مخاطر الفكر الجمعي

مخاطر الفكر الجمعي
الحياة ليست لعبة كما يتوقعها البعض ، إنها جوهر لا يقدر بثمن، فيها طموحات، وأمنيات،وأهداف، وغايات،
لم يخلق الإنسان للعبث ، ولم يخلق من عبث ، لقد خلقنا الله بعقل ، يفكر ، ويحلل، ويفسر، ويقوّم، خلقنا نميز الخطأ من الصواب، خلقنا لنعرف الأمر السليم من السقيم، خلقنا لنفهم،وندرك مكانتنا بين سائر المخلوقات، ونحدد مصيرنا ومصير أبنائنا، ونعمر المكان ونحافظ عليه ، وندافع عن المكتسبات، ولكن هذا الأمر لن يتحقق وأفكارنا محبوسة مقيدة داخل دائرة غامضة ندور فيها ولا نعلم متى نخرج منها ولا نملك طريقة لكسر السوار المبهم
إن التماثل والتناسق مع الجماعة له محاسنه وله أيضا مخاطره وحسبنا هنا الحديث عن مخاطر الفكر الجمعي والدينامية التي تحدث بسبب ردود الأفعال ، منها ماهو إرادي يحدث بسبب القناعة التامة عما يحدث والسكوت عنه قصدًا، ومنها غير المقبول ويمارس بلا إرادة وبلا تمييز لما يجري ، كما يقال جسد بلا عقل.
يرى كارل غوستاف يونغ عالم النفس السويسري أن الجحيم الذي يسقط فيه الجميع بسبب الفكر الجمعي، يعتبر جانبًا من الجوانب المزعجة في اللاوعي الجمعي، ولا يستثني ثقافة عن أخرى بل يرى أيضا أنه يشمل جميع الثقافات وينشأ بسبب الارتباط الوجداني بين مجموعة من الناس ، يمتهنون ثقافة تضمهم، لها أهدافها، ولها غاياتها الغامضة، تلتقي مداركهم في أنماط موحدة ومكرورة، ويصعدون إلى أعلى نقطة في التقاء الطبقات التوافقية، والطبقات التطورية داخل العقل الباطن الجماعي.
يجرّهم هذا إلى التفكير فيما كان عليه أسلافهم في الماضي وطريقة تجاربهم، وشعورهم تجاه تلك الخبرات،أنها مصدر إيمان لهم خاصة في جهة التقليد والتقمص.
إن ظاهرة ثقافة القطيع، أو سلوك القطيع كما يحلو للبعض تسميتها ، أو سطوة تأثير الجماعة على القرارات، ظاهرة ليست جديدة ، أو أنها شيء غريب، لا! أبدًا، ليست حديثة، هي ظاهرة نفسية موجودة يمارسها الجماعة ويعتقدون صحتها حتى وإن بدا لهم خطؤها،لو ذهبت بعيدًا لتفهم أكثر ، لن تجد سوى الغموض يكتنف المعلومات ، ويشوه البيانات، هكذا إذا أريد إخضاع فرد ، أو جماعة مصغرة، أو قبيلة، أو حتى دولة ، تجد الجميع يعتنق الفكر الجمعي رغبة في تحقيق الانصياع، والإذعان للقرارات ولا يهم إن كانت قرارات صحيحة أو أنها خاطئة.
تلك المخاطرة تشي بانفلات استقلالية الفكر ،وأسره في زنزانة التبعية،واقتياده نحو النماذج الأولية للأفكار الموروثة المنتقلة عبر الأجيال هذا الاقتياد تتمظهر علاماته حول فرضيات مبهمة غير مفهومة الأصل قائمة على الاحساس بالنقص،والتآمر، والشكل، والمال، والجنس البشري، هذا وحده كفيل بظهور موروث نفسي ورمزي في كلا الحالين ممزوجًا بصبغة جمعية أتى بها الأولين من غير أن يُفهم أصلها بدقة.
إن المخاطر التي تحدث من جراء الفكر الجمعي كثيرة وعواقبها وخيمة ، لأن اللجوء إلى الآخرين بحثًا عن تفسيرات لمواقف غامضة يواجهها الفرد ستؤدي إلى اختطاف العقل فيما يخص صحة المعلومات بالتالي سينشأ هناك التأثير والتأثر الاجتماعي من حيث صحة ودقة المعلومات، وطريقة تقبلها، كما أن الجهد الفكري سوف يقل وينشط الجهد البدني ،أي سيتم استخدام قاعدة إذا توقف العقل تحدث الجسد والشواهد كثيرة هذه الأيام ونراها ونشاهدها بشكل يومي ، هذا شيء سوف يجر معه الفكر حتى يصبح مكروهًا بعكس التأثير الطبيعي حين يتحول فكر الفرد لأن يكون محبوبًا.
لنتحدث قليلاً عن هذه المخاطر التي تحدث بسبب اعتناق الفكر الجمعي ، ونتعرف على عواقبه والآثار المترتبة على إعتناقه.
1/سلب استقلالية الفرد وإجباره على البقاء في دائرة ثقافة الآخرين.
2/الإمتثال التام لآراء الآخرين وزيادة الانتحار الفكري بسبب المحاكاة لما يجري وما يدور من أحداث وتوقعات ومواقف.
3/ يعد آلية غير عقلانية وليست فعالة عند الرغبة في إتخاذ القرارات.
4/ يؤدي اعتناق الفكر الجمعي إلى تقديس الترسبات الثقافية والإبقاء على العمل باستمراريتها.
من خلال النقاط السابقة يتضح خطورة هذا النوع من الفكر ، فكم من مواقف تغيرت ، وكم من قرارات أخذها أصحابها وعادت عليهم بالويلات ، قرارات كان يصحبها مغالطات ، ويشوبها الغموض لا تدري ما الهدف من اتخاذها ، قرارات دمرت مصير شعوب ، وسلبت منهم استقرارهم واطمئنانهم وحتى أراضيهم ، كانوا يعيشون في أمان وهدوء وبسبب انسحابهم إلى دوائر الغموض ومحاكاة الأسلاف ولسان حالهم يقول هذا ما وجدنا عليه آباؤنا جعلهم في حالة شتات ، فقدوا مع هذا الانعطاف الفكري الكثير من فرص التعليم والصحة والهوية والتحضر المدني، فقدوا مكانتهم فأصبحوا مشردين لا يعلمون إلى أين يتجهون!!
نتساءل دائمًا ما الفائدة المرجوة من اتباع فكر يحرض على الهدم ، فكر لا هم لديه سوى تضليل الآخرين ، وشحنهم بالفراغ ؟ ما الذي استفاده أولئك الذين دمروا أوطانهم ، وسلموا مصيرهم لأيدي أعدائهم؟
ألهذه الدرجة وصلوا من التفكير ؟! وصل بهم تفكيرهم الجمعي إلى أن يوافقوا حماقات من سبقهم !!
أليس بينهم رجل رشيد يقول لنفسه على الأقل لماذا يحدث معنا كل هذا ولا يحدث لغيرنا كما يحدث لنا؟
خاتمة/
هناك أمراض فتاكة تعصف بحياة ومصير الإنسان فتقتله وتبيد وجوده وهذا العصر ابتليت بعض الشعوب بداء عضال لا نعتقد أنهم سوف يستفيقون منه مادامت عقولهم تعيش بسخافة وتصديق لخرافات وأوهام تُحشى أدمغتهم بها فتحولهم إلى أدوات ، ودمى متحركة يتجهون للخطأ دونما تفكير بعدم صحته أو حتى القيام بمحاولة تحليل أهدافه.
إنّ الحمق والغباء والسذاجة والصفاقة داء العقل، فلنتعظ ولننتبه لما يدور ويجري، كما أن انسياق الناس وراء بعضهم البعض من غير تفكير أو حتى تساؤل عما إذا كان هناك أهداف تستحق التعب وتستحق الجهد يعرضهم لفقدان المصير، بل يحاصرهم في عدم استعادتهم لأنفسهم فيما بعد.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
لا مزايدة على طرحك وانتقائك وتفردك دائماً بالمواضيع.. لك أسلوبك المميز الإنتقائي
خُلقنا فُرادى فالأولى بنا التفكير كذلك.. وكماذكرت مخاطر الفكر الجمعي أكبر وتأثيره أعظم على الأفراد والجماعات
…
بارك الله فكرك وعلمك وقلمك.. وزادك تألقاً👌
يشرفني حضورك أ/ زايدة
أنت داعم حقيقي للكتابة بشكل عام وللمواضيع التي تلامس شرائح المجتمع بشكل خاص.
ألف شكر لك ولما تقدمين من مساندة مهنية.
مقال رائع أستاذ علي دائمًا استمتع وأنا أقرأ مقالاتك شكرًا لك على ماتقدمه
مرورك الأجمل أبا ريان .
متعك الله بالصحة والعافية.
كاتبنا المبدع أستاذ علي
لقد طرحت موضوعا عميقا يتناول تأثير الفكر الجمعي على الأفراد والمجتمعات بشكل مثير للاهتمام .
وقد قمت بتسليط الضوء على أفكار كارل غوستاف يونغ التي تعكس فهم عميق للتعقيدات النفسية والاجتماعية التي تواجهها الثقافات المختلفة .
إن تحليلك يااستاذ علي يعكس أهمية الوعي الفردي في مواجهة الضغوط الجماعية ، ويدعو للتفكير النقدي بدلا من الانسياق وراء المعتقدات السائدة .
شكرا لك أستاذ علي لإثارة هذه القضايا المهمة👍
أهلا سعادة مديرة التحرير
دعمك غير مستغرب .
خطر الفكر الجمعي دمر مجتمعات كثيرة.
كان من الواجب تسليط الضوء على هذه الآفة الخطرة.
شرفني مرورك أ/ ابتسام