كُتاب الرأي

ماذا سيخسر العالم برحيلك ؟!

ماذا   سيخسر   العالم   برحيلك ؟!

حقيقة  حياة  الإنسان  في  الحياة  الدنيا   أنها  محطة  كبرى   يمر   فيها الإنسان  على  مراحل  مختلفة ومتباينة  !  وينتقل     فيها   من  طور   إلى  طور آخر  ؛  هو  أكمل وأفضل وأحسن  وأرقى   من  الأطوار  التي  قبله !  وهو  في  كل  الأطوار   والمراحل   يزداد  معارفاً ومعلومات  ومهارات  وقيماً  !  وتزداد  القدرات   والطاقات والمواهب والملكات  العالية   فيه  على  التصور  والتخيل  لحقائق  محطة  الدنيا  ، وحقائق المحطات  والمراحل المختلفة  الأخرى  !
وتمر   مرحلة  الحمل  بالإنسان  دون  أن  يشعر   بها   عند   ولادته  ودخوله  إلى  عالم  الدنيا  الواسع  الكبير  مقارنة   بما  كان  عليه  في بطن  أمه  ! وينمو  ويكبر  ويمتلئ    قوة  إثر   قوة  !  وطاقة  إثر  طاقة ! ويمتلك  مع  طول  الأمد  عليه  في محطة الدنيا  الكبرى  ؛  الحواس  الستة ؛ من  الأسماع   والأبصار واللمس  والشم  والذوق  وحاسة  العقل  السليم  والإدراك  !
ويعيش الإنسان   في  طول  الدنيا  وعرضها  ،  ما  بين جبالها  وسهولها وأوديتها ! وما  بين صحرائها  وقفارها  وبيدها   !  وما  بين  سواحل بحارها وانهارها  ومحيطاتها المختلفة  !  وبين  مدنها  وقراها  وأريافها  !  وهو  يعمل  ويكدح  ، ويعبد  الإله العظيم  ويسعى  في  إعمار   الأرض  في تضاريسها  المختلفة والمتباينة  ! ويترك   فيها   الآثار  الطيبة الجميلة الحسنة  والمعالم  العظيمة والكبيرة  !
بعد  هذا  التطواف  في الأرض  !  وبعد  تلك المراحل  والمحطات في التجوال  في   محطة  الدنيا  الكبرى  ! يؤذن   له  بالرحيل  منها  !  ومغادرتها  ليلاً  أو  نهاراً  !  شاء   ذلك   أم   أبى  !
يأتي  الأمر  العظيم   من والله  تعالى   إلى  ملك  الموت  وأعوانه  من  الملائكة الأطهار   أن  اقبضوا   روح  عبدي   فلاناً !  فتبادر  الملائكة الأطهار  بقيادة   ملك  الموت   الموكل  بقبض  الأرواح  بتنفيذ  قضاء الله  تعالى   وقدره   ؛  ويسلم   العبد  لذلك   ، وتكون  روحه   في  قبضته   في  ساعة  من ليل  أو   نهار  ! وتذهب بها  الملائكة  الأطهار  بلا   رجعة إلى  محطة كبرى   عالم  الآخرة بداية  بعالم  البرزخ  وهما  أكبر   من  محطة الدنيا  الكبرى !
يعيش  الإنسان  على  كوكب الأرض الجميل  العمر  والوقت  الذي  أذن الله تعالى   له  به  !  سواء   كان  ذلك  بمقياس  الناس  له طويلاً  أم  قصيراً !فهو  المسؤول  بين يدي  الله تعالى  عن حسن  عبادة الله  تعالى  وإعمار  وعمارة  كوكب الأرض الجميل  !  مادياً  ومعنوياً ! .
الإعمار  في كوكب الأرض الجميل  بالعلم والمعرفة والقراءة والكتابة والإنتاجية البديعة ونشرها بين  الناس  وحراستها ! وحراسة   القيم والمبادىء والأخلاق الرفيعة العالية والعدل والإنصاف  بين الناس جميعاً ! وتمدين المدن  !  وتعبيد   الطرق ! والتسهيل  على  الناس  في  ذلك  ! وصناعة الواحات  والجنات  والبساتين الغنّاء  وتحويل الصحاري والقفار إلى  الجنان  الوارفة   ،  والقنوات  المائية   الجميلة   ، وبناء  المدن  الظاهرة  الجميلة  في كل  مكان  في  الأرض  ! وتحويل الأرض  حقيقة إلى جنان غناء  !  وقصور   فارهة  ! ومساكن   طيبة !
فلا  يأتي  موعد  الرحيل  من كوكب الأرض الجميل   إلا  وقد  ترك  الإنسان  المآثر   والآثار في  كل  بيئات   الأرض الكثيرة والكبيرة !
