كُتاب الرأي

لن تهز بعوضة أركان أمتنا

لن تهز بعوضة أركان أمتنا

محمد الفريدي

في عالم مثقل بالصراعات والأوهام، تبقى حقيقة واحدة جلية لكل ذي عقل: إسرائيل ليست أكثر من بعوضة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. نعم، بعوضة؛ صغيرة الحجم، مزعجة، لكنها قادرة على اللدغ بألم متكرر ونقل الأذى إلى كل من يقترب منها. منذ عقود، نراها تتباهى بقوتها العسكرية والنووية، وتدّعي التفوق والتأثير، وتوهمنا بأنها قادرة على إحراق العالم العربي، والخروج من محارقه بسلام، وإقامة حلمها بإسرائيل الكبرى، وما علمت أنها سنحوّله لها إلى كابوس مزعج.

كم مرة تعرّضت أمتُنا العربية لاعتداءات مباشرة، فكان ردُّها حكيما، متأنّيا، ومحسوبا؟ وفي المقابل، تستغل إسرائيل — بوقاحتها المعهودة — الفرص لتسخر منا، وتشنّع علينا، وتضحك على كل محاولات صبرنا وتسامحنا. واليوم سنخلطُ زبدَ الغاضبينَ برذاذِ الضاحكينَ، لنصنع من امتزاجهما صرخة توقظ الغافلين، وتكشف حقيقةَ من يعبث بكرامتنا ويستهين بصبرنا.

الطريف أن بعض العرب صدّقوا أكاذيب دولة إسرائيل، فظنّوا أن جيشها و”الفيتو” الأمريكي يمنحانها قوة حقيقية، وأن تل أبيب قادرة على ترويضنا وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وصناعة الثورات وتغيير أنظمتنا. حتى تخيّلوا أن مجرد إشارة من رئيس وزرائها المعتوه كفيلة بتحريك مئات الآلاف في شوارعنا وإرعابنا. فامتزج المديح الكاذب بالخيال المريض لنتنياهو ليصنع أسطورة وهمية حوله، وهو في الحقيقة مجرم حرب حقير لا وزن له، لا يتباهى إلا بالقتل والغدر، ولم يقدّم للعالم غيرهما قط. يُباع ويُشترى على دكّة الكونغرس بأرخص الأسعار، كبطل فاشل في مسرحية عبثية يضحك لها التاريخ قبل أن يطويها النسيان.

وها هي الحقيقة تسقط أقنعتها أمام العالم بلا رتوش: إسرائيل لم تقدّم شيئا ذا قيمة حقيقية للعالم، ولا تملك أي مشروع يخدم الإنسانية، لأنها تدرك حقيقتها: مجرد بعوضة، لا يتجاوز دورها إثارة الضوضاء والفوضى في الشرق الأوسط، وتعجز عن تحسين صورتها أو تطبيع علاقتها معنا.

من المؤسف أن هذه البعوضة لم تأتِ وحدها؛ فقد دمّرت مع أمريكا وأوروبا القوى العربية التي كانت قادرة على مواجهتها أو الدفاع عن نفسها: ليبيا ذُبحت، والعراق دُمّر، وسورية دُمّرت، ولبنان واليمن والسودان مزّقها التقسيم، وفلسطين قُسِّمت بين “فتح” و”حماس” اللتين ضُحِكَ على غبائهما فيلقُ الكذب المكدّس الإيراني. هذا الكائن الصغير ـ الإسرائيلي ـ منذ أن مُنح فلسطين أرضا له، نقل الملاريا إلى جسد الأمة العربية، وما زال يعضّها عبر خرطومه الإعلامي والعسكري، ويحقن دماءنا بالتخلّف، والكراهية، والحقد، والغباء.

لا يمكن تخيّل حجم الخراب الذي تسببت فيه دويلة لا تكاد تُرى على الخريطة إلا عبر إعلامها وتآمراتها الخفية؟ فعلى مدى عقود، لم تُنتج إسرائيل سوى الفوضى، وإشعال الانقسامات، وزرع الأحقاد بين أبناء الأمة، مدّعية أنها دولة تستحق الاحترام والاتباع. والحقيقة أنها كيان هش، أشبه بحشرة تنقل الأمراض، لا يجرؤ على خوض مواجهة حقيقية دون مظلة الحماية الأميركية. فهي تدرك تماما أن أي رد فعل يتجاوز الخطوط الحمراء قد يكون بداية النهاية لوجودها الزائف.

لكنّ الاستهزاء بهذه البعوضة لا يعني أن نتجاهل خطرها؛ فإسرائيل لم تترك وسيلة إلا سخّرتها للتلاعب بالسياسة وبثّ الفتن، فكان لها أثرها على أرضنا العربية بالمؤامرات والدسائس، حتى أوهمت بعض البسطاء بقدرتها على مواجهة أي قوة عربية. غير أن ساعة الحقيقة كفيلة بفضحها؛ فتل أبيب أوهن من بيت العنكبوت، وما عربدتها في المنطقة وصخبها الإعلامي إلا دخانٌ كثيف يخفي وراءه ضعفا مزمنا وعجزا متجذرا، سرعان ما يتبددان أمام أول مواجهة صادقة مع الشعوب العربية.

رغم ما نشهده من أحداث مؤلمة في فلسطين، فإننا أمام مشهد ساخر ومؤلم في الوقت ذاته يكشف حقيقة لا تقبل الشك: إسرائيل ليست قوة حقيقية، ولا دولة محورية، ولا زعيمة للشرق الأوسط. إنها مجرد بعوضة صغيرة، مزعجة، قاتلة أحيانا، لكنها بلا وزن ولا قدرة على مواجهة حقيقية مع شعوب المنطقة.

كل ما تدّعيه إسرائيل من نفوذ سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو عسكري ليس سوى فقاعة، زبد على وجه ماء. وكل ما نراه من مساندة ومدائح لها، ومبالغات وخطابات نارية في الأمم المتحدة والإعلام الغربي والإسرائيلي، لم يكن إلا محاولة يائسة لطمس حقيقة هذه الدويلة الهمجية، التي لا تملك من القوة إلا ما تدعمه بها أمريكا ورئيسها، وما تبثّه من أوهام وكذب إعلامي وفوضى بين العرب والمسلمين منذ زمن بعيد.

كل صخبها وزيفها الإعلامي لن يغيّرا الواقع؛ فإسرائيل ستظل في نظرنا مجرد وهم هش ينهار عند أول مواجهة حقيقية معنا.

ولذلك، أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الوطنيون: لا تنتظروا من البعوضة الإسرائيلية خيرا، فهي لن تفعل. ولا تتوقعوا سلاما من رئيس وزرائها الذي يهددنا من على منصة الأمم المتحدة، أو من كنيستها، أو من مؤتمراتها وأصدقائها، فالواقع يثبت أن هذه الدولة العنصرية المارقة المتعجرفة المتطرفة ليست سوى أداة لقتل الأمل العربي، وبث الفوضى، وإلهائنا عن قضايانا الحقيقية. عليكم أن تبنوا قوتكم بأنفسكم، وتتوحّدوا حول دولكم وقضاياكم المصيرية، وتعملوا بعزيمة وإصرار من أجل حماية أراضكم، واستعادة كرامتكم، وصيانة حقوق أمتكم قبل فوات الأوان.

ومع كل هذا، يبقى الأمل قائما رغم كل ما حدث ويحدث؛ فسيأتي يوم تنهض فيه الشعوب العربية، وتنكشف فيه الأساطير التلمودية، لتسقط شرعية إسرائيل المزعومة، دولة عاجزة عن حماية نفسها أو تبرير تجاوزاتها. وحينها يتجلى الحق واضحا، وتعود العدالة لأصحابها، ليس من أجل فلسطين وحدها، بل لكسر دائرة الخداع والاضطراب في المنطقة كلها.

الحقيقة أن إسرائيل مجرد وهم من الاستبداد والأكاذيب؛ لا زعامة حقيقية ولا قوة فعلية، إنما بعوضة تنهش جسد الأمة بدعم أمريكي، وتنشر أوهامها عبر إعلام مزخرف وقوة عسكرية وإن بطشت محدودة.

الدرس واضح: لا تنخدعوا بمظاهر إسرائيل ولا بأكاذيبها؛ فهي قوة وهمية لم يبقَ منها سوى حشرات سياسية وعسكرية تنشر المرض والفساد، وتخلّف الألم في العالم العربي الذي لن ينسى جرائمها.

إن الحديث عن إسرائيل كبعوضة ليس مجرد تشبيه عابر، بل هو حقيقة مكشوفة لكل من يعرف التاريخ. هذه الدولة الصغيرة، المهووسة بالسيطرة والتوسع وحلم “إسرائيل الكبرى”، لم تفعل شيئا سوى استغلال الفراغ العربي لصالحها. كل دولة عربية انهارت، وكل مقاومة عربية دُمّرت، وكل شعب عربي أُضعف، كانت إسرائيل هناك تستثمر في الفوضى وتزيد من تغلغلها. لقد حوّلت كل انقسام، وكل صراع، وكل ضعف، إلى فرصة لتعزيز وجودها، لكن دون أن تواجه أي تهديد جدي من أصحاب الأرض الحقيقيين.

إسرائيل صنعت من أساطيرها الإعلامية: جيشا لا يُقهر، وقوة لا تُهزم، وآلة حربية تمتد في كل مكان، لكنها في الواقع مجرد وهم كبير. كل هجوم على غزة والضفة، وكل حرب على لبنان، وكل تدخل في سورية، وكل تهديد للشعوب العربية، لم يكن سوى محاولة لرفع أسهمها الإعلامية، لا أكثر. أما على الأرض، فهي لا تزال في نظر الغرب بعوضة تتنقل من مكان إلى آخر؛ تلدغ، وتسبب الألم، ثم تختفي قبل أن يتحرك أحد لمواجهتها. فيما تستثمر أمريكا تلك اللدغات لصالحها ولصالح اليهود.

ومن المفارقات المُرّة أن بعض العرب ما زالوا يصدقون هذه الأسطورة؛ إذ يظنون أن تل أبيب زعيمة الشرق الأوسط، وأن قراراتها وجنرالاتها يرسمون خرائط السياسة العالمية. ويتابعون، بعيون مفتوحة وقلوب واجفة، كل حركة تصدر عن إسرائيل، متوهمين أنها قوة عظمى مؤثرة، بينما الحقيقة أنها بلا وزن حقيقي ولا تأثير ذاتي مستقل.

فكل ما تملكه لا يتعدى إعلاما مضلِّلا يضخ الأوهام، وتحالفات مشبوهة تُدار من عواصم غربية، واستغلالا دائما لانقساماتنا العربية التي تمدّها بعمر إضافي في المنطقة. ولو أننا وحّدنا صفوفنا وتجاوزنا خلافاتنا، لأصبحت هذه الدويلة منذ زمن بعيد مجرّد صفحة عابرة في كتاب التاريخ، تُذكر كظاهرة استثنائية عاشت بيننا على صناعة الرعب والخوف أكثر مما عاشت على امتلاك القوة.

والأدهى من ذلك أن إسرائيل نجحت في تحويل جزء من فكرها التلمودي إلى بعبع دائم يخيفنا، وخوف مستمر، ووهمِ انتصار لن يتحقق أبدا. لقد كانت شعوبنا العربية، ولا تزال، عُرضة للغسيل الإعلامي الصهيوني وللتضليل الفكري الممنهج، فيما تواصل إسرائيل نشر أوهامها على الدوام، وتستثمر ضعفنا لتعزيز نفسها وإظهار قوتها.

ومع كل هذه الحقائق، يبقى الدرس النهائي لكل عربي: لا تنتظروا من البعوضة الإسرائيلية شرفا، ولا نبلا، ولا فعلا يستحق الاحترام. لا تغترّوا بمظاهر قوتها، ولا تصدّقوا وعودها الإعلامية أو أوهامها التاريخية. فالقوة الحقيقية لا تنبع من التهديدات ولا من الدعاية الكاذبة، بل من القرار الشجاع، ومن الوحدة، ومن إرادة الشعوب نفسها.

إسرائيل ستظلّ البعوضة المزعجة والقاتلة، العاجزة عن مواجهة الحقيقة. أمّا الشعوب العربية، فإذا اجتمعت، وتوقّفت عن الانغماس في أكاذيبها، فإنها قادرة على قلب الطاولة، ومحاصرتها، وإزاحة الوهم عن أعينها، واستعادة كرامتها المهدورة.

إن فهم هذا الواقع هو مفتاح نجاتنا، لكن علينا أن نرى إسرائيل كما هي، وأن نعرف حدودها، وألا نسمح لأي أسطورة تلمودية أن تضلّلنا. فالبعوضة الإسرائيلية لن تصنع من عجرفتها قوة تهزمنا، ولن تحميها أمريكا ولا أسلحتها، ولن تمنحها شيئا سوى الوهم. أمّا الدرس الأكبر، فهو أن الطريق إلى مواجهتها لا يمر عبر الانتظار أو الخوف، بل عبر المعرفة، والوحدة، والشجاعة التي تصنعها شعوب المنطقة.

الوعي الحقيقي سلاح القوة؛ فمن يعرف العدو ويكشف أوهامه يكون مستعدا لمواجهته بلا خوف. القوة الحقيقية تكمن في وحدة الشعوب وإرادتها وعزيمتها على المواجهة، وإسرائيل، مهما طال وجودها، عاجزة عن الهيمنة على الشرق الأوسط، وستنهار أمام شعوب المنطقة التي تعرف حقيقتها وتسعى لاستعادة كرامتها ومكانتها.

كاتب رأي

محمد الفريدي

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى