتسارع إلى الأذهان صور الطواف حول الكعبة، ومآذن الحرم التي تصدح بالأذان، لكن خلف هذا المشهد العظيم، هناك مكة أخرى؛ مكة الأحياء القديمة، والشوارع التي حملت خطوات أهلها وضيوفها منذ عقود. هناك حيث الحارات العريقة التي كانت تنبض بالحياة، وما زالت رغم تغير الزمن تحافظ على شيء من روحها الأصيلة.
أحياء لا تُنسى.. وذكريات باقية
في كل زاوية من مكة، هناك قصة تُحكى. في حارة المسفلة، كان الحجاج يأتون منذ القدم، يبيتون في بيوت المكيين، يتشاركون معهم الخبز والتمر، ولا فرق بين غريب وابن دار. في حارة الشبيكة، كانت الأسواق تملأ المكان، والتجار يعرضون بضاعتهم وسط مناداة البائعين وابتسامات المشترين. أما جرول، فقد كانت موطنًا لأهل مكة البسطاء، حيث البيوت متجاورة كالأرواح، والأطفال يركضون في الأزقة بأقدام حافية وقلوب ممتلئة بالفرح.
ولا يمكن نسيان حارة أجياد، حيث كانت قوافل الحجاج تستريح قبل دخولهم الحرم، وحارة المعابدة، حيث البيوت الطينية لا تزال تحكي قصصًا عن زمن لم تلوثه السرعة، وعن جلسات السمر تحت ضوء القناديل.
أما حي الملاوي، فقد كان وما زال شاهدًا على أصالة أهل مكة، حيث كان موطنًا للعائلات العريقة، التي احتفظت بعاداتها وقيمها جيلاً بعد جيل. كان زواره يجدون فيه روح مكة القديمة، برائحة الخبز المكي الطازج، وهدوء الليالي التي تزينها أحاديث الجيران فوق الأسطح، ورائحة البخور التي تعبر الأزقة وكأنها تحيي المكان بتاريخه.
البساطة لا تزال حية.. رغم كل التغيرات
اليوم، تطورت مكة بشكلٍ مذهل، وامتدت أحياؤها نحو الحداثة، لكن رغم ذلك، بقيت روح البساطة تسكنها. فالمكي لا يزال يحتفي بالزائر، ومذاق شاي الجمر في الحارات القديمة لم يتغير، ولا تزال جلسات السطوح تجمع الجيران في ليالي رمضان، كما كانت تفعل قبل عقود.
في الأحياء القديمة، ما زالت الروائح المكية الأصيلة تعبر الأزقة؛ رائحة القهوة العربية التي تفوح من البيوت، وبخور العود الذي يُحرق عند أبواب الحرم، ورائحة الخبز المكي الطازج الذي لا يخطئه العابرون في شوارع مكة العتيقة.
مكة.. الحب الذي لا يشيخ
مكة ليست مجرد مبانٍ أو شوارع، هي شعور يسكن في القلوب. قد تتغير الأحياء، وقد تتطور المدينة، لكن حب مكة يبقى كما هو، متجذرًا في النفوس، لا تغيره ناطحات السحاب، ولا تمحوه الحداثة. ستظل مكة بساطةً تروي عطش القلوب، وذكريات لا تموت، وحبًا لا يشيخ مهما مرّت السنوات.