—— ماذا لو ؟ ——

يعوّل المسؤولون في السياسات التربوية على المعلم في إصلاح التعليم ، بل والكثير من العامة يلقي اللوم على المعلم في ضعف المخرجات التعليمية، وكثيرا ما يردد التربويون بأن الأثافي ( الأثافي هي الحجارة التي يستوي عليها القدر فوق الموقد) الثلاثة التي تقوم عليها العملية التعليمية هي المعلم والمتعلم والمنهج الدراسي، وأن أساس التعلم الجيد معلم متمكن يُحكم السيطرة على المنهج والمتعلم؛ ولكني ومن خلال تجربتي الميدانية في مجال التعليم أقول ( دعوا المعلم وشأنه)، وكفاكم تحميله وزر إخفاقات السياسات التعليمية والتعاميم العشوائية ، فكل جديد من المستحدثات التعليمية والتنظيمية يتم إرسالها للمعلم ليقوم بتنفيذها على أكمل وجه؛ وإلا سيتم محاسبته على ذلك؛ بالرغم من أن أكثر هذه المطالب يصعب تطبيقها على أرض الواقع، وبعضها لاجدوى منه في تحصيل المتعلم؛ بل أغلبها مرهق للمعلم والطالب وأولياء الأمور.
وبالإضافة لذلك فقد أثبتت الدراسات البحثية بأن التعلم الموجه ذاتيا أقوى وأثبت أثرا من التعلم غير الموجه ذاتيا، وأنه لكي تحصل عملية تعلم بشكل صحيح فإنه لابد من وجود ثلاثة أركان رئيسية هي: المتعلم ،والدافعية للتعلم، ومصادر التعلم، ولعل الواقع لكل متبصر يثبت صحة هذا الإدعاء ، فعندما يريد الشخص أن يتعلم شيئا جديدا لابد أن يكون لديه رغبة قوية في تعلم ذلك، ومن ثم يبحث عن مصادر التعلم المتاحة له كالكتب والمواقع الإلكترونية، وكذلك الأقران الذين يعتبرون مصدر قوي للتعلم، والمعلم في هذا الإطار يعد أحد هذه المصادر فدوره في عملية التعليم لا يخرج عن التوجيه والإرشاد للمتعلم ، ومد يد المساعدة له، وللأسف فالمسؤولون في التعليم تركوا المتعلم ودافعيته وتوفير المصادر المختلفة له، وركزوا على المعلم في حل هذه المعضلة، بل وأرهقوا الطلاب بأيام دراسية كثيرة تجعل دافعيتهم للتعلم تضعف، والشغف لديهم يضمحل.
وفي هذا الصدد كان لابد من طرح تساؤل للتأمل والتفكر ( ماذا لو؟) ماذا لو كانت المناهج لدينا قوية وثرية بالمادة العلمية المحدّثة، ومنظّمة بطريقة واضحة؟، وماذا لو كانت أساليب التقويم محكّمة ومركزية تصدرها هيئة تقويم التعليم بالاشتراك مع المعلمين كأصحاب قرار يتم من خلالها وضع أسئلة متنوعة بين الموضوعية والمقالية لكل نهاية مرحلة دراسية؟، وماذا لو فُتح المجال للطلاب للبحث عن المعرفة المتنوعة من خلال توفير بيئة معرفية جاذبة مزودة بأحدث طرق البحث العلمية، وماذا لو تُرك المعلمون ليمارسوا مهامهم الروتينية بدون ضغوطات تستنزف وقتهم وصحتهم، والعمل على تطويرهم مهنيا وشخصيا، ووضع حوافز مادية للمتميزين منهم؟.
هذا التساؤل ما هو إلا دعوة للتأمل وإعادة النظر في حال التعليم اليوم، ولعله ينير الطريق لإصلاح التعليم.
د. غادة بنت علي القحطاني