كُتاب الرأي

مشروع إبتسامة

 

في كثير من جوانب الحياة الزوجية والأسرية تظهر أمام الناس التحديات والصعوبات والعقبات التي تساهم في فقدان الناس بعض حقيقة شغفهم ومشاعرهم وبعض جمال أحاسيسهم وصدق ما يقولون ! وما يحسون ! وتجعلهم يعتقدون ويظنون أن هذه هي الحياة الزوجية والأسرية فهي الحياة الدنيا الرتيبة والمملة والصعبة في كثير من ظروفها وجوانبها.

هذا الذي يواجهه الناس ينعكس على عقولهم وقلوبهم وأرواحهم ونفوسهم ويكاد يظهر في أكثر معاملاتهم وسلوكهم وتصرفاتهم وبذلك يفقدوهم حقيقة وجودهم وجمال ما حولهم بل وجمال ما فيهم من الكمالات الجميلة والإنسانية النفيسة الرائعة والروح العلوية الطاهرة .

إن الأزهار الجميلة والثمار المتدلية اليانعة والروائح العطرية التي تنبعث من أرجاء الرياض الغناء كلها تعبر بصدق عن حقيقتها وليس عن ظروفها ولذا تقف العصافير والطيور تحيي هذه المشاهد الجميلة وتغني لها وتهز طرباً كل الأرجاء والأجواء وتتنقل في بث مهرجاناتها الطربية من زهرة إلى زهرة ومن روضة إلى روضة وحديقة غناء إلى أخرى .

إن الأنهار الجارية لتحتفي بقدوم النهار في هديرها عند منحدراتها في مساحاتها الواسعة والشاسعة ، وتهب من ذاتها تلك الأصوات وذلك الجريان المتعرج الجميل هنا وهناك !
و كل الإبتسامات و الأفراح على ذوقها وفهمها وطريقتها النهرية وهكذا سائر الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية.

إن صناعة الإبتسامة في عوالم الناس حياة وسعادة وسرور وعافية وستر ومحبة وإخلاص وتعاون وتفاعل مهما كانت وكان الواقع والحال ، إن الأفراح والسرور والضحك والتفاؤل والأمل والحبور احتياج بشري إنساني فطري حقيقي يطلبه من مظانّه ! ومن آفاقه الصحيحة السليمة!

إن الرجال والنساء والأطفال بحاجة إلى صناعة مشاريع ابتسامات صادقة في الظاهر والباطن معبرة عن أنفسهم ومشاعرهم الحقيقية وهي في نفس الوقت والحين تعبر عن إشباع حاجات الفرحة والسرور والسعادة والأمل والحبور والبهجة في النفوس البشرية.

فلا أجمل ولا أفضل ولا أحسن من بداية نهارك أو أختتامه وعليه مشروع الابتسامة ، كذلك قدوم الليل أو إنصرافك نحو فراشك للنوم والراحة، فلا أجمل من الإبتسامة التي أنت مصدر إشعاعها للآخرين.

فإذا أصبحت فعليك بالابتسامة ، وإذا أمسيت فعليك بالإبتسامة وإذا سافرت أو أقمت فعليك بالإبتسامة، وإذا خرجت من بيتك فعليك بالإبتسامة وإذا دخلت عملك فعليك بالإبتسامة، وإذا خرجت من عملك فعليك بالإبتسامة وإذا دخلت السوق أو المتجر فعليك بالإبتسامة ، وإذا قابلت أولادك أو أهلك فعليك بالإبتسامة، وإذا غادرت عنهم فعليك بالإبتسامة، وإذا اجتمعت بفريق عملك فعليك بالإبتسامة…

