متى سُمّيت محافظة (العلا) بالعلا ؟

محمد سعيد المرواني
متى سُمّيت محافظة (العلا) بالعلا ؟
عمد كثير من الباحثين للبحث عن مبتدأ مسمى( العلا )بهذا الاسم ، ولم يتوصل أحد لتحديد نشأة المسمى ، ومن ذلك المؤرخ الدكتور تنيضب الفايدي ، فقد قال ( أما متى سميت العلا بالعلا فغير معروف ) ثم رجح أنّ المسمى يعود للقرن الثاني الهجري واستدلّ بما رواه السمهودي في كتاب وفاء الوفاء بأخبار المصطفى عن ابن زبالة ، وذكر الدكتور تنيضب أيضاً أن مسمى العلا لم يكن مستخدماً أو دارجاً إلا بعد القرن السابع ،وقال أيضاً أن سبب التسمية أنه كانت في العلا عينان مشهورتان بالماء العذب هما المعلق وتدعل ، وكان على منبع المعلق نخلات شاهقات العلو يطلق عليها العلى فسواها البادية بعضهم عندهن فيقولون مثلاً تجدونا عند العلى أو رأينا الفلانيين عند العلى وهكذا ولعل هذه الحكاية تكون من الصواب على قرب من سبب التسمية ، بعد تحريف وقع على كلمة العلى إلى العلا ) انتهى والعبارة إن أخذنا بها فهي سبب التسمية وليس تاريخاً للتسمية.
ولكني قرأت كتاب وفاء الوفاء ولم أجد التصريح باسم العلا ، ولا يمكن أن تمر ستة قرون لم يذكر فيها اسم العلا صراحة.
وقد أورد السمهودي ذكراً لمساجد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحجر ووادي القرى ولم يذكر العلا ، حيث قال (الثالث عشر بالحجر وذكر أبن زبالة بدله العلاء وكلاهما بوادي القرى. الرابع عشر بالصعيد صعيد قُرح وهو اليوم مسجد وادي القرى قاله عبد الغني. الخامس عشر بوادي القرى. السادس عشر بقربة بني عذرة)وقرية بني عذرة هي قُرح) بوادي القرى.
وأما قول الطبري ( قَالَ العباس: قَالَ هارون: حدثني بعض أصحابنا ممن أخبرني عنه أبو يحيى الزهري، أن مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف، واستعمل عليهم ابن عطية، وأمره بالجد في السير، وأعطى كل رجل منهم مائة دينار، وفرسا عربية وبغلا لثقله، وأمره أن يمضي فيقاتلهم، فإن هو ظفر مضى حتى بلغ اليمن ويقاتل عبد الله بْن يحيى ومن معه، فخرج حتى نزل بالعلاء وكان رجل من أهل المدينة يقال له العلاء بْن أفلح مولى أبي الغيث، يقول: لقيني وأنا غلام ذلك اليوم رجل من أصحاب ابن عطية، فسألني: ما اسمك يا غلام؟ قَالَ: فقلت: العلاء،قَالَ: ابن من؟
قلت: ابن أفلح، قَالَ: مولى من؟ قلت: مولى أبي الغيث، قَالَ:فأين نحن؟ قلت بالعلا، قَالَ: فأين نحن غدا؟ قلت: بغالب،قَالَ: فما كلمني حتى أردفني وراءه، ومضى بي حتى أدخلني على ابن عطية، فقال
سل هذا الغلام: ما اسمه؟ فسألني، فرددت عليه القول الذي قلت، قال: فَسُّرَ بذلك.
) فالكلمة غير واضحة المعنى ، لأنّه قال رجل بالمدينة ؟ والمدينة بعيدة عن العلا .
والذي جعل القول مشكوكاً فيه قوله 🙁 غدا بغالب) وغالب عين قرب العلا بوادي القرى ، ولكن لم يذكر أسم العلا غيره لأنها لا وجود لها بذلك التاريخ، إلا بعده بقرون.
والعلا لم تسكن بعد الأقوام الهالكة بل كان الناس يسكنون وادي القرى ، وكان وادي العلا مراعي للقبائل العربية من بني عذرة ثم بني صخر الذين بنو قلعة بالعلا وانتزعها منهم الملك عيسى الأيوبي قال ابن الجوزي عن المعظم عيسى بن أبي بكر بن أَيُّوب
(واعتنى بأرضِ الحجاز، فبنى حَمَّامين بمعان للرِّجال والنِّساء، وأقام لهم الضيافة عند رواحهم إلى مكة ومجيئهم، وأباحهم الحمامين، وذَرَعَ طريق الحجاز من باب الجابية إلى مكة، وحفر البرك والمصانع، وأوقف على ذلك ضياعًا من السَّاحل وعلى المدارس، ولو عاش لسار النَّاس إلى مكة بغير دليل، [وكان قد حجَّ في سنة إحدى عشرة على طريق تبوك والعُلا، ففعل ما ذكرناه في طريقه، ] (٢) وكانت العُلا لبني صخر، وهي قلعة، فأخذها منهم، ورتَّب فيها جماعة)ويشير كلامه أن العلا موجودة .
ونزول بني صخر قديم في العلا ذكر ابن حجر العسقلاني في أعلام المائة الثامنة أحدهم فقال : غانِم بن عبيد الصخري من بادية الشَّام قَالَ ابْن فضل الله
رَأَيْته فِي طَرِيق الْحَج الشَّامي بِالْقربِ من الْعلَا سنة ٧٢٣ وَهُوَ شَاب كَمَا انْفَكَّ من غمده وَأول مَا برز كريم بنده قد علا شرفا وتلثم بعمامة مد مِنْهَا طرفا فأنشدني من شعره من قصيدة:
خف الله فِي صب أُصِيب بنظرة
فؤاد لَهُ أعشاره لَا تشعبُ
وَإِنِّي بالحي الخلوف لمولع
وَإِن لم يكن فِي الْحَيّ أهل ومرحبُ(٣)
وقد مر على العلا الكثير من العلماء والرحالة والحجاج ، منذ القرون الأولى الهجرية ، ولم يرد لفظ العلا فيمن ذكر وادي القرى والحجر وهي بينهما ، وممن ذكر المكان ذكر أنّ اسمها العوالي.
فهذا لُغدة الأصفهاني من أهل القرن الثالث هجري.يقول في ذكر منازل الحج : (وفوق ذلك الوادي وادي القرى وبه عينان يقال لإحداهما غالب والأخرى زيان لهما شأن وسوق يقال له الصعيد وفوق ذلك العوالي وهي قرية وفوقها الحجر حجر ثمود)
كذلك مر عليها القاضي وكيع المتوفى سنة ٣٠٦ هجرية ولم يذكرها. (٤)
وأمًا بعد هذا التاريخ فإن المنطقة مرت باظطرابات بسبب حركة القرامطة ، وانعدم الأمن وخاصة طريق الحاج الشامي ، ولم يستطيع الحجاج سلك هذه الطريق ، فقلّت حركة القوافل ، وبدأت المنطقة بالانطفاء ، وبقيت مسرحاً للقبائل من بني عذرة وجذام وبني صخر من جذام ، وكثرت الحروب بين القبائل ، ورحلت بعض القبائل من الجزيرة العربية مثل بني عذرة بن سعد التي رحلت مبكراً. وقبيلة بني صخر التي بقيت إلى القرن الثاني عشر. ثم رحلت للبلقاء وحلت بعض قبائل عنزة وبعض قبائل بلي القضاعية حول العلا إلى اليوم.
وانشغلت بعض القبايل بالقرامطة وفيهم من انضم إلى حركة القرامطة ، ثم ظهرت حركة الصليبين والغزو الجائر على العرب في منصف القرن الرابع ، كل هذه الأحداث وغيرها أجبرت الحجاج أن تغير مسارها إما عن طريق المويلح درب الحج المصري أو مع حجاج العراق ، هذه العوامل أدت إلى تدهور المنطقة ، خصوصاً العلا ووادي القرى الشهير ، فأصبحت خراباً ، وانطوت تحت رمال الصحراء ، حتى أن من مر على وادي القرى اعتقد أنه بقايا قوم ثمود يقول بدر الدين الحلبي في أرجوزة المختار :
جاؤوا سحيراً نحو بير الحجر
وأوردوا المطي عند الفجر
وشكروا رب البرايا والعلا
وأدلجوا حتى دنو من العلا
ذات النخيل والعيون الدافقة
والثمرات والجبال الشاهقة
(ثم يسرون لمدن صالح
وكل قلب للمسير جانح
ونظروا آثار قوم بادو ا
وخلفوا وراءهم ماشادوا
جل الذي أهلكهم إذ كفروا
برسله وكذبوا وفجروا)
ولم يُذكر وادي القرى والعلا إلا في القرن السابع أي بعد قرنين من الزمان ، وهي مدة زمنية كفيلة باندثار المنطقة ،حتى افتتح الملك المعظم الدرب الشامي التبوكي سنة ٦١١هجري ، (١)وقد اهتمّ بالعلا اهتماما ً بالغاً ، وقد تحدثنا عنه آنفاً . وذكر ابن شجاع الدمشقي سنة (٦٢٣ه) العلا حيث قال :(مرحلة العلا أرض رمل أبيض بين جبلين عاليين ، ثم مضيق ، ثم واد، ونبات كثير ، ثم عيون ، ثم مدينة العلا وسط الوادي ، نخل كثير وثمر، والمدينة صغيرة وفيها قلعة صغيرة على رأس جبل صغير ، ولها أمير ؛يودعون فيها أمتعتهم ) ويقصد ما يسمى بقلعة موسى .ومن هذا التاريخ بدأت العلا تسمى العلا إلى اليوم.
وعلل السويدي البغدادي الذي مر العلا سنة ١١٥٧هجرية بقوله ( سميت بذلك لكون الجبلين اللذين يكتنفانها عاليين مرتفعين، وذكر أنها بلدة بناحية وادي القرى وقال أيضا ( هي قرية صغيرة وقلعة).(٥)
نستنتج مما سبق أن العلا كانت تسمى عوالي وادي القرى منذ القرن الثالث إلى القرن السابع الهجريين ، ثم تحولت للعلا ، بعد هذا التاريخ ، والذين سموها (العلا) هم بنو صخر.
محمد سعيد المرواني
الهوامش :
(١)- هامش(٢) (العلا ص ٢٠ )د- تنيضب الفايدي.
(٢) – (كتاب رحلات الحج الشامي – عبدالعزيز عبدالعزيز السعيد )
(٣)-: الدرر الكامنة ص٢٥٥
(٤) :كتاب أخبار القضاة
(٥)- ص ٣٥٨ وما بعدها – درب الحج الشامي – عبدالله عبدالعزيز السعيد.