كُتاب الرأي

‏مذكرة أدبية ١٤٠٢هـ ‏(مكتبة الحربي)

‏مذكرة أدبية ١٤٠٢هـ

‏(مكتبة الحربي)

‏…………
‏رائحة الكتب القديمة وعبقها الخاص مازالت عالقة بأنفاسي قبل ذاكرتي ، تكدُّسها فوق بعض على الأرفف البسيطة يكسوها التُراب الخفيف ؛ الذي يتطاير بمجرد نفخة عابرة ، كتبٌ أخرى رُصّت على الأرض مُتّكئة على الجدار كتحفة معماريّة تختلف في طولها..
‏ لا يمكن أن يمر يومي دون أن أقف وألقي نظرة على العم أحمد محمد الحربي ومكتبته الخالدة في قلوب أهل البلد ، وجلستهُ المميزة على كرسيّه الخشبي أمام باب المكتبة العتيق.. !
‏فتاة التاسعة عام ١٤٠٢هـ ١٩٨٢م  يكتنفها فضول حول جلسة العم أحمد أمام مكتبته العريقة في شارع الملك فيصل ، يسبق هذه المكتبة أقدم محلات الخياطة الرجالية الخاصة بالعم يحي حمادي ويليها صيدلية عزيز و أستديو عبدالله جدوي وفي الجهة المقابلة منزل العم اسماعيل سويد -رحم الله من مات منهم ـ
‏كان شارع الملك فيصل ثريّاً بالمحلات المتنوعة ..
‏عندما أمر بالمكتبة يلفت نظري العم أحمد الحربي يحمل بيده كتاب يحتضنه كطفل مُدلل ، فهو قارئ نهِم أكثر من كونه متحدثاً ، لم أسمع له صوتاً حتى عندما أطلب منه دخول المكتبة لشراء الأغراض كان يشير لي بيده للدخول ..
‏ تقاسيمه الجميلة الهادئة ، ذو بشرة بيضاء مصبوغة بحُمرة خفيفة ولحيّة يكسوها الكثير من الشيب ، متأنق بثوبه الأبيض وغترته الفاخرة ، يلفهُ الوقار وله ناموس الهيبة ، يجلس أمام المكتبة جلسة الحُراس الخالدين أمام كنز عظيم من الكتب المتنوعة..
‏عندما أدخل المكتبة أجد صنوف الكتب والمجلدات المتنوعة ، حفظتُ أسماءها من كثرة تردُّدي عليها ، مرة بحجة شراء علبة الهندسة وأخرى لشراء أقلام الرصاص..
‏من خلال المكتبة تعرفت على قصص الأطفال (السلسلة الخضراء) التي كانت تُصدر من بيروت ، واقتنيت الكثير منها فقرأت القداحة العجيبة ، الرفيق المجهول ، الفأرة البيضاء ، سندريلا ، جبل العجائب ..
‏ولفتت انتباهي سلسلة (الحكايات المحبوبة) -ليديبرد- وأُغرمت بها مثل الجميلة والوحش ، الأميرة وحبة الفول ، ليلى الحمراء والذئب ، الأميرة النائمة….وغيرها من القصص الممتعة..
‏العم أحمد كان سمحاً في التعامل محبوبا من الجميع ، عندما يتوفر لدي مبلغ الشراء أقتنيها وأمتلك تلك القصص ، وعندما أكون مُفلسة ، استميحه عذراً كي يُعيرني القصة لقراءتها ومن ثم اعادتها له..
‏مكتبة العم أحمد الحربي تزخر بصنوف الصحف اليومية و المجلات والدوريات الشهريّة والأسبوعيّة ، كمجلة العربي والفيصل واقرأ ، وصحيفة البلاد وعكاظ والمدينة ، أثْرتْ الكبير والصغير من أبناء وبنات حيّ البلد ، وكانت لها الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى في تشكيل فكر وعقل وشخصيّة ورقيّ كل من يرتادها ويقرأ الكتب التي بها..
‏شغفنا بالكتب في تلك الفترة لم يكُنْ غريباً ، فوسائل التسليّة قليلة في ذلك الوقت ، وكانت القراءة سفرنا للعالم الخارجي والاطلاع على مايحدث حولنا..
……

الكاتبة:أحلام أحمد بكري

أحلام أحمد بكري

كاتبة رأي وقاصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى