كُتاب الرأي

يوم المعلم، تكريم يجب أن يتجاوز الرمزية

يوم المعلم، تكريم يجب أن يتجاوز الرمزية

هناك أمر ما دفعني للكتابة عن يوم المعلم لا أدري ما هو! لكنه إحساس عميق وشعور زاهي بالفخر والاعتزاز بمربي الأجيال، وباني نهضة الأمم، ومعلم الناس الخير، وصانع المعروف بلا مقابل، هكذا انتابني هذا الشعور وخلق داخلي مساحة واسعة من السعادة بأولئك الأنقياء والمخلصين الذين تفانوا في رسالتهم ، وأخلصوا لمهنتهم ، وصبروا على الألم ، وتحملوا أصعب المواقف، وتغلبوا على الصعوبات ، وأطاحوا بكل التحديات في سبيل  تخريج إنسان يستطيع خدمة دينه ووطنه معتمدًا على نفسه مخلصًا لقيادته.
ثم إنه وبعيدًا عن كل الشكليات المزخرفة، أخذني فكري وقلمي نحو مهنتي التي أعشقها منذ أربعة وعشرين عامًا، لم يحدث يومًا أن تغيبت عن عملي قصدًا، أو تعمدت التقصير في واجباتي الوظيفية.
كل ما أعرفه أننا دخلنا هذا الميدان الشريف وقرأنا ميثاقه المغلظ وعملنا به بصورة تتماهى في الإخلاص وعرفنا من خلاله أن رسالة العلم والتربية اقترنت برسالة الأنبياء والرسل (التبليغ )، وعرفنا أن التبليغ أمره ليس سهلاً ، أمره شائك، ومليء بالمخاطرة، والإرهاق،  والتعب ، لكنها رحلة عظيمة تسمو بنا فوق مستوى الإدراك اللحظي إنها رحلة طويلة ينبغي إكرام صاحبها.
لن أسهب كثيرًا في تعداد مثالب المعلمين والمعلمات ، لأنه لن نحصي ثناءً عليهم ، إنما أود تسليط عدسة المجهر على اليوم العالمي للمعلم وكيف أن هذا اليوم يشابه أعياد المسلمين ، نعم إنه  كذلك ما دام يهتم بعظماء التاريخ ، وقضاة الميدان التربوي.
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم بيوم المعلم، مناسبة تتجدد فيها مشاعر الوفاء والتقدير لأولئك الذين حملوا على عاتقهم أعظم رسالة: صناعة الإنسان وبناء الأوطان. غير أن قيمة هذا اليوم لا ينبغي أن تظل حبيسة العبارات الاحتفالية أو الصور الرمزية، يجب أن تتحول إلى منصة حقيقية لمناقشة الحقوق المستحقة للمعلمين، بوصفها أساسًا للعدالة التعليمية وركيزة للتنمية الشاملة.
صديقي القارئ ! أما علمت أن المعلم ليس موظفًا عاديًا!  إنه مربٍّ، وقدوة، وصانع فكر، ومهندس أجيال. ومن هنا، فإن الحقوق التي يطالب بها ليست ترفًا، وإنما ضمان لاستمرارية عطائه وجودة رسالته. وتشمل هذه الحقوق:
الحقوق المالية التي تضمن له حياة كريمة تعكس حجم جهده وأثره. وراتب يكفيه هموم المعيشة ويعفه عن المسألة، ويبعده عن الاستغلال ، ويحفظ له كرامته ، حقًّا وصدقًا لا نريد أن يكون المعلم تحت وطأة الحاجة والاستدانة ، نريد أن يكون كما ينبغي أن تكون مكانته ، مكان يليق بشرف المهنة ، وعلو المكانة وسمو الرسالة، لا نريد شخصًا هامشيًّا نأمل أن ينال الحقوق الاجتماعية المتمثلة في الاعتراف بمكانته، واحترام رسالته السامية.
نريد التدريب المستمر، والتأهيل لمواكبة تحديات العصر، تدريب يطوّر مهاراته بدل أن يبقى أسير التكرار.
فالتدريب والتأهيل الدائم يعد حجر الأساس لبقاء العملية التعليمية حيّة وفاعلة. فالمعلم ليس ناقلاً للمعرفة فحسب، هو متجدّد مع كل جيل، ومرآة لروح العصر. ومع تسارع التطورات العلمية والتقنية، يصبح من الضروري أن يحظى المعلم ببرامج تدريبية وتأهيلية متواصلة تضمن له: تطوير مهاراته التربوية بما يواكب حاجات الطلاب المتغيرة، إتقان أدوات التعليم الحديثة كالوسائط الرقمية والتقنيات التعليمية، وتعزيز قدراته الفكرية والنقدية ليبقى مرجعًا موثوقًا للأجيال وفوق ذلك التكيف مع المناهج المتطورة بدل أن تبقى عبئًا جامدًا كما أن الدعم النفسي والمهني واجب حتمي ليستمر عطاؤه بروح متجددة.
فالمعلم المؤهَّل باستمرار هو المعلم القادر على صناعة طلاب قادرين على المنافسة والإبداع. والتأهيل ليس رفاهية، إنه حق أساسي، كونه يصبّ في مصلحة الطالب والمحيط الخارجي له.
نريد الحقوق الوظيفية القائمة على العدالة في الترقيات، والاستقرار الوظيفي، وحفظ سنوات الخدمة لأنها اعتراف رسمي بجهده المتواصل وضمان لاستقراره الوظيفي وتعزيز للدافعية هذا يعتبر تكريس لمبدأ العدالة والإنصاف في التعامل مع تلك الكائنات المحترقة .
مطالب كثيرة في يوم المعلم العالمي يمكن أن تساهم في توفير بيئة عمل صحية تحترم إنسانيته وتخفف من الضغوط وتمنحه التوازن ؛ فالإنجاز الحقيقي من كل هذا ليس كلمة شكر أو عبارات شكلية إنما إنصاف لمن غرس القيم النبيلة في النفوس، هو لا يريد شكرًا  ! يريد من يشعر به وبما يقدمه ويثمن تعبه واحتراقه من أجل رسالته.
إن يوم المعلم فرصة للتأكيد على أن التكريم الحقيقي لا يكتمل بالاحتفاء وحده، أقول أن التكريم الحقيقي ليس بالاحتفاء إنما بالاستماع لصوته، وتحقيق مطالبه العادلة، وتفعيل سياسات تجعله في خطط التنمية. فبقدر ما نكرم المعلم بحقوقه، نصنع مجتمعًا أكثر وعيًا، ووطنًا أكثر ازدهارًا.
يوم المعلّم ليس مجرد مناسبة عابرة تمر بكلمات الشكر أو بالصور الرمزية. إنه يوم يعيدنا إلى أصل القضية: كيف نعامل من يعلّمنا؟ وهل يجد المعلّم ما يستحقه من تقدير فعلي؟
الاحتفاء الحقيقي ليس بالعبارات، غير ذلك كثير وأكثر مما يتصوره الإنسان! يتعين أن يجد المعلّم صوته مسموع، وأن حقوقه مصانة، وأن رسالته مقدّرة قولاً وفعلاً.
يوم المعلّم لا يجب أن يكون يومًا للاحتفاء بالكلمات ونقف عندها! ، لا أبدًا ! ضروري أن يكون يومًا للمراجعة والمصارحة: هل قدّمنا له ما يستحق؟ وهل أوفينا جزءًا من الدين الذي في أعناقنا تجاهه؟
المعلّم هو أول من يدخل على الأجيال بعلمه وصبره، وآخر من يذكر عندما تُوزَّع الامتيازات. يواجه ضغوطًا يومية، مسؤوليات تربوية، وأعباء متزايدة، ومع ذلك يبقى واقفًا أمام طلابه ليغرس فيهم الأمل والمعرفة. لذلك فإن الحديث عن تكريمه لا يكتمل إلا بالحديث عن حقوقه.
أعتقد أن رسالتي وصلت وبهذه الصورة اكتملت وهكذا انتهى المقال.

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى