نادي القصة

( مجد و أثر)

قصة قصيرة جدا

( مجد و أثر)

دخل البيت متكدرا ً ..
أغلق الباب بقوةٍ حركت النوافذ المفتوحة ..
همهُ أغلق عينيه عن كل جمال حوله ..
أخذ يردد و بصوت مرتفع مملوء بالحنق والغضب :
هذه القروض ، هذه القروض أعيت كاهلي،
وزادت همي ..
ليت لي مهنة أخرى غير هذه المهنة ..
ليتني اخترت تخصصا أكثر فائدة أو تجارة أكثر جنياً للمال وأسرع للمجد والعلو ..
ليت .. ليت ..
هرعت إليه أمه على عجل مستغربة ..
-ماذا بك ؟
-ومالذي تقوله ؟؟!!
-ماذا دهاك يابني ؟!
-ومن قال أنك لم تحقق المجد الذي تريده ؟؟
-ومن قال أنك لاتملك ماهو أحسن من المال والنقود ؟!

‏ يابني على رسلك ..
اهدأ قليلا ً واجلس على الأريكة واستعذ بالله من الشيطان ..
جلس أحمد ولايزال الغضب يسيطر على ملامح وجهه ، والهم يحيط به ..
عادت بكأس ماء بارد ، ثم جلست تخاطبه بنبرة حنونة هادئة..
يابني :
طلابك و أبناؤك في كل الفصول ، تذكرهم جيدا الآن ، تذكر كل بذرة وضعتها فيهم وأنبتت أشجار ورد مخضرة بفضل الله تَشّتم رائحتها كل يوم بسعادة و فرحة ..
تذكر علمك الغزير ، وتوجيهك الدائم ، وحبك المتدفق لهم والذي قادهم لدروب النور والحق بكل ثقة ومحبة ..
وكفك هذا الذي قد خط لهم أولى طرق حياتهم القادمة بكل وضوح وصفاء وحكمه ..
‏أي مجد تبحث عنه أكثر من وجود بصماتك هذه في كل عقل وقلب ..
أي علو تطلبه أكثر من علو شمس المعرفة التي أشرق علمك بها في سماء جهلهم وحول عتمة ليلها لنهار مشرق ساطع ..
‏يابُني : مهنة المعلم بالتحديد ليست كغيرها من المهن،
‏فاحمدالله أن خصك الله بها ، وانظر لنفسك بإعتزاز وفخر ، فالعلو والمجد ليس بمايحققه الإنسان من جمع المال ، بل الأثر الباقي والمتوارث في قلوب وعقول كل الأجيال .
-ربتت أمه على كتفه و أردفت :
ابتسم الآن ، وأعلم أن همك راحل ، واحتسب الأجر ..
فأنتم ورثة الأنبياء ومنزلتكم لا تساويها كنوز هذه الأرض لا في مشرق ولا في مغرب ..
ويكفيك بيت الشاعر شوقي ..
قم للمعلم وفه التبجيلا..
كاد المعلم أن يكون رسولا..
وأنا كأم كلي فخر واعتزاز أن ابني معلم وجدير بهذه المكانة بشهادة كل من علم ،وكل من قابل ..
هدء أحمد وانشرحت أساريره بعد كل ماسمع ، لأنه يعلم أن كل ماقالته أمه هو الحق ..
استغفر واستعاذ بالله من حالة التسرع والغضب التي استحوذت عليه سابقا ً..
عادت له بسمته الرزينة ، ونظرته المتفاءلة..
قَبْل رأس أمه وقال بكل امتنان :
أبقاك الله ياأماه، صدقت والله .. والحمدلله فمهنتنا شرفها كبير ، وأثرها عظيم ، وأجرهاممتد من الدنيا للآخرة ..
-أماه : لاحرمني الله جميل نُصحك ، ولا سعة صدرك ، ورقة قلبك وحكمتك الحنونة يامعلمتي الأولى ..

بقلم الكاتبة /فتحية علي

فتحية علي

كاتبة وقاصة و شاعرة ومشرفة ( قيثارة الالهام )

‫5 تعليقات

  1. اللهم أجعل مانقدمه خالصاً لوجهك الكريم … سلمتي أستاذه فتحيه و كل عام وجميع المعلمين و المعلمات بخير..

  2. لافض فوك👍
    ما أروع هذه القصة تعكس عمق الحب والتفاني الذي تكنينه لطالباتك . إن تذكيرهم بثمار جهدك وعلمك يضيء دروبهم ويمنحهم الأمل في المستقبل . حقا ، أنت منارة في حياتهم ، وعباراتك تجسد سحر التعليم وتأثيره العميق👍
    استمري👏👏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى