الخامس والتسعون… قصيدةٌ من عبق التاريخ

الخامس والتسعون… قصيدةٌ من عبق التاريخ
هنا… حيثُ ينهضُ الصباحُ من رائحةِ التاريخ، وتُفَرشُ الأرضُ خُضرةً في حضرةِ علمٍ أخضر، وحيثُ تتآلفُ القلوبُ على نبضٍ واحد، يجيءُ اليومُ الوطني الخامسُ والتسعون، لا كرقمٍ في تقويمٍ يذوب، بل كقصيدةٍ تُتلى في مسامعِ الكون، فيرتجفُ فخراً، وتخشعُ الأرضُ مهابة.
لقد كُتِبَ تاريخُ المملكة لا بالحبر، ولا بالسطور، بل بدماءٍ طاهرةٍ سقت رمالَها، وبسواعدٍ بنت، وبإرادةٍ صنعت من المستحيل واقعاً، وحين يمرّ هذا اليوم، لا يمرّ علينا، بل يمرّ من خلالنا: يوقظُ ما فينا من عزة، ويُذكّرنا أنّنا لسنا أبناء صُدفة، بل أبناءُ عهدٍ وميثاق.
السعودية… ليست وطناً فحسب؛ هي القصيدةُ التي لا تُشبِهُها القصائد، هي النخلةُ التي أبت أن تنحني للعاصفة، هي الجبلُ الذي يعرفُ كيف يُحادثُ السماء.
إنّها وطنٌ حمل على كتفيه قِممَ المجد، وفتح على أبنائه أبوابَ الغد، وطنٌ إذا نطقتَ باسمه، تناثرَ المجدُ من حروفك كما تتناثرُ النجومُ في فضاءٍ لا ينطفئ.
في هذا اليوم، تُصبح الأرواحُ حناجر تهتف بالعهد: أن يبقى المجدُ أخضرَ، أن يبقى الولاءُ أبدياً، أن تبقى المملكةُ بيتاً لا يسقطُ سقفه مهما عصفت الرياح. إنّ الخامس والتسعين ليس ذكرى، بل هو يقينٌ بأنّ هذا الوطنَ كلما طالَ به العُمر، ازداد شباباً، وكلما توالت عليه الأعوام، ازداد ازدهاراً.
فلْنرفع رؤوسنا كما رفعها المؤسسُ عبد العزيز، ولْنمدّ أيدينا كما مدّها الأبطال من بعده، ولْنصغِ السمعَ لصوت الأرضِ وهي تقول: “هنا المملكة، هنا المجد، هنا البداية التي لا نهاية لها.”
أيها الوطنُ المهيب، أيها النشيدُ الذي يتردّد في حناجرنا جيلاً بعد جيل، ها نحنُ نُجدّد لك العهد، ونُعلن أمام العالم أنّك لست مجرد حدودٍ وجغرافيا، بل روحٌ تُقيمُ فينا، وسماءٌ تُظلّلنا، وأرضٌ تعلّمنا كيف تكونُ الكرامةُ حياةً والموتُ دونها شهادة.
ستبقى السعوديةُ منارةً في قلب العالم، وصوتاً في صمتِ الأمم، ونشيداً لا يخبو، ما دام فينا نفسٌ يتردد، وقلبٌ يخفق، ويدٌ تكتب: عاشت المملكة أبداً خضراء، وعاش اليوم الوطني ملحمةً لا تُنسى.
د. دخيل الله عيضه الحارثي