ويحق  للسائل  أن  يسأل  نفسه  العظيمة والكبيرة  !  ماذا  سيخسر  العالم   بعد   رحيلي   منه  ؟!  ماذا  سيحدث  للعالم  ساعة مماتي ؟!
ماذا  سأترك  من  المآثر والآثار   ؟!  ما  الذي  سيذكرني  في هذه الدنيا ؟! ما  البصمة  التي  سأتركها  وهي  تدل  عليّ دائماً ؟!  هل  سيفقدني  أحد من الأهل والأولاد والأقارب والأرحام والأصهار والأحباب والأصدقاء  ؟!  هل  سيستمر   ويدوم    بهم  الحزن  عليّ ؟!   هل  سيذكرني  جيراني وأحبابي  في  المسجد  ؟!  هل  سيبكي  عليّ  من  أحسنت  إليهم ؟!
هل  سيذكرني   أحد  من  الناس   بدعوة  صالحة  طيبة   ؟!
والحقيقة الكبرى   أن  العالم  الكبير   لن يخسر  شيئاً بموت  أي  واحد  من الناس ؛  فالناس  حقيقة   على مدار  الدقائق الساعات في اليوم والليلة   يولدون  ويموتون  ! هؤلاء  يولدون  في هذه  الساعة  المباركة  !  وفي نفس  تلك  الساعات  هؤلاء   يموتون  !  فالآلاف  تولد  الساعة  والآن  والآلاف   كذلك  تموت !
لن يخسر  أهلك و أولادك  شيئاً لأن الذي خلقك وخلقهم  هو الذي سيرزقهم ويوفقهم  ويهديهم ويحفظهم  ويحرسهم !
لن يخسر  بيتك ومنزلك  أحداً  لأنه  سيأتي  من يسكنه ويعمره  من  الناس  !!
أو ربما هدمه  وبناه  على  طراز حديث جديد  !!
لن يخسر  عملك  أحداً  لأنهم  سيوظفون  براتبك  ربما  العشرات ويقومون  بالعمل خير  قيام  !
إن الله تعالى  هو الحي القيوم  والحي الذي  لا  يموت وهو تبارك وتعالى  الذي  يمد  الوجود   بالوجود  ! ويمد  كل المخلوقات والموجودات والكائنات الحية وغير  الحية بالوجود  فإذا  سلب الله تعالى  وجود  مخلوق  هلك وذهب ومات واختفى من  الوجود ! وبقي  الحيّ الذي  لا  يموت  سبحانه وتعالى !
فالعاقل اللبيب  الكيس الفطن  يحرص  على ما  ينفعه  في الدنيا والآخرة  !  ويبذل  الغالي  والنفيس  في  سبيل  ذلك  ! ويكون  شحيحاً بوقته  وماله  وعمره  في  ميادين  اللهو واللعب والغفلة والنسيان والمعصية !
وأن يسعى  ليلاً ونهاراً  وسراً وجهاراً  على  أن  يكون  لديه العمل الحقيقي الذي يغنيه  عن  الناس ! وييسر   الله  تعالى  به  ما  يستطيع  أن يفتح  به أسرة صالحة طيبة مباركة  !  وأن يرزقه الله تعالى  بالذرية الصالحة الكريمة ! وأن يجتهد  في تربيتهم  وتنشئتهم وتعليمهم وجعلهم أولاداً  صالحين مصلحين  بإذن الله تعالى.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قال  الشاعر  العربي  الكبير   :  النابغة  الذبياني
المَرءُ يَأمُلُ أَن يَعيشَ
                 وَطولُ عَيشٍ قَد يَضُرُّه
تَفنى بَشاشَتُهُ وَيَبقى
                    بَعدَ حُلوِ العَيشِ مُرُّه
وَتَخونُهُ الأَيّامُ حَتّى
                        لا يَرى شَيئاً يَسُرُّه
كَم شامِتٍ بي إِن هَلِكتُ
                       وَقائِلٍ  !!    لِلَّهِ دَرُّه!

المصلح والمستشار الأسري

د.  سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

‫2 تعليقات

    1. سعادة الخبيرة والمستشارة الدكتورة
      وداد أحمد عمر باصبرين

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
      بارك الله فيكم ولكم
      شكرا شكرا لكم على اطلاعكم على المقال
      وعلى دعمكم وتحفيزكم لنا .
      جزاكم الله تعالى عنا خيرا …
      وإلى الأمام دائما وابدا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى