العَجَلَةُ رَفِيقَةُ النَّدَامَة
العَجَلَةُ رَفِيقَةُ النَّدَامَة
بدريّة العنزي
حتى لا تجرِّب مرارة الندم، روِّض نفسك ودربها على التأني؛ فهذا ميدان لتتغلب فيه على هوى نفسك. فعندما تستعجل في أمرٍ ما، تذكّر هدفك الأساسي والغاية الجميلة التي تسعى إليها، ولا تلتفت إلى المعيقات التي تعترض طريقك فتُغيّر مسارك. لتكن وجهتك واضحة.
العَجَلَةُ طبيعة في الإنسان، قال تعالى: “وخُلِق الإنسان عجولًا”.
حتى أنبياء الله عانوا منها لينقلوا لنا العِظة؛ منهم أبونا آدم، ويونس، وموسى عليهم السلام، وفي قصصهم عبرة. فمن غلب هوى نفسه وتسرّعها انتصر وظفر.
تذكّر قوله تعالى:
﴿ وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ﴾
قد يكون المنع قمّة العطاء، وفي كل تأخيرةٍ قد تكون الخيرة. فلله في كل أمرٍ حِكمة، فلا تستعجل، لأن كرم الله سيأتي في وقته المناسب حتمًا. يومًا ما ستؤتي ثمارك أُكُلَها، وستحصد ما زرعت.
خطّط لأهدافك في الحياة واسعَ لنيلها، ولا تستعجل النتائج.
ربِّ أطفالك على مكارم الأخلاق، وكن صبورًا، ولا تستعجل النتائج.
عامِل بإحسانٍ شريكَ حياتك، وجارك، وصديقك، وخادمك.
تغافل عن بعض الهفوات، وابدأ بالسلام، وابتسم، ولا تستعجل النتائج.
لا تحكم على إنسانٍ قبل أن تسمع منه، وتضع نفسك مكانه، وتتبيّن من الأمر بنفسك؛ فقد تظلم عزيزًا.
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
ادعُ الله بيقينٍ وثقة، ولا تستعجل النتائج.
اعمل الطاعات، واستغفر كثيرًا، وصلِّ بخشوعٍ وتأنٍ، وصفِّ نيتك.
اعمل الخير في كل أرضٍ تطؤها قدماك، ولا تستعجل النتائج.
قيل:
“إيّاك والعَجَلَة؛ فإن العرب كانت تكنّيها أمَّ الندامة، لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويقطع قبل أن يقدّر، ويحمد قبل أن يجرّب، ويذمّ قبل أن يُخبر، ولن يصحب هذه الصفة أحد إلا صحب الندامة واعتزل السلامة ”.
بسبب العَجَلَة، كم من بيوتٍ هُدِمت، وكم من أرواحٍ أُزهقت، وكم من علاقاتٍ قُطِعت، وكم من مشاريع نافعةٍ أُغلقت!
قبل أن تتكلم، أو تتزوج، أو تسافر، أو تفتح مشروعًا، أو تغلقه، أو تبدأ علاقة، أو تنهيها، فكر وتريّث، واستشر من هو أهل للمشورة، ثم قرر بقناعة، حتى لا تندم في وقتٍ لا ينفع فيه الندم.
شعور الندم شعورٌ مزعج، وحتى لا تعيشه: تريّث.
تأنَّ ولا تَعجَلْ بلومِكَ صاحِبًا
لعلَّ له عُذرًا وأنت تلومُ
ولو حصل وندمت على أمرٍ ما، فتذكّر أن الماضي قد فات، فلا تذهب نفسك عليه حسرات.
لا تركّز على الضرر الذي حدث بالفعل، فهو لن يفيد، ولكن تعلّم مما حدث، وابدأ صفحةً جديدة.
فالألم قد يكون معلمًا جيدًا أحيانًا لتستوعب الدرس.
وتذكّر أيها الغالي:
في التأني سلامة، وفي العَجَلَة ندامة.
كاتبة رأي