إن صناعة السعادة والتفاؤل والسرور أو حتى تمثيل ذلك في الحياة له أثر كبير على النفوس والأرواح الآدميّة وكذلك ينعكس على الأبدان والجوارح ربما تجاوز الإنسان محنة عظيمة بسبب اللطف والرحمة والسعادة التي ينشرها أصحابها حوله .
إن طبيعة الحالات النفسية والمزاجية الطيبة والجميلة عند النفوس البشرية والأرواح الآدميّة المطمئنة تنتشر وتنتقل بين النفوس والأرواح كما ينتشر العطر النفيس الطيب والروائح العطرية الطيبة بين الناس الطيبين الطاهرين.
إن الإبتسامة عدوى والسعادة والأمل والحبور والسكينة والراحة والسلامة والعزة والمنعة والقوة والقدرة العالية كل ذلك يمكن أن ينتقل بين الناس كانتقال أشعة الشمس الدافئة بين مسطحات ومساحات ومسافات الأرض الرحبة .

إن طبيعة الطبيعة لها الأثر الكبير على نفوس وعقول وأرواح أصحاب تلك البيئات الطبيعية وقد يكتسب المرء من صلابة أرضه الصلابة! ومن مرارة أرضه المرارة ! ومن ضيق أرضه الضيق ! ومن رحابة أرضه الرحابة ! وطبيعة أرضه الساحرة أرضاً وبراً بحراً وجواً الطبيعة الساحرة في ظاهره وباطنه وفي شكله وصورته ونفسه وروحه وطبيعته ..

ومع كل تلك المناظر والصور في الطبيعة فعلى الإنسان حقيقة أن يجعل من نفسه مشروع إبتسامة في يومه ونهاره ! في سفره وإقامته ! في فقره وغناه ! في مرضه وصحته ! في حربه وسلمه ! في بيته وعمله ! في شارعه وسوقه ! في هدوئه وصخبه! في فراغه وشغله ! في مراحل يومه وشهره وأسبوعه وسنته !

سوف يدرك فيما بعد الأثر الإيجابي الكبير على عقله وقلبه ونفسه وروحه وحياته الأسرية الاجتماعية وعلى حياته العملية اليومية من النشاط والحيوية و السرور والسعادة والأمل والحبور والسكينة والراحة والسلامة والصحة والعافية .

فيا معاشر الناس جميعاً ! ويا معاشر الآباء والأمهات والأبناء والبنات ! ويا معاشر الموظفين والموظفات والمعلمين والمعلمات! يا أرباب الأسر الكريمة والعوائل المحترمة اجعلوا على شفاهكم مشروع ابتسامة يومية فهي إكسير السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة !

فقد رفع رسولنا الكريم الأكرم ونبينا العظيم الأعظم قيمة الإبتسامة فجعلها في مستوى الصدقات المادية والتي ينتفع بها الناس فقال صلى الله عليه وسلم: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) .

قال الشاعر العربي الكبير
إيّليّا أبو ماضي :

قالَ السَماءُ كَئيبَةٌ وَتَجَهَّما قُلتُ :
اِبتَسِم يَكفي التَجَهّمُ في السَما
قالَ الصِبا وَلّى فَقُلتُ لَهُ :اِبتَسِم
لَن يُرجِعَ الأَسَفُ الصِبا المُتَصَرِّما
قالَ الَّتي كانَت سَمائِيَ في الهَوى
صارَت لِنَفسِيَ في الغَرامِ جَهَنَّما
قُلتُ :اِبتَسِم وَاِطرَب فَلَو قارَنتَها
قَضَّيتَ عُمرَكَ كُلَّهُ مُتَأَلِّما
فَلَعَلَّ غَيرَكَ إِن رَآكَ مُرَنَّماً
طَرَحَ الكَآبَةَ جانِباً وَتَرَنَّما
أَتُراكَ تَغنَمُ بِالتَبَرُّمِ دِرهَماً
أَم أَنتَ تَخسَرُ بِالبَشاشَةِ مَغنَما ؟!
يا صاحِ لا خَطَرٌ عَلى شَفَتَيكَ
أَن تَتَلَثَّما وَالوَجهِ أَن يَتَحَطَّما
فَاِضحَك فَإِنَّ الشُهبَ تَضحَكُ وَالدُجى
مُتَلاطِمٌ وَلِذا نُحِبُّ الأَنجُما ! .

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى