ما بعد الكارثة
د. شادي الكفارنة
ما بعد الكارثة
بدأت الحرب وعرف كل واحد فينا مصيره؛ ولكن الأصعب ما بعد الحرب الذي لم يُحدد مصيره، وينتظره واقع متغير ومعيشة متحولة، فالحياةُ بعد الحرب أصبحت غابة صراع من أجل البقاء على قيد الحياة أي قيد الوجود البشري قبل الإنساني في مجتمعنا، وواهم من يعتقد أنه سوف يعود إلى حياته ما قبل الحرب، انتهت مرحلة وستبدأ مرحلة جديدة رغمًا عنا لأنَّ الزمن الفلكي لا يعود للخلف لكن للأسف عدنا للخلف بالزمن الاجتماعي المنهار؛ مما جعلنا نحتاج إلى بداية جديدة بمقومات عصرية، وإصلاح ما بعد الحرب بطرق تقدميّة وخطوات للأمام بنظام حياتي جديد حتى لا نرجع إلى سلوك الفوضى الذي يتطلب إعادة ترتيب وتهذيب، وإننا نشكر الله على أن بقينا على قيد الحياة، ومن ثم تبدأ الحياة تدريجياً بأشكالها وألوانها حسب معطيات الواقع الجديد، لقد تاه مَن يعتقد بأن الحياة سوف تعود كما كانت ما قبل الحرب ويعطي اللوم على الآخرين بأنهم لا يفهمونه، ويتهمهم بالتقصير بأنهم خذلوه في مساندته في الحرب، ويعطي إشارات الخذلان بشكل مباشر أو عن طريق المقربين أو عن طريق توصيل رسائل مبطنة.
إن نتائج الحرب التدميرية تتطلب إعادة إعمار جديدة، لكن الفكرة أيُّ إعمار وإصلاح وبناء؟
إننا بحاجةٍ إلى إعادة بناء نفسي، وتحرير فكريّ، ورقي ثقافي، وتأهيل تربوي، وتقويم سلوكي، وتهذيب اجتماعي، وإصلاح قانوني وسياسي وإداري للإنسان ما بعد الحرب قبل أن يكون إعمار لوجستيًا ماديًا للمنازل أو للمؤسسات أو البنية التحتية للمدن، ومشكلات جديدة معاناة متجددة غير الذي عشناها في الحرب بأشكالها المختلفة، وبألوانها المتنوعة ومشكلات مضاعفة أو مستكملة وتابعة على مشكلات أثناء الحرب، لقد عملت الحرب أزمات متراكمة وصنعت سلسلة من حلقات قوية من الأزمات المتداخلة المركبة، يصعب حلها بشكل منفصل عن بعض، بل يمكن حلها ومواجهاتها سلسلة سلسلة، وهذا يحتاج جهدًا كبيرًا وزمنًا طويلًا وصبرًا جميلًا، ومن هذه الأزمات أزمة توفير السلع الأساسية ونقص الحاجات الغذائية، وصعوبة توفير مياه صالحة للشرب، وصعوبة تقديم الخدمات الصحية عبر المستشفيات والمراكز الطبية، والتعليم في المدارس والجامعات وكل مؤسسات التعليم، وعدم توفير التيار الكهربائي، وإعادة التخطيط العمراني وبنائه والبنية التحتية، وأزمة المشاريع الاقتصادية، وتهديد النظام الاجتماعي وتركيباته المبعثرة وتكويناته الضعيفة، كل الأنظمة التي من الممكن تنظيم حياة الناس وضبط علاقاتهم في حالة انهيار من الحاكم ومن المحكوم، من القاتل ومن المقتول.
لقد عشنا الحرب من ألفه إلى يائه وشعرنا بأن الكارثة واسعة النطاق وأكبر من حجم إمكاناتنا، لذلك علينا التحلي بالصبر والإرادة القوية والنفس الطويل والأمل المستمر في إدارة بناء مستقبلنا دون حروب مميتة، لقد عشنا فواجع الحرب التي ستلازمنا إلى يوم القيامة، وندعو الله ألا تتكرر مرة أخرى، وأن يكون وعيًا جديدًا مختلفًا للتخلص من الفكر الأحادي، والانتقال لمرحلة التنوع الفكري، وبناء العلاقات الاجتماعية التي مزقتها الحرب وفرض سيادة سلطات إنفاذ القانون.
كاتب رأي