كُتاب الرأي

ماذا بعد حرب غزة ؟

 

دمر ماسمي بطوفان الأقصى كل شيء في غزة ، الحجر والشجر والبشر ، دمرت الحرب غزة واقتصادها وحضارتها وبنيانها ومستشفياتها وطرقها وناسها وكل شيء فيها حتى السواد الأعظم من أنفاقها التي لازال بعض قادة حماس يتمترسون فيها اعتقاداً منهم أنهم بعيدون عن الاستهدافات الاسرائيلية وهم ليس كذلك.

حيث ستتم ملاحقتهم من قِبَل الموساد وأجهزة الأمن والمخابرات في اسرائيل وليس لهم مفر من ذلك ، بدون شك أن قادة حماس الآن يعضون أصابع الندم على طوفان الأقصى ومن دبر لهم هذه المكيدة العسكرية السياسية ، التي اعتقد أن نظامي طهران واسرائيل هما من ورطاهما فيها ، وهما كذلك المنسقان لها ، ولكن يأبى قادة حماس الاعتراف بذلك في الوقت الراهن .
لن تقف اسرائيل عند هذا الحد من التدمير بل ستفرض كل شروطها في كيفية الوضع الجديد في غزة ، بل وربما الضفة ، وكانت كلتاهما أي غزة والضفة على مشارف الاعتراف بهما كدولة مع إعادة القدس الشرقية كعاصمة لدولتهم وإعادة المعابر والطرق التي كانت تفصل بينهما لتصبح أرض وسلطة وبشر ، ولكن حماس رفضت وتعاملت مع إيران ونفذت مخطط طهران .
بالطبع كانت ( حماس ) ضد جهود المملكة الرامية لتحقيق الحلم الفلسطيني الذي أجهضته للأسف هي وقادتها في قطر وإيران .
اليوم نسمع أن هناك لقاءات وترتيبات من أمريكا لإعادة إعمار غزة قد تكون في الإمارات أو مصر أو أمريكا نفسها ، وهو جهد تشكر عليه هذه الدول التي ستقوم به والتي ستغيب عنها أغلب الدول العربية ، وستكون المملكة إحدى هذه الدول المساهمة بل أهمها من حيث هذا الاتجاه .
ولكن الجميع يتسآل عن الكيفية التي ستنفذ بها هذه الجهود من نواحي كثيرة ؟ وهل ستكون اسرائيل مشاركة أي مسئولة عن ذلك التدمير الذي أوصل غزة لهذه الصورة التي أُعيدت فيها للعصر القديم ؟
بل أبعد من ذلك ، أقصد مسؤوليتها المادية والإنسانية ، كإفتراض أمني واستخباري هي ستكون مع أو حول إعادة الإعمار لتعرف كل الدهاليز الجديدة وستفرض شروطها في كيفية إعادة التعمير من مباني وشوارع وووووو ..الخ ، وكيفية الوصول لها بطريقتهم الخاصة أي الاسرائيليين والحديث يطول في هذا الجانب .
المهم لدينا نحن في المملكة ودول الخليج هو كيفية المساهمة في إعادة تعمير غزة ؟وماهي الطريقة التي سننطلق منها ؟.
يعرف الجميع أن المملكة بَنَتْ المستشفيات ، ومهدت الطرق ، وبَنَتْ مدن في غزة وأعطت الغزاويين بدون حساب خلاف مايقدمه مواطني هذه الدولة من مساعدات في كل مناسبة توجه بها الدولة يحفظها الله، وكل ذلك للأسف أو بعضه ذهب لتحقيق نزوات قادة حماس ومراهقتهم السياسية ، وارتباطاتهم مع إيران وبعض الأنظمة العربية التي أودت بهم للتهلكة.
والسؤال هنا ماهي الضمانات التي ستقدم للدول المانحة ومنها المملكة في منع إعادة مثل هذه التصرفات الغير مسؤولة من حماس وغيرها وربما السلطة التشريعية في يوم ٍمن الأيام ؟
ثم من هي الجهة التي ستتولى إعادة الإعمار وهذا سؤال كبير ويحتاج لعدة مقالات لتفنيده.
ومن ذلك ستخرج أسئلة أخرى ولعل أهمها هو ماترغبه وما ستسعى حماس نفسها لتحقيقه من مكاسب مالية تذهب لجيوب وأرصدة قادتها في الخارج ، الذين تحدثوا منذ بداية ماسموه بطوفانهم عن إعادة التعمير لغزة وكأنهم يحبذون إعادة ملء أرصدتهم في الخارج من هذه المساعدات ، دون النظر أو تحمل المسئولية فيما أوصلوه لغزة وأهاليها من عوز وقتل وتدمير .
نعم الخشية هنا أن تذهب هذه المساعدات المخصصة لإعادة إعمار غزة أو بعضها لجيوب قادة حماس والجهاد الإسلامي وربما تصل لزمرة في حزبه في لبنان أو غيرهم من المحسوبين على هذه الحركة وغيرها وينفذون أوامرها .
إذاً أمام هذه الدول التي قد تساهم في إعادة الإعمار مسئولية إنسانية واجتماعية ،وتربوية وميدانية ،وتطويرية ،
وسياسية ،وإشرافية وطبية ،لتحقق الهدف المنشود لهذه الدول التي ستقدم أموال إعادة التعمير ولتضع أمامها ونصب أعينها الهدف الحقيقي من تقديم هذه المساعدات ، وتشرف على كل ريال أو دولار يذهب لغزة والمكان الذي وضع فيه .
وكل شيء بحساب وأن لاتتواكل على مؤسسات الأمم المتحدة التي قد لاتكون واعية ومتصرفة في كيفية التنفيذ ، حيث ستوكل ذلك لشركات مرتبطة بقادة ونظام حماس ،أو حتى اسرائيل وهذا بالتالي سيخلق تقصيراً في التنفيذ ، وتسرب الأموال لحركة حماس وقادتها وغيرهم ، وبالتالي يخسر المواطن الغزي ويحصل على أقل مما كان متوقعاً من هذه الدول التي سيكون حسن الظن لديها كبيراً في الجهات المنفذة لمشاريع إعادة الإعمار ، وهي ستخسر أيضاً مساعداتها وأموالها تلك .
لابد أن يكون الإشراف قريباً من لجان أو مؤسسات كل دولة ستساهم في هذا الشأن ، وأن يكون الدفع أي تسليم الأموال على مراحل ترتبط بالتنفيذ ، أي شريطة تنفيذ كل جزء والمحاسبة لكل صغيرة وكبيرة لمنع استشراء الفساد وتهويل المصروفات وضياع تلك المساهمات من أجل الوصول للهدف المراد تحقيقه.
بالطبع الأمر أيضاً لن يخلو من وضع تعهدات قوية على كل منفِّذ سواء كان شركة أو مؤسسة أو صاحب عمل حول كيفية الاستلام والتسليم ، وأن تكون هناك اجتماعات ،ولقاءات وحماية للجهات المسئولة عن مراقبة الإعمار في غزة ، وتكون اجتماعاتهم ونقاشاتهم ومحاسبتهم بعيدة عن غزة أيضاً والضفة واسرائيل لتكون أكثر شفافية ، والأهم فيها أن لاتذهب لقادة حماس الذين لايُستبعد أن من أهداف طوفانهم المشئوم هو الاستحواذ على أموال إعادة تعمير غزة.

اللواء/ محمد سعد الربيعي
كاتب رأى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى