كُتاب الرأي

(ترامب وعمائم ايران )

محمد سعد الربيعي

(ترامب وعمائم ايران )

بعد سقوط حكم الشاه في طهران ، وعودة الخميني من منفاه بفرنسا في بداية عام 1979م وايران ترزح تحت حكم آيات طهران أصحاب العمائم السود الذين ولغوا في حكمهم بالدم الايراني عندما نصبوا المشانق في كل بقعة من طهران وقم ومشهد حتى سالت شوارع هذه المدن بدماء الأبرياء الايرانيين أثناء حكم الخميني حينذاك ومن جاء بعده! ، وهم من كانو يعدون من رجال الحكم السابق للشاه ، وكان ابراهيم رئيسي (الرئيس الايراني السابق ) أحد قضاة تلك المجازر التي تشير المعلومات بأنه أصدر إعدامات لأكثر من أربعمائة الف شخص! خلاف القضاة الآخرون .
بعدها مباشرة وفي نهاية شهر سبتمبر من عام 1980 نشبت الحرب العراقية الايرانية نتيجة حقد دفين للخميني ضد صدام حسين عندما قرر الاخير طرده من العراق نتيجة إتفاق وقعه مع الشاه بترحيله من العراق  ودارت تلك الحرب لما يزيد عن ثمان سنوات أُحرق فيها الأخضر واليابس ، والحقت خسائر جسيمة بشرية ومالية كبيرة لكلتا الدولتين وبما يفوق الوصف .
بدأ حكم الملالي بإستحداث إسم الجمهورية الاسلامية الايرانية بدلاً من اسمها السابق مملكة ايران ، وبدأ حكامها الجدد بنشر التشيع ، أو مايسمى المد الشيعي الايراني ، ووجهوا كل ثقل مملكة ايران السابقة ، ومواردها المالية عندما كانت تعد من أغنى دول العالم لتصدير ثورتهم ، ومدهم الشيعي في مختلف أنحاء العالم ، وبدأوا ضمن تدرجات وخطط خمسينية في الإنطلاق إقليمياً ثم دولياً حتى تمكنت هذه الجمهورية الحديثة من نشر تشيعها في أغلب دول أفريقيا ، أفريقيا الوسطى ودول غرب افريقيا ، وكذلك في العديد من دول أسيا ، وخاصة دول شرق أسيا، وإمتد ذلك التشيع لاوربا ، وكندا ، ودول أمريكا اللاتينية ، وصرفت إيران على هذا النشاط اغلب دخلها السنوي التجاري والبترولي وخلافه حتى أن أصبح المواطنيين الايرانيين يقبعون في فقر مدقع ولا زالوا تحت حكم أصحاب العمائم السود بالنار والحديد.
شرعت طهران بعد ذلك وفي خطوط متوازية مع مدها الشيعي بتوظيف أذيال خارجية لها إستطاعت من خلاله إستقطاب العناصر المؤثرة في دولهم ، وإحتوتهم تحت  إغراءات مادية ومالية ومعنوية وتحت ذريعة زواج المتعة ، وتقسيم الخمس حتى أن قويت تلك الأذيال وأصبحت تؤثر في قرارات دولهم كما حدث في لبنان وفلسطين ( غزه) ، والعراق حالياً واليمن ، وسوريا سابقاً ، والعديد من الدول العربية والإقليمية التي وظفت طهران فيها عناصر مؤثرة تأتمر بأمرها في بعض الدول حتى الآن .
لازالت ايران رغم إرخاء رأسها للعاصفة الان تمارس هذا الدور بطريقة (التقية) ، وهي لن تتنازل عنه مهما بلغ من الأمر أو الظروف الدولية التي نشأت بعد ماسُمي بطوفان الأقصى ، رغم تقليم أظافر ايران في بعض الدول التي كانت تزعم احتلال عواصمها.
بعد هذه المقدمة ، وعوداً لبدء ومايحدث في الشرق الأوسط من تغيرات بعد تسلم ترامب لرئاسة أمريكا ، وزيارته للشرق الأوسط ( المملكة وبعض دول الخليج ) التي أبدى فيها الرئيس الأمريكي بعض المرونة مع الموقف الايراني ، وإيقاف الهجوم على شرذمة اليمن الحوثية نتيجة تعهدهم إيقاف إستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر .
وعلى ضوء هذه السيناريوهات المحتملة من الإدارة الإمريكية فالمتوقع من ايران ، وخاصة كما أشرت حول إبداء بعض المرونة في الموقف الأمريكي فإن هناك عدة احتمالات قد تمارسها ايران ، ولعل أهمهما هي المناورة ( المراوغة) التي يجيدها الجانب الايراني ، وإستغلال الوقت في محادثات وهمية تقرب الجانب الأمريكي بُرهة ، وتبعده بُرهات ، واستمرار ايران في ذلك حتى أن تجد لها مخرجاً تحتفظ فيه ببرنامجها في تخصيب اليورانيوم ، وهو مدار المحادثات .
تجيد ايران المرواغة في هذا المجال ، وهي لن تتوانا في الدفع المالي وبحسابات قد لايصدقها الجانب  الأمريكي ! ، وهي تنجح في هذا المجال بإمتياز ولها خبرة في ذلك من خلال محادثات 5+1 أي شراء الذمم بالمال الذي ستدفعه بدون حساب  ! وهذا إحتمال ، والإحتمال الآخر  هو أن تبدي موافقتها على الشروط الإمريكية ، ولكنها لا تتفاعل في تنفيذها بشكل كامل ، أي أن تنفذ جزء وتدعي مثلاً العجز عن تنفيذ بقية الأجزاء من الشروط الأخرى ، وتتماهى في ذلك لتطفيش الجانب الامريكي ، وتربط ذلك مع استغلال الوقت والمراهنة عليه ، وهي تنجح في ذلك .
الإحتمال الأخير هو أن تمتنع ايران من تنفيذ الشروط الامريكية ، وتدعي ان برنامجها هو برنامج مدني وليس عسكري ، وتستخدم في تحقيق ذلك كل أدواتها التمويهية التي هي أيضاً تنجح فيها ، وفي كل هذه الاحتمالات تستخدم عامل الوقت والمراهنة عليه ، وربما يصل الأمر لتغيير الشخصيات التي تمثل وفدها من حين لآخر من أجل إيهام الجانب الامريكي بأن الوفد يرتكب أخطاء تعنتية في مواقفه مع الجانب الامريكي .
 على كل حال لن توقف ايران تخصيب اليورانيوم أو توقيف مايسمى برنامجها النووي  ، وقد تنجح في بناء موقعاً تشبيهياً لموقع برنامجها النووي وتدمره ، وعنئذٍ  تدعي تنفيذ الشروط الامريكية بتضليل المعلومات .
بقي أن نعرف ماهو المتوقع من الجانب الأمريكي ، وهل يصر ترامب على خلع العمائم الإيرانية ، ويدفعها للتغير ، أي يحدث تغيرات جذرية في النظام الايراني ، وخاصة مايتعلق بالسلطة ، لا أعتقد أن ترامب سيصر على الذهاب بعيداً في حربه مع ايران ، وقد أعطت موافقته على ايقاف استهداف الحوثيين بصيص أمل كبير لايران ، بل بدت ايران الان مقتنعةً أن أمريكا لن تحاربها ، وهذه ربما حقيقة ثابتة من خلال تصريحات الرئيس الامريكي الذي يستخدم الآن غصن الزيتون في تعامله مع ايران .
وكحقيقة واقعية فأن ايران لاتزال تمثل الخطر الأكبر في المنطقة ، وهي لن تتنازل عن مبادئها في تصدير الثورة ، وتوظيف الذيول الطويلة والقصيرة ، أي على مستوى العملاء الصغار والكبار ، وستمارس التقية في كل تنفيذ هذه السياسة الإستبدادية من أجل الإحتفاظ بنفوذها إقليمياً ودولياً .
وعلى ضوء ذلك فالمتوقع هو أن تتجاوز ايران هذه العقبة التي قد تعطل تنفيذ برنامجها النووي دون أن توقفه ،وتعود كما كانت بل أقوى من السابق ،خاصة عندما تستطيع التأثير على الجانب الامريكي المتلهف في قيادة ترامب على المال ، وكيفية الحصول عليه ، وهو ماتنجح فيه ايران بدون أن تتأثر داخلياً او خارجياً ، بل ستؤثر من خلال ذلك  على الموقف الامريكي وتتأبطه جنباً ليتم لها تحقيق كل اهدافها المعلنة وغير المعلنة .
وإتساقاً مع ذلك وكخاتمة لهذا المقال فإنه يجب على المملكة أن لاتتوقع تغييراً  في سياسة ايران وتوسعها الإقليمي ودعمها للإرهاب ، بل يجب على المملكة العمل وفق رؤية سيدي ولي العهد في تنفيذ برنامج نووي لتخصيب اليورانيوم ، والمسارعة في ذلك ، ووضع البرنامج الايراني تحت نظر الجهات المعنية دولياً ، ونراقب ( ايران ) حذو القذة بالقذة وذلك هو ماسيعيد نظر ملاليهم من خططهم التوسعية  وتحجيم دورهم في المنطقة   ،،،

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى