كُتاب الرأي
مروان الرضوي.. حين يرث الابن ضوء أبيه
مروان الرضوي.. حين يرث الابن ضوء أبيه
كان رحيل مروان بن عبدالحليم الرضوي موجعا كخسارة لحن جميل من ذاكرة الفنّ السعودي.
غادر بهدوء يشبه سكونه، غير أن وقع رحيله كان فاجعة في القلوب.
تاركا خلفه رائحة الألوان التي كان يحرسها في لوحات والده، وصدى الوفاء الذي عُرف به بين أصدقائه ومحبيه.
لم يكن غيابه عاديّا، فقد أطفأ برحيله جزءا من الضوء الذي ظلّ يمدّ ذاكرة الفنّ بالحياة منذ عقود.
عرفته الساحة التشكيلية ابنا للفنان الكبير عبدالحليم الرضوي، غير أنه عاش كحارس لوهج أبيه، ووريث للأمانة التي حملها بصدق وحرص جميل.
كان يرى الفنَّ حياة تُعاش قبل أن يكون لوحة تُعلّق، ويؤمن أن الوفاء للفنّ لا يُقاس بالتصفيق، إنما يُقاس بالصدق في الرعاية والحفظ.
هكذا ظلّ مروان يُقيم المعارض ويُحيي تراث والده في كل مناسبة، كأنه يُعيد للضوء ذاكرته القديمة في جدة.
ومن يعرف مروان، يدرك أنه لم يكن هادئا كما يظنّ البعض، كان حيّا في حضوره، يُنعش الحديث والمجالس بروحه الخفيفة، ويملأ المكان بابتسامته وذكائه اللطيف.
كان حديثه مزيجا من الذوق والدعابة، يترك في من حوله أثرا جميلا لا يُنسى.
وحين يتكلم عن الفن، كان صوته يحمل شغف العارف وحماسة المحبّ، كأن بين كلماته نغمة من ألوان والده الأولى.
ورحل مروان…
رحل كما يعيش الكبار: في لحظة تترك خلفها صدى لا يخفت.
غاب عن الدنيا وبقي أثره في القلوب، كما تبقى رائحة الألوان في المراسم بعد أن تغادرها الريشة.
افتقده أصدقاؤه كما يُفتقد الضوء حين ينسحب من لوحةٍ لم تكتمل، وافتقدته جدة، التي كانت ترى فيه ظلّ أبيه ودفء إرثه الجميل.
كل من عرف مروان، يعرف أن الوفاء كان لغته الأصدق.
لذلك رحل جسدا وبقي حضورا، كلوحة لم تجفّ ألوانها.
رحم الله مروان، فقد علّمنا أن بعض الأبناء لا يكتفون بحمل اسم آبائهم، إنهم يرثون ضوءهم ليُكملوا بهم الطريق.
