كُتاب الرأي

مـن أنت؟

مـن أنت؟

فيصل الكثيري 

أنــا ابنُ هذه الأرض التي كوّنتني من عناصرها، وأهدتني من طباعها نصيبا لا يُشترى. علّمتني الصحراء الصبر حين تشتدّ القسوة، وغرس فيّ البحر سخاء حين تجفّ اليد، وأودعني الجبل ثباتا لا يتزلزل مع الأيام. أنـا من ماء لا يغيّره الملح، ومن تربة لا تُباع، ومن جذور لا تُقتلع. تربّيت على أن الضيف سيّد، وأن الجار حرمة، وأن العهد دين، وأن نصرة المظلوم أولى من راحتي. ورثت عن أبي أن الرجولة أفعالٌ تُثبتها اللحظات العصيبة، لا ألفاظ تُسكب في المجالس. ورثت عن أمي أن الرحمة قوة، وأن الحنان عزيمة، وأن القلب إذا رقّ اشتدّ على كل جور. ورثت عن أرضي أن الكرامة جوهر يَصون الضعيف ويحفظ القوي.
أنــا الذي إذا دُعيتُ لوفاء سبقت، وإذا استُجير بي أجرت، وإذا وُضِع على كاهلي حمل رفعته حتى أستنفد آخر قوتي. لا أبيع وعدي ولا أساوم على كلمتي، فالكلمة عندي عهد، والعهد ميراث، والميراث حياة. ما أعتزّ به لا يُقاس بالقصور المشيّدة، ولا بما تُحصيه الأرقام من مال، وإنما أن أظلّ وفاءً يمشي على الأرض، وأن أكون نخلة تعطي بغير حساب، ورملة تصبر على الريح حتى تصير أساسا، ونجمة تهدي الحائرين في الليل الطويل.
أعرف الرجال بمواقفهم؛ فمن ثبت ساعة الشدّة فقد عرفته، ومن خان في لحظة صغيرة فقد كشف عن نفسه. المظاهر لا تُغريني، والألقاب لا تفتنني، فالمروءة عندي أثقل وزنا من الذهب، وأعلى مقاما من كل منصب. واليوم، أحمل ميراث الآباء وأمضي به في دروب الحاضر، أفتح يدي للعلم، وأفتح قلبي للقيم، وأمشي بخطى واثقة بين الأصالة والمعاصرة. فإذا ذُكرت الأخلاق كنت حاضرا، وإذا ذُكرت الشهامة كنت مثالا، وإذا نودي للعزّة كنت أول من يجيب.
أنــا السعودي، الذي صاغه التاريخ من عناد الرمال وصبر الجبال، وأحاطه الدين بهالة من نور، وربّته الحياة على معنى الانتماء والمسؤولية. أنـا ابنُ حضارة لا تُبنى بالحجر وحده، تُبنى بالوفاء حين تضيق السبل، وبالصدق حين يُختبر وبالعزم حين يثقل الطريق.
ومن صحرائي وبحري وجبلي، أكتب سيرة تقول للأيام: هذا إنسان لم يرض أن يكون مجرد ممر في الزمن، وأراد أن يكون أثرا خالدا في حياة وطنه وأمته.

كاتب رأي 

فيصل مرعي الكثيري

أديب وